وهنٌ في جهازي العصبي بعد أسبوعين على شفائي من كورونا! بقلم سارة حريز غريزي
صدى وادي التيم – لبنانيات/ (الصورة تشبيهية)
بعد أيام على تعافيّ من تجربتي مع فيروس كورونا – كوفيد19، بضع محطات قرّرت أن أتشاركها مع الناس، ليس لأن تدوين يوميات كورونا بات موضة، بل لأن التعبير عن أقسى التجارب واللحظات التي نمرّ بها قد يساعدنا في التعافي منها نفسياً، كما أنه قد يشكّل فسحة وعي للآخرين، حيث الوقاية المسبقة من هذا الفيروس تبقى الحل الأفضل لتجنّب الوقوع في فخّ التجربة وأوجاعها.
يعرف كل من حولي كم كنت حريصة على الالتزام الدقيق بإجراءات الوقاية الا ان الفيروس تخطى جميع الحواجز ونال مني. فجأة انتابني ألم حاد في الرأس، ظننت انه ألم الشقيقة المعتاد، فكابرت وتناسيت الأمر.
في اليوم الثاني والألم لم يفارقني لحظة، التزمت بارتداء الكمامة في العمل والمنزل خوفاً على عائلتي. وما ان أتى الليل حتى بدأت اوجاع غريبة تنخر جسمي. ألم حاد أوقظني ليلاً. البلعوم يتمزق! تناولت المسكنات ولم أفلح بالنوم ثانيةً.
في اليوم الثالث، أردتني الحرارة والقشعريرة ارتفاع الحرارة وألم الجسم طريحة الفراش. كأن شيئاً ينهش عظمي. تيقنت بأنه الفيروس اللعين. وفحص الـ PCR أثبت شكي باليقين في اليوم الرابع!
لن أنسى بحياتي لحظات الخوف وتأنيب الضمير التي عشتها. هل نقلت العدوى إلى أولادي، إلى زوجي ووالدته، إلى أهلي، زملائي في العمل، أصدقائي؟!
إنه اليوم الخامس، معزولة عن زوجي وأولادي، لازمت غرفتي وكان نهار شاق ومؤلم بدأت العوارض تزداد وبدأ الفيروس يتملك جسدي وكأنه اخذ منه محطة لدس كل ما هو مؤلم. قشعريرة قوية، ألم في الجسم يشعرني برغبة في الصراخ بين الفينة والأخرى، وصداع في الرأس. ليس أي صداع، بل هو من نوع الألم الذي ينقلك إلى عالم آخر، لا أسمع شيئاً مما يدور حولي، كأن روحي تجمّدت في جسدي، تأبى فراقه لكنها غير واعية له!
وحده صراخ إبني الصغير، دانيال إبن العامين يخترق غيبوبتي من حين لآخر، أسمعه يصرّ على الدخول إلى غرفتي والجلوس معي. من كان ليقنع هذا الملاك الصغير بأن الإبتعاد عن أمه يصبّ في مصلحته حينذاك؟! وابنتي ثريا، ابنة السنوات الست، تقترب بحذر وترقب غير مصدقة ان كورونا اللعين زارنا بالفعل. أما ابنتي الكبرى فرح، ابنة الأعوام الثمانية فبدت الاكثر تفهماً للأمر. تطمئن عني عن بعد، وأرى في عينيها رغبةً جامحة بالارتماء في احضاني. هذا ما فعله دانيال فيما بعد، فلم يعد يبارح كتفي رغم إصابتي والكمامة الفاصلة بيننا!
عوارض جديدة بدأت في اليوم السادس، انقطاع حاسة الشم، الذوق، القليل من ضيق التنفس. قاومتها كلّها بالنوم، لكن كورونا كان يهاجم أحلامي أيضاً. كوابيس وأحلام مزعجة حرمتني النوم. وبين فكّي الألم والكوابيس، كنت أراقب روحي تهيم خائفة غير مستسلمة.
كرمى لعيون أولادي سأهزمك أيها الفيروس الخبيث! وطوال تلك الأيام، كانت إتصالات الأحبة قوتاً للصمود وزاداً للإستمرار في المعركة! اما القوت الحقيقي، فلا طعم ولا رائحة. الملح كالسكر كالحامض كالحر، كل الأطعمة أمضغها بلا نفس، لا لشيء سوى رغبةً بالحياة.
فوق الألم الجسدي ألم نفسي لا يوصف. فما أصعب أن تراقب الأم أطفالها من بعيد، تختلس النظر إليهم سرقة ثم تنظر إلى نفسها في المرآة فلا ترى سوى خطراً إذا تنقّل بينهم قد يهلكهم! وما أصعب نظرة فرح ابنتي عندما نادتني من خلف الباب، سألتها ماذا تريد فقالت لا شيء اشتقت فقط لأناديكِ “ماما”! وما أصعب وقفة ثريا قبالتي على مسافة آمنة لتصرخ: ماما قولي لي انك تحسّنتي أرجوكي”.
ثمانية أيّام متواصلة كنت خلالها أحاول النهوض إلاّ ان الصداع يعيدني لأتسمّر في فراشي، في عالمي المختلف، ابذل جهدي وأخرج إلى الشرفة حيث الشمس علني استفيد من دفئها وفيتامينها السحري، احتسي شراب الزنجبيل إلا انني أشعر بالإرهاق، جسمي لا زال منهكاً، فمعركته لم تنتهِ بعد، وكل ما قاوم وكل ما أصبح العدو أكثر شراسة.
وأخبث عوارضه اليوم كان ضعف حاسة اللمس! أثناء الإستحمام، أصابعي بالكاد تشعر بدفء الماء، رأسي أصابه الخدر بحيث لم أكن أشعر بيديّ تدلكان شعري، ولو لم أرَ خصيلات شعري تتساقط أرضاً كأوراق الشجر في فصل الخريف، لما صدّقت! كلّ ذلك قد يبدو محمولاً إلا ضيق التنفس الرهيب الذي باغتني قبل أن أنتهي. توسّلت الهواء مسرعة إلى غرفتي. استراحة فعود على بدء إلى السوائل والفيتامينات.
في اليوم التاسع، وبعد استشارة الطبيب، فارقت الفراش وغرفة العزل بصعوبة، وبدأت أختلط بأولادي محافظة على الكمامة والمسافة الآمنة. ولا داعي لذكر كل التفاصيل، إلا أن كل تصرفاتهم مذاك الحين كانت إسقاطاً لما خلّفته هذه التجربة من أثر في نفسياتهم، أثرٌ كانوا يموّهونه بترداد أغنية “انت الشمس اللي ما بتغيب، كرمالك يا ماما الدني تحلى أيامها والخير بوابه تكتر” على مسمعي بين الحين والآخر، فيمنحونني القوة للاستمرار بالمقاومة!
مرّ اليوم العاشر عادياً بعد أن تأقلمت مع الوجع، إلا أن ما جرى تلك الليلة كان بمثابة الذروة. حرفياً ما عدت أشعر بيدي ولا بأقدامي، تسمرت في فراشي غير قادرة على القيام بأدنى حركة، صداع يصعق رأسي، ألم لا يحتمل في الجسم، سعال حاد وضيق نفس. الدعاء سيد الموقف، لأول مرة أبكي من شدة الألم. وكأنني استسلمت. ساعات هي الأصعب في حياتي. وما أن أشرقت الشمس حتى استعدت نشاطي! لكأن ما جرى تلك الليلة العاشرة كان ذروة الصراع بين جهازي المناعي والفيروس، والحمدلله أن الأول نجح بلفظه من جسدي.
كتبت هذه المذكّرات بشكل يومي وأكثر تفصيلاً، ولكنني اليوم، وبعد مرور خمسة عشر يوماً على أول نتيجة سلبية لي، والثانية حصلت عليها قبل يومين وأتت سلبية أيضاً، ورغم بعد المسافة الزمنية بين ما كتبت واليوم، غير أنني حتى الآن بالكاد أشعر بأطرافي، فلا أقوى على قيادة سيّارتي ولا أنجح بإنجاز الكثير من المهام اليومية والبديهية، نتيجة وهنٍ أصاب جهازي العصبي وما زال!
إنه كورونا أيها الأحبة! ليس مزحة ولا كذبة، بل إن أوجاعه وآثاره، متى تمكّن، أصعب من أن يتخيّلها إنسان بكامل عافيته. فاعقلوا وتوكّلوا، لتحفظوا صحّتكم وصحة عائلاتكم.
المصدر : سارة حريز غريزي – الانباء