“غضبٌ درزيّ” على سعد الحريري

يستبطن مشوار تأليف الحكومة أكثر من نزاعٍ مكتوم يدور بين المكوّنات الرئيسية الراعية لعملية إستيلاد حكومة ولو أنها تضفي على النزاع المكتوم تكتماً خشيةً من انفراط عقد الاجتماع على بركة المبادرة الفرنسية. كل ذلك يُنذر إلى إحتمال حدوث إنفجار قريب حالما يدخل التأليف مدار إعلان المراسيم.

هذا الجو السلبي بدأت تفاصيله تتوالى بالظهور تباعاً كلما جرى الاقتراب من ساعة الصفر. فالبيانات المتلاحقة، المتباينة المتعارضة، بين قصر بعبدا وعين التينة تخفي بين جزيئاتها الدقيقة نواحٍ تتجاوز غياب الكيمياء بين الجهتين، وتوحي بتنازع شديد على أبوة التأليف ومواعيد مخاضه. وقد بدا واضحاً خلال الساعات المنصرمة أنه وحين يشّد رئيس مجلس النواب نبيه بري تجاه قرب إعلان التأليف مقدماً مواعيد إنسجاماً مع توافر عناصر إيجابية لديه، تُرخي رئاسة الجمهورية وتتبرّع في كبح الايجابات، فتجنح إلى تعميم أجواء تقارب السلبية و توحي بأن المشاورات ما زالت تراوح عند نقطة معينة من دون أي تغيير، وهو أسلوب كان مدار بحث وتنقيب لدى مراقبين خلال الايام الماضية سعياً وراء فهم خلفياته.

وفيما تسود الخشية من انعكاسات محتملة على مجمل جو التأليف نتيجة النزاع الذي يطل برأسه رغمَ أنه ما زال مضبوطاً تحت سقف “المصلحة في استيلاد حكومة ضمن مهلة سريعة”، تتبرع بعض الكتل في استيلاد “عقد”، فتسهم في فرملة “الاندفاعة الجنونية” للتأليف، كما حصل خلال الساعات الماضية.

فبينما كان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يعمل على إبرام تفاهم مع رئيس الجمهورية يقوم على خفض التشكيلة من ٢٠ مقعداً إلى ١٨ بما يؤمن تمثيلاً للكتل من دون تسرّب “لعنة الثلث المعطل (او الضامن) إلى الحكومة، بالاضافة إلى إيجاد مخارج وأفكار حول “الحضور المسيحي” كما يشير مراقبون، كانت قد نبتت في مكانٍ آخر عقدة يصطلح على تسميتها “عقدة درزية” نتيجة طلب رئيس الحزب الديمقراطي طلال ارسلان المشاركة في الحكومة “من منطلقات ذات صلة بالميثاقية الدرزية”، وهو ما تبناه صراحة رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لا يبدو أنه في وارد قبول فكرة الحريري “النزول” إلى حدود تشكيلة من ١٨ مقعداً، لا سيما وأنه بات بحكم المتبني لوجهة النظر الدرزية الاخرى القائلة بأحقية التمثيل، رغم أن الحريري يعتبر أن من لم يسمه في الاستشارات لا حق له في الحكومة!

هذا الاشتباك، أرغم الرئيس المكلف أن يُدرج على جدول أعماله بنداً جديداً قوامه العمل على حل العقدة الدرزية، وهو ما أدى عملياً إلى خفض منسوب الآمال في صدور مراسيم التأليف خلال عطلة نهاية الأسبوع وقذفها إلى حدود الأسبوع المقبل في حال لم يجرِ تأمين مخرج، رغم أن الحريري كان يردّد أنه يفضل ألا يدخل ذلك الاسبوع رئيساً مكلفاً.

الخط الدرزي الآخر الذي يمثله النائب طلال ارسلان مدعوماً برئيس تيار التوحيد وئام وهاب، سارع حين التمسَ وجود “رغبة حريرية” في التشدّد حيال طلب تثبيت “صيغة الـ١٨” التي تضم في طياتها تقسيمة “٦ ستات” أي عملياً إخراج ارسلان من التركيبة الحكومية كونها تحصر التمثيل الدرزي بمقعد وحيد، تعميم أجواء سلبية تطال الحريري وعملية التأليف بوصفها “خارجة عن مفهوم الميثاقية”، وقد أوحت مصادر مقربة من خلدة أن الحريري يعمل بالتعاون مع المختارة على فرض “حصار على خط المكون الدرزي الآخر” كمقدمة لعدم الاعتراف لاحقاً بحضوره كشريك ضمن الطائفة، وهو “أمر مرفوض”. وما أثار حفيظة خلدة وشدَّ انتباهها، دخول النائب السابق وليد جنبلاط على خط العرقلة عبر استيائه العلني من استضافة عون لارسلان ووهاب.

الكلام العالي الذي خاطبت خلدة بيت الوسط به، ضمت إليه سقوفاً مرتفعة، فنادت بالارتكاز إلى نقطة وسطية بين خياري حكومة من ١٤ و ١٨ عضواً، مقترحةً الذهاب نحو تشكيلة من ١٦ مقعداً!، هذا الكلام استبطن “شبه استسلام” من قبل خلدة التي ظهر وكأنها تترفع عن طلب التوزير مقابل تبني منطق “تعميم الخسائر” على مختلف القطاعات السياسية.

فصيغة من ١٦ مقعداً تُقسم مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين (٨ بـ ٨ ) تمنح الشيعة ٣ مقاعد والسنة ٣ مقاعد والدروز مقعدين، مما يؤدي عملياً إلى خسارة الشيعة مقعداً يفترض ان يشغله حزب الله وينتزع من تيار المستقبل مقعداً فتصبح حصته حقيبة واحدة لكون رئاسة مجلس الوزراء تُحسب كحقيبة وبحكم أن تيار العزم وعدَ بنيل مقعد. طرح من هذا القبيل يفهم منه أنه يستهدف سعد الحريري في تمثيله داخل حكومته. إلى جانب ذلك، أعدَ “مشروع مشكل” سيحول الحكومة إلى ركام.

في المقابل، يستمر الرئيس الحريري في إضفاء طابع “سري للغاية” على حركته الحكومية. فزار “دار الفتوى” أمس “لأخذ بركة المفتي وتهنئته بالمولد النبوي الشريف” من دون الكشف عن المضمون الحقيقي الذي دار خلف الابواب الموصدة، وهي حجة لم تستسغها مصادر متابعة، رأت أن من أسباب زيارة الحريري اضافة إلى كل ما تقدم “توضيح بعض المسائل، من بينها خلفيات عدم صدور موقف مندد من جانبه بعد تعرض الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للنبي محمد”.

بموازاة ذلك، يسود جو منذ الأمس يوحي أن “العقدة المسيحية” لم تحل بعد، بدليل عدم لقاء الرئيس الحريري بالخليلين (الحاج حسين الخليل المعاون السياسي لامين عام ا ل ح ز ب  وعلي حسن خليل المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري)، بعد أن ابلغ سابقاً بضرورة حل “المسألة المسيحية” كي يصار إلى تناول المسائل الاخرى بعد أن باتت تفصيلاً أمام كل ما يُطرح”.

المصدر: ليبانون ديبات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!