زهرة السكوكع… جمال يزّين حقول العرقوب وحاصبيا

صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم /

سكوكع، بخور مريم، دويك الجبل، عصا الراعي، غليون الشايب، وغيرها أسماء لزهرة برّية واحدة يجذب جمالها وأناقتها الكبار والصغار على حدّ سواء.
يشرح مدير المدرسة الفنية الزراعية في بلدة الخيام بقضاء مرجعيون (جنوب لبنان)، المهندس الزراعي غيث معلوف، لـ”العربي الجديد” أن هذه الزهرة البرّية متعددة التسميات تنمو في بلدان الحوض الشرقي للبحر المتوسط، بدءاً من ديسمبر/ كانون الأول وحتى أواخر مايو/ أيار، ويقول: “ما إن يحلّ فصل الربيع في لبنان عامة وقضاءي مرجعيون وحاصبيا والبلدات الريفية والجبلية حتى يتسابق الأطفال مع ذويهم الى البرّية للتمتّع بالطبيعة وخيراتها وأزهارها، وأكثر ما يجذبهم هذه الزهرة متعددة الألوان من الأبيض الى الزهري واللّيلكي وغيرها، والتي تنمو في الجبال والأودية وعلى جوانب الحقول وبين الصخور، لدرجة أن من ينظر إليها للوهلة الأولى يعتقد بأنها تنبت من قلب الصخر”.
وتقول أمال يوسف: “يتخيّل البعض لدى رؤيتهم أزهار السكوكع الكثيرة التي تفترش الأرض عندما يحلّ فصل الربيع أن السماء أمطرت ثلجاً، وألبست العشب الأخضر حلّة بيضاء”. أمال التي رافقت صديقتيها نجوى وليا وأطفالهما في أحد الحقول المجاورة للحي الذي يقطنونه في بلدة القليعة قضاء مرجعيون، تُعلّم أطفالها كيفية صنع خروف من زهرة السكوكع، وتقول في حديثها لـ”العربي الجديد”: ” نقطف السكوكع ونأخذ واحدة مع ساقها الطويلة، ثم نفصل البقية عن سيقانها ونبدأ في إدخالها بالزهرة الكاملة حتى آخر الساق لتبدو بلونها الأبيض والوردي كما لو أنها خروف. هذه الزهرة الجميلة جداً تزيّن الطبيعة بشكل رائع وتبدو لافتة بوضوح عن باقي الزهور في فصل الربيع”.
وتغمر الفرحة الأطفال لامار نهرا وتيا ضاهر ولمار يحيى وشربل ضاهر وإيلي الحاصباني، خلال تسابقهم لجمع السكوكع الذي ينتشر بكثرة هذه الأيام، ويهتفون “الربيع حلو، الطبيعة حلوة، والسكوكع حلو”.
يبدأ هؤلاء الأطفال بقطف السكوكع، أو دويك الجبل، أو بخور مريم، الأسماء الأكثر شيوعاً لهذه الزهرة في لبنان. ومنهم مَن يتلذّذ بطعمها ويتنافس آخرون لجمع أكبر باقة منها. وتتحدث لمار بفرح عن السكوكع “الجميل جداً، ونسمّيه أيضاً دويك الجبل ونحب أن نقطفه كثيراً عندما نكون في الطبيعة، ونصنع منه أشكالاً حلوة”.

يجذب حب زهرة السكوكع الكبار والصغار (العربي الجديد)
يجذب حب زهرة السكوكع الكبار والصغار (العربي الجديد)

من جهته، يخبر المهندس غيث معلوف “العربي الجديد” أن “السكوكع نبات معمّر، تموت أوراقه في الصيف، فيما تبقى جذوره التي تسمّى علمياً السّاق الأرضيّة حيّة. وقيمة هذه النبتة أنها تعيدنا الى طفولتنا حين كنّا نأكل ساقها ذات المذاق الحلو، ونصنع منها أشكالاً نسمّيها العقد والخروف وغيرها”.

يضيف: “يوجد 21 نوعاً من هذه النبتة التي تنتشر في لبنان وفلسطين وسورية والأردن ومصر وصولاً إلى إيران. وهي معمّرة وتعيش سنوات. صحيح أن أزهارها وأوراقها تموت صيفاً، لكن جذورها التي تعرف بالساق الأرضية تنبت مجدداً في الشتاء وتنمو أزهارها في لبنان مثلاً في مارس/ آذار وإبريل/ نيسان ومايو/ أيار. وتتجدد أزهارها خلال هذه الفترة بعدّة أفواج، وتختلف ألوانها بين الأبيض والزهري والأحمر الفاتح قليلاً”.
يتابع: “هناك أصناف مهجّنة ذات أوراق أكبر وتزهر لفترات أطول، وتقدّم كهدية في مناسبات عيد الميلاد وعيد الأم بسبب جمال أزهارها وألوانها. والأصناف المهجّنة تنوّع ألوانها، وتُزهر لفترات أطول لأنه يتم الاعتناء بها في شكل كبير، وريها طوال فصل الصيف”.

يتلذذ البعض أيضاً بطعم السكوكع (العربي الجديد)
يتلذذ البعض أيضاً بطعم السكوكع (العربي الجديد)

فوائد طبية
ويلفت إلى أن “هذه النبتة تعيش الى جانب الصخور والحقول حيث ترتوي بكمية المياه المطلوبة التي تسمح لأزهارها بالنموّ فترات أطول، علماً أن أوراقها تستخدم أيضاً مثل ورق العريش أو الدوالي، ويجري حشوها بالخضار أو اللحمة والبصل وتوضع أيضاً في أطباق السلطة. الجذور التي تنمو تحت الأرض تحفظ الغذاء لزهرة السكوكع، وتجعلها تنمو مجدداً كل عام. ويمكن الإفادة من هذه الجذور (الساق الأرضية) لأغراض طبيّة كثيرة لأنها تحتوي على مادة تحمل اسم “غليكوسيد السيكلامان”، وهي مادة سامّة قد يتسبب استهلاكها بكمية كبيرة في مخاطر صحية كبيرة على الإنسان، أما استعمالها الطبي والعلمي فيساعد على سبيل المثال في شفاء الجروح المتقرّحة عبر طحنها ووضعها عليها، كذلك يمكن استعمالها في معالجة الفطريات بين الأصابع وتحت الأظافر، ولا يزال بعض الصيادين يستخدمونها في صيد السمك عبر طحن الجذور وخلطها بالعجين ليصبح طعما للسّمك، فيتخدّر السمك ويطفو على سطح الماء، لكن يجب تنظيفه مباشرة كي لا ينتقل السّم الى البشر”.

ويشرح معلوف: “السّاق الأرضية تتواجد قرب وجه الأرض، بعمق بين 5 سنتيمترات و30 سنتيمتراً، وقطر يتراوح بين 5 سنتيمترات و15 سنتيمتراً، ولونها بنّي. وتستخدم السكوكع أو بخور مريم أيضاً في تزيين الكنائس”.

السكوكع نبات معمّر يحتوي مواد مفيدة طبياً (العربي الجديد)
السكوكع نبات معمّر يحتوي مواد مفيدة طبياً (العربي الجديد)

أوراق تؤكل
ويقول مخايل نجم لـ”العربي الجديد” لدى بحثه عن السكوكع ذات الأوراق الكبيرة التي تشبه الى حد ما أوراق دوالي العنب: “تعرفنا منذ صغرنا على هذه النبتة، حين لم نكن نعلم أن أوراقها يمكن أن تؤكل مثل ورق العنب من دون لحمة، وهو ما نسمّيه “قاطع” في فترة الصوم لدى الطوائف المسيحية”. يضيف: “أنتظر موسم نمو السكوكع كي أقطف ورقه من أجل أكله، وأنا أجده أطيب من ورق العنب، وتعرّفت على طريقة أكله من الأهل والأجداد”.


أما علاء سعد الدين الذي يسكن في كفرشوبا بقضاء حاصبيا (جنوب) فيشير إلى الجمال المميّز للسكوكع، “فورودها وألوانها رائعة. في الصغر كنا نأكل عيدانها وهي لذيذة ونكهتها رائعة جداً. كان أجدادنا يخبروننا أن هذه الأرض مباركة بسبب قربها من فلسطين والمسجد الأقصى، وهذه النبتة لافتة جداً وتجذب الناظر إليها كي يقطفها لا شعورياً”.
وبعد التمتّع بالطبيعة وجمع باقات زهرة السكوكع، تحلّقت أمال ونجوى وليا وأطفالهن ورموا هذه الباقات نحو السماء لتمطر عليهم سكوكع.

عمر يحي – العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى