حمايةُ لبنان تبدأُ من غزّة

صدى وادي التيم-امن وقضاء/

لعلّ من بديهششيّات العمل السّياسيّ والوطنيّ في أيّ دولة طبيعيّة أن يتمَّ ترتيب سلّم الأولويّات بما يتناسب مع التّحدّيات وبالتّالي تغليب الأهم على المهم، تبعًا لطبيعة كلّ مرحلة. 

وبهذا المعنى كان يُفترض أن يشكّل العدوان الإسرائيليّ على غزّة حافزًا للقوى السّياسيّة اللّبنانيّة من أجل تأجيل أو تجميد خلافاتها، لتحصين الجبهة الداخلية وتعزيز مناعتها في مواجهة مخاطر العدوان، خصوصًا أنّ تداعياته شملت لبنان، ما يستدعي التّصدّي لهذا التّهديد قبل أيّ شيء آخر.

لكن ما حصل، أنّ اللّبنانيين انقسموا مرّة أخرى حول كيفيّة التّعاطي مع هذا العدوان ومفاعيله على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، إذ يعترض البعض وبصوتٍ مرتفعٍ على إسناد حزب الله لغزة عسكريًّا عبر جبهة الجنوب حتّى لو كان إسنادًا مدروسًا، ويدعو إلى تنفيذ القرار 1701 فورًا وانسحاب عناصر المقاومة من خطّ الحدود وحصر الوجود المسلّح هناك في الجيش اللّبناني والقوّات الدوليّة، فيما يتمسّك الحزب بخيار دعم الفلسطينيين عمليًّا عبر التّدخّل العسكريّ الهادف إلى إشغال العدوِّ واستنزافه في شمال فلسطين المحتلة مع التّلويح بانخراطٍ أكبر في المعركة إذا لزم الأمر على قاعدة أنّه من غير المسموح إلحاق الهزيمة بحركة حماس وانتصار العدو الإسرائيلي. 

وبينما يعتبر معارضو هذا الخيار أنّ التّضامن مع غزة يجب أن يكون سياسيًّا فقط وأنّ لبنان غير معنيٍّ بخوض مغامرة عسكريّة قد تُرتّب عليه عواقب وخيمة لمساعدة قضية أو جبهة لا علاقة مباشرة له بها، يؤكّد مناصرو الحزب أنّ مشاركته في المواجهة هي مصلحة لبنانية، إلى جانب كونها واجبًا أخلاقيًّا حيال الفلسطينيين، وبالتالي فإنّ الشّهداء على طريق القدس يحمون أيضًا وطنهم. 

ويلفت هؤلاء إلى أنّ المعركة التي يخوضها الحزب جنوبًا نصرة لغزة إنّما لها أيضًا وجه آخر يكمن في أنّها كذلك معركة استباقيّة ببعدٍ وطنيٍّ، إذ هي تصبّ في خانة حماية البلد ومقاومته ومنع الاحتلال من تكرار العدوان. 

وينبّه أصحابُ هذه المقاربة إلى أنّ انتصار العدوّ الإسرائيليّ في غزة سيعطيه الزّخم للاستدارة لاحقًا صوب لبنان وسيشجّعه على مهاجمة حزب الله في المرحلة التالية سعيًا إلى التّخلّص من خطره الكبير، وسط رفض المستوطنين النازحين العودة إلى مستعمراتهم في الجليل قبل إبعاد شبح الحزب الذي باتت وطأته أثقل عليهم بعدما أصيبوا، هم وقيادتهم، ب”عقدة” غلاف غزة. 

أمّا إخفاق الكيان الإسرائيلي في تحقيق أهداف الهجوم على غزة فسيحول دون أن يفكر في شنّ حرب مدمّرة على لبنان بعد حين، ما يعني أنّ مؤازرة “حماس” عسكريًّا عبر استنزاف الاحتلال في الجليل وعند الحدود، هي مصلحة وطنيّة عليا، إضافة إلى أنّها واجبٌ أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ وشرعيٌّ وقوميٌّ.

وهناك من يلفت إلى أنّ مؤازرة حزب الله ل”حماس” في مواجهة العدوِّ الإسرائيلي تشبه في جانب منها تدخّله في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد ضدّ الجماعات التّكفيريّة، إذ أنّ كلاهما ساهم على المستوى الاستراتيجي في حماية استباقية للبنان والمقاومة من تهديد حقيقي، ولذلك يجب وضع سلوك الحزب عند الحدود الجنوبية ضمن سياق أوسع من الحسابات الضّيقة للبعض، وفق مناصريه.

المصدر: عماد مرمل – الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى