رسالة المطران الياس كفوري لمناسبة عيد الميلاد المجيد

صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم /

كلمة راعي الأبرشية المطران الياس كفوري الجزيل الاحترام في عيد الميلاد المجيد 2022
“لما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه، مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس. ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني…” (غلا4 : 4)
لما حان ملء الزمان. هذه العبارة تعني: لما رأى الله الوقت مناسباً. وكذلك لما تمَّت النبوءات واستنفد “الناموس” أهدافه… أرسل الله ابنه… رسالة العبرانيين توضح هذا الأمر بقولها: “إن الله بعدما كلّم الآباء قديماً في الأنبياء كلاماً متفرّق الأجزاء ومختلف الأنواع،كلّمنا في هذه الأيام الأخيرة في الإبن الذي جعله وارثاً لكل الأشياء، وبه أنشأ الدهور. وهو ضياء مجده ورسم جوهره وحامل الكل بكلمة قوته…” (عبر1 : 1-5). الله لم يترك خليقته قط. بل كان يتابع مسيرة الإنسان ويراقبه لئلاّ يهلك بسبب خطاياه الكثيرة. فأرسل الأنبياء بدءاً بإبراهيم وصولاً إلى يوحنا المعمدان الذي أتى ليمهدّ الطريق ويهيىء لمجيء المسيح.
لما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه. لعلّ مثَلَ الكرم في إنجيل لوقا يوضح هذا الأمر بطريقة أخرى: (لوقا20: 9-19). مولوداً من امرأة . ليظهرأهمية المرأة وخاصةً مريم التي تسميها الكنيسة “حوّاء الثّانية” عندما تقول إنّ حوّاء الأولى سبّبت السقوط من الفردوس أمّا حوّاء الثانية (أي مريم أُم يسوع) فكانت سبب خلاص البشرية .ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني”. المسيح وُلد حسب الناموس. هو تمّم الشريعة ليخلصنا منها. “وقد زال ظل الناموس بورود النعمة”.

ميلاد المسيح نقلنا من عهد الناموس إلى عهد النعمة . من العبودية الى الحرية . أصبحنا أبناء الله: “فلستَ بعد عبداً بل أنت ابن. وإذا كنت إبناً فأنت وارث لله بيسوع المسيح”. في الميلاد أصبحنا أبناء الله : “أمّا كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاداً لله أي المؤمنون باسمه الذين ولدوا ليس من دمٍ ولا من مشيئة جسدٍ ولا من مشيئة رجلٍ بل من الله ” (يوحنا 1 : 12 -13). فإذا كنا أولاد الله فإننا نتعامل معه كما يتعامل الإبن مع أبيه. أي “بحرية أبناء الله” في الميلاد أصبحنا أحراراً. تحرّرنا من خطايانا التي غسلها المسيح بدمه على الصليب. تحررنا من نير العبودية وأصبحنا أحراراً بالنعمة التي بها نخلص كما يقول بولس الرسول : “لأنكم بالنعمة مخلصون” (أف 2: 8).
إنطلاقاً من هذا الإيمان نسأل: كيف نعيّد الميلاد؟ كيف ننتقل من عهد الناموس إلى عهد النعمة؟ يحصل ذلك عندما نخلع الإنسان العتيق ونلبس الجديد: “بل اخلعوا الإنسان العتيق مع أعماله، والبسوا الإنسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة على صورة خالقه. حيث ليس يوناني ولا يهودي. لا ختان ولا قلف. لا بربري ولا اسكيثي. لا عبد ولا حرّ. بل المسيح هو كل شيء وفي الجميع”.(كولوسي 3: 4-7).
هذا الأمر يتطلب توبة حقيقية لا شكلية. التوبة تكون بالرجوع عن الخطيئة . باتخاذ قرار بأن نكون مع الله . والذي يكون مع الله يترك خطاياه وراءه ويبدأ عملية تطهير، على ما يقول بولس الرسول: “متى ظهر المسيح الذي هو حياتنا فأنتم أيضاً تظهرون حينئذ معه في المجد . فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض: (كولوسي 4:3) . الظهور مع المسيح في مجده يتطلب تحضيراً. يتطلب كذلك تطهيراً وتنظيفاً للقلب من أدران الخطيئة . “قلباً نقياً

اخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيماً جدّد في أحشائي” (مز 50). هناك ترتيلة جميلة جداً نتلوها في صلاة الختن تقول : “إنني أشاهدُ خدرَك مزيّناً يا مخلصي ولستُ أمثلك لباساً للدخول اليه.فأبهج حُلة نفسي يا مانح النور وخلّصني”. لكي تدخل الى “خدر المسيح” عليك أن تكون نظيفاً من الداخل ومن الخارج. عملية التنظيف هذه تتطلب توبة وتطهيراً للنفس والجسد من الخطايا. لا يستطيع المثقل بالخطايا والملطخ بأوحالها أن يدخل “خدر المسيح” نقول في صلوات المطالبسي (أي التحضير للمناولة): “في بهاء قديسيك كيف أدخل أنا غير المستحق”. لأني إن تجرأت على الدخول معهم إلى الخدر يبكِّتني لباسي لأنه ليس هو لباس العُرس. وأُطردُ من الملائكة مغلولاً. فطهِّر يا رب دنس نفسي وخلصني بما أنك محب للبشر.
نلاحظ من كل ما تقدّم أن العيد بداية مرحلة جديدة في حياة الإنسان. إنه عملية روحية تحدث داخل الإنسان فتنقله من حال إلى حال . إنهاعملية تطهير وتجدد. وُلد يسوع في مغارة بيت لحم من أجلنا. جاء ليخلصنا من نير العبودية للخطيئة . “صار الإله إنساناً ليصير الإنسان إلها”. قال القديس أثناسيوس الكبير. العيد ليس الزينة والمآدب الفاخرة. (وإن كانت هذه تعبيراً عن الفرح). العيد هو الارتقاء بالروح الى فوق. أن نصعد سلّم الفضائل كما يقول القديس يوحنا السلّمي. كذلك أن نجعل الآخرين يعيدون أيضاً، ولا سيما الفقرا، إخوة يسوع الصغار. (كما يسميهم). العيد هو “أن تكسر للجائع خبزك وتعيل الفقراء والمساكين”. ماذا يعني العيد للذين لا يستطيعون تأمين لقمة العيش لأطفالهم. هؤلاء الأطفال الذين كانوا يصرخون مع الملائكة والرعاة! المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة. أتى يسوع ليحقق السلام في العالم:

“جئتُ لألقي سلاماً لا سيفاً. أتى ليبث الفرح في قلوب الحزانى. أتى يسوع لتعمّ المحبة العالم ويسود التواضع: “رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم . فلا يكون هكذا فيكم . بل مَن أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً ، و مَن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً” (متى 25:20 -27).
فلتكن هذه البداية انطلاقة جديدة في حياة جديدة على الصعيدين الشخصي والجماعي . فيحاول كل منّا نقل فرح العيد إلى الآخر . فيعيّد الاثنان معاً لا كلٌّ على حدة. هذه المعيّة تقوّي المؤمن وتجعله يكون هو أيضاً عنصر قوّة للآخر . فيتّحد الاثنان في الرب .وكذلك مع الجماعة المؤمنة . فتتحقق رغبة السيد ” ليكونوا واحداً” (يو: 17 : 21 ) . هذا الأمر ينسحب أيضاً على وحدتنا الوطنية. فنضع نصب أعيننا خدمة وطننا قبل مصالحنا الضيقة. فتعلو مصلحة الوطن فوق كل مصلحة . ويتنازل كلٌّ منّا عن بعضٍ من مصالحه الخاصة في خدمة المصلحة العامة. فيتحرر الوطن من القيود الطائفية والفتوية لتسود الروح الوطنية فينعم الجميع بالسلام والوئام فيما بينهم . ليقوى السلم الأهلي وتتحقق العدالة الاجتماعية والوحدة الوطنية.
أعاده الله على لبنان والمنطقة وقد حلَّ السلام وعمَّ الفرح والازدهار آمين .
“المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وفي الناس المسرة”

مرجعيون في 24/12/2022 المطران الياس كفوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى