بيروت 1982 كييف 2022: هل يعيد التاريخ نفسه؟

صدى وادي التيم -دوليات /

 

بعض من عايشوا الحصار الإسرائيلي لبيروت صيف 1982 يقارنونه بالحصار الروسي الذي تستعدّ له كييف قريباً في شتاء 2022. وجه المقارنة لدى هؤلاء هو أنّه قبل 40 عاماً تقريباً، عندما اندفعت آلة الحرب الإسرائيلية نحو لبنان، ساد اعتقادٌ أنّ قائد الغزو وزير الحرب الإسرائيلي آرييل شارون كان يسعى إلى إخراج قوات منظمة ال ت ح ر ي ر الفلسطينية وسائر المنظمات الف لس طينية من المنطقة بين الحدود الشمالية لإسرائيل (الجنوبية للبنان)، وبين نهر الأوّلي الذي يفصل صيدا عن سائر الأراضي اللبنانية. لكنّ خطة الغزو الإسرائيلي تمدّدت نحو بيروت، فكانت أول عاصمة عربية منذ قيام الدولة العبرية تقع تحت الحصار الإسرائيلي.

في أيامنا هذه، قبل 24 شباط الماضي، ساد اعتقاد لدى أوساط إعلامية في بيروت قريبة من موسكو أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكتفي، كما فعل في الـ21 من الشهر نفسه، بإعلان الاعتراف باستقلال جمهوريتيْ “دونيتسك ولوغانسك” في الشرق الأوكراني. لكنّ بوتين فاجأ العالم بعد ثلاثة أيام بقرار غزو أوكرانيا وتغيير وجهها السياسي مُنهياً واقعها الحالي برمّته.
حتّى إعداد هذا المقال، ما تزال الحرب في أوكرانيا إلى تصاعد، وهي تقترب من مرور أسبوع على نشوبها. فهي “بعد أيام من سوء التقدير لمدى تصميم أوكرانيا على القتال، تتّجه القوات الروسية نحو نمط قديم من فتح النار على المدن وتصاعد الحصار”، على حدّ ما ورد في تحليل ستيفن إرلانغر في “نيويورك تايمز”.

في المقابل، كتب سيرغي فالتشينكو في صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسية في نهاية شباط يقول: “دخلت العمليّة الخاصة في أوكرانيا يومها الخامس. وهذا الوقت ليس طويلاً، إذا تذكّرنا، على سبيل المثال، أنّ الحرب في قره باغ استمرّت 44 يوماً في العام 2020”.

بين 6 حزيران عام 1982 عندما بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان تحت عنوان “عملية سلام الجليل”، و21 آب من العام نفسه، عندما غادرت منظمة التحرير الفلسطينية وسائر الفصائل الفلسطينية بيروت عبر مرفئها، هناك أكثر من ضعف أيّام حرب قره باغ. قال فيليب حبيب، الوسيط الأميركي الذي رتّب جلاء ال م ق او م ة الفلسطينية عن العاصمة اللبنانية: “صدّقني، إنّ الحرب الحديثة أمر رهيب. الناس قلقون من السلاح النووي، فيما كنّا جالسين نراقب الأسلحة التقليدية الحديثة. والأسلحة التقليدية بغيضة جدّاً بجرعات مركّزة، وتفهمك بإلحاحية وجوب القيام بعمل ما. وما إن ترى مرّة واحدة إحدى الشظايا، وما يمكنها أن تحدثه، تترسّخ في ذهنك صدمة الحرب”. لكنّ هذه الشهادة، التي أوردها جوين بويكن في كتابه “ملعون صانع السلام”، هي كلام منمّق عمّا فعله السلاح الأميركي في ذلك الوقت في أكثر جرائم الحرب وحشيّة، التي ارتكبتها إسرائيل في تاريخها حتى اليوم.

ممّا ورد في موسوعة ويكيبيديا حول حصار بيروت: “تَمنّت إسرائيل إكمال الحصارِ بِأسرع ما يمكن. وكان هدفها من غَزو لبنان نصراً سريعاً وحاسماً. لسبعة أسابيعِ، هاجمت إسرائيل المدينة بحراً وجوّاً وأرضاً، وقطعت إمدادات الغذاء والمياه والكهرباء، واحتلّت المطار وبعض الضواحي الجنوبية، لكن بدون تحقيق أهدافها الكبرى. ولم ينتهِ هذا الحصار إلا بعد عقد اتفاقية وافقت عليها سوريا في السابعِ من آب ووافقت عليها الولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية في الثامن عشر من آب. وفي 21 آب، وصل 350 مظلّيّاً فرنسيّاً إلى بيروت، وتلاهم 800 جندي بحري أميركي (المارينز) وجنود حفظ سلام دوليون إضافيون (بقوة إجمالية يبلغ عددها 2,130) للإشراف على رحيل المنظمة أوّلاً بالسفن، وبعد ذلك برّاً، إلى تونس واليمن والأردن وسوريا”.
هل يتحقّق لبوتين اليوم في كييف ما تحقّق لشارون عام 1982 في بيروت؟

رأى نائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية، والرئيس السابق لمديرية المعاهدات الدولية بوزارة الدفاع، الفريق المتقاعد يفغيني بوجينسكي، أنّ “العمليّة تسير على ما يرام”. وقال على “القناة الأولى” في التلفزيون الروسي: “تمّ الانتهاء بنجاح من مهمّة المرحلة الأولى”. وأضاف: “الصعوبة الرئيسية التي يواجهها المشاركون في العملية، من وجهة نظري، هي الأوامر بتقليل الدمار والخسائر المدنية. لذلك، على حدّ علمي، لا تحتلّ القوات المدن”. وتابع: “الآن في أوكرانيا، فإنّ أحد القيود الجدّيّة في إجراء العملية الخاصة هو أنّ قواتنا الجوفضائية لا تعمل بكامل قوّتها، على الرغم من حقيقة أنّها في سوريا هي التي دمّرت جميع قواعد الإرهابيين”. وأشار إلى أنّ الصعوبات الرئيسية ستكون خلال العملية في كييف. فالمدينة “يسهل التعامل معها إذا تحقّق شرط أساسي واحد، هو (ضمان) موقف السكان”. وخلص إلى القول: “هناك انطباع بأنّ قادة أوكرانيا الحاليين لا يهتمّون بما سيحدث لاحقاً، ذلك أنّهم يفجّرون الجسور والبنية التحتية المدنية”.

وحشية العسكر الروسي

بالعودة مجدّداً إلى ستيفن إرلانغر في “نيويورك تايمز”، فقد كتب يقول: “لم يتمّ الاستيلاء على أيّ مدن كبرى بعد توقّف الدفع الروسي الأوّلي تجاه كييف العاصمة. وفي حين بدا أنّ روسيا توجّه لكماتها، قامت أوكرانيا بتنظيم المدنيين وتسليحهم لتغطية المزيد من الأرض، وهاجم جيشها القوافل وخطوط الإمداد الروسية، مقدِّماً من خلال فيديوهات أدلّة على مركبات روسية محروقة وجنود قتلى”.

أضاف: “لكن الحرب كانت تتغيّر بسرعة بالفعل يوم الإثنين (28 شباط). وفي نهاية المطاف، من المرجّح أن تتحوّل بالقدر الذي ترغب فيه روسيا لإخضاع أوكرانيا. فسجلّ روسيا في الحرب الأهلية السورية، وفي جهودها القاسية لسحق النزعة الانفصالية في منطقة الشيشان الروسية، يشير إلى حملة وحشية متزايدة في المستقبل”.

وأشار إلى أنّ “العقيدة العسكرية الروسية في ما يتعلّق بالاستيلاء على المدن عمليّة وقاتلة على حدٍّ سواء، إذ تفضّل المدفعيّة الثقيلة والصواريخ والقنابل لتخويف المدنيين ودفعهم إلى الفرار، في حين تقتل المدافعين عن حقوق الإنسان وتدمّر البنية التحتية والاتصالات المحليّة قبل التقدّم على الأرض”.

واستطرد قائلاً: “في سوريا، واجه الروس نكسات مبكرة دفعت إلى التنبّؤ لهم بالمستنقع. ومع ذلك، تكيّفوا مستخدمين الصواريخ والقوة الجويّة والمدفعيّة، في حين دخل حلفاؤهم في الغالب على الأرض. في الفترة من 2015 إلى نهاية 2017، تشير التقديرات إلى أنّ الغارات الجويّة الروسيّة قتلت ما لا يقلّ عن 5,700 مدني، ربعهم من الأطفال، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان”.

ولفت إلى أنّ الحربيْن في الشيشان كانتا “وحشيّتين بشكل خاص، ودمّرتا العاصمة غروزني، وساعدتا في منح بوتين، الذي كان آنذاك رئيساً جديداً للوزراء، سمعة في الصلابة. ولقي آلاف عديدة حتفهم قبل أن تستعيد روسيا السيطرة وتضع الشيشاني الموالي للكرملين في موقع المسؤولية”.

وخلص تحليل الصحيفة الأميركية إلى عرض ما قاله كورتيس م. سكاباروتي، وهو جنرال متقاعد في الجيش الأميركي من فئة أربع نجوم وقائد أعلى للحلفاء في أوروبا: “يجب أن يبقى الأوكرانيون على قيد الحياة وينتقلوا إلى التمرّد، وهي مهمّة صعبة. في المقابل، على الروس أن يعزّزوا مكاسبهم ويسيطروا على بلد كبير سكّانه معادون لهم. الأيام القليلة المقبلة سوف تشير إلى ما يمكن أن تذهب إليه الأمور. وإذا كان الأمر صعباً، فإنّ الروس سيصبحون وحشيّين”.

في الخلاصة، علّمتنا بيروت، عام 1982، أنّ إسرائيل، بكلّ جبروتها وبالسلاح الأميركي، لم تأخذ ما أرادته مباشرة إلا بتدخّل دولي. فكيف الحال وكلّ أسلحة الغرب تقف اليوم إلى جانب كييف؟

هل يعيد التاريخ نفسه؟

أحمد عياش – اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى