ما الذي بين بري وجنبلاط وفرنجية: هل هناك كلمة سر رئاسية بين المختارة وعين التينة؟

صدى وادي التيم-لبنانيات/

يتفق وليد جنبلاط مع نبيه بري على كل شيء تقريباً؛ إلا على سليمان فرنجية. فأبو مصطفى يحفظ كيف يفكر أبو تيمور عن ظهر قلب، والعكس صحيح؛ ذلك أنه خلال حياتهما السياسية مر الرجلان بكل مراحل “الخصومة” و”الود” وحتى الفتور في علاقتهما؛ حتى أطلق عليهما لقب “الأعدقاء”، أو “الأخوة الأعداء”؛ وبنظر عارفين لدواخلهما؛ فإن الفكرة الأساسية التي تربط بين بري وجنبلاط هو عدم ثقتهما بالشخصيات المسيحية التي لا تزال تؤمن بنموذج مدرسة المارونية السياسية التي قاتلها بري وجنبلاط خلال الحرب الأهلية.

.. أما بخصوص موضوع أبو طوني، فإن بري له نظرته وله حساباته؛ فيما جنبلاط له نظرته المغايرة وحساباته المختلفة. فأبو تيمور ضد وصول فرنجية لرئاسة الجمهورية لعدة أسباب؛ أبرزها يعود لكون جنبلاط يعتبر أن فرنجية هو أقرب الحلفاء لنظام الرئيس الأسد في لبنان، فيما جنبلاط يعتبر نفسه أبعد اللبنانيين بعد سمير جعجع عن النظام السوري؛ وهو يساوره الشك بأن دمشق لديها حساب مفتوح معه، وهي ستقوم بتصفية هذا الحساب فيما لو عاد نفوذها الى لبنان.

.. وعليه فإن جنبلاط يرى أن صراعه ليس مع شخص سليمان فرنجية، بل مع معادلة وصول فرنجية الى قصر بعبدا؛ لأن مشروع فرنجية الرئاسي يخدم عودة النفوذ السوري إلى لبنان، وهو أمر يشكل بنظر جنبلاط خطراً وجودياً على المختارة التي يوجد لقصر المهاجرين حساب مفتوح معها.

.. وبطبيعة الحال فإن بري يفهم – وليس بالضرورة يتفهم – خلفيات موقف جنبلاط من ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؛ وقد يكون بري في قرارة نفسه يعرف أن ترشيح فرنجية ليس مشروعاً قابلاً بنهاية المطاف للتسييل السياسي الداخلي والخارجي بالنظر لمعطيات وتعقيدات عالقة بترشحه للرئاسة: فبري يعلم أن فرنجية لا يواجه فقط معارضة مسيحية شبه شاملة له؛ بل يواجه أيضاً فيتو درزي عليه؛ وبالأساس، وهذا هو الأهم، يوجه عدم تأييد سعودي له..

وكل واحدة من هذه المشاكل رغم الفوارق في أهميتها؛ تشكل بحد ذاتها عقبة كأداء بوجه طموح أبو طوني الرئاسي.. وعليه يمكن الاستنتاج أن بري مقتنع في قرارة نفسه، رغم إظهاره عكس ذلك في أحاديثه وتصريحاته، أن فرنجية طالما لم يحظ بالتأييد السعودي، فهو مرشح للتفاوض من أجل الوصول إلى إسم رئيس ثالث، غير جبران باسيل وميشال معوض ..

وهناك من يعتقد من دون امتلاك دلائل مادية؛ أن بري وجنبلاط يشتركان في هذا التفكير، وأنهما ربما تحت الطاولة قد اتفقا على أن يكون إسم جهاد أزعور أو شخص من نوعيته، هو كلمة السر بينهما والتي سيتم اعلانها في الوقت المناسب.. والأسباب الكامنة وراء هذا الاعتقاد هي التساؤل عن الهدف الذي يقف وراء حراك جنبلاط الخارجي، ووراء كلام نواب الاشتراكي عن أن “أبي تيمور” يتحرك داخلياً وخارجياً لإنتاج مبادرة لانتخاب فخامة الرئيس؛ وأيضاً كلامهم عن أن الحزب التقدمي الاشتراكي أبلغ مؤخراً ميشال معوض أنه سحب ترشيحه له..

والواقع أن كل هذا الكلام الذي يتقصد الحزب التقدمي تسريبه يطرح عدة أسئلة بحاجة لأجوبة عنها؛ منها ان جنبلاط بحسب طبيعته؛ ما كان ليسحب ترشيحه عن معوض لو أنه لم يحصل سلفاً على مقابل سياسي لخطوته هذه؛ وبالتحديد على ثمن تدعم مبادرته الرئاسبة وتعزز فرص نجاح حركته الداخلية والخارجية لإنهاء الشغور الرئاسي..

والسؤال الاستداركي هو ممن قبض جنبلاط ثمن سحب ترشيحه لمعوض.. أو بكلام آخر ما هي الصفقة أو “الديل” التي عقدها جنبلاط مقابل سحب ترشيح التقدمي لمعوض، والأهم من ذلك هو مع أية جهة عقد جنبلاط هذه الصفقة، وما هو مدى الثمن الذي أعطته هذه الجهة لجنبلاط كي تتخلص من ترشيح معوض؟؟…

الاجابة عن هذه الأسئلة تقود إلى حقيقة أن الجهة الأهم المعنية بسحب معوض من التداول الرئاسي، هي الحزب  والرئيس نبيه بري؛ وهنا يذهب الظن للاستنتاج بأن جنبلاط عقد الصفقة بشأن سحب ترشيحه لمعوض، مع بري؛ وربما كان “الديل” الجديد بينهما (بين بري وجنبلاط) هو “جهاد ازعور” أو إسم يحاكيه…

وموجبات هذه الصفقة هي التالي:

أن كلاً من بري وجنبلاط مقتنعان بأنهما يحب أن يذهبا إلى الانتخابات الرئاسية معاً حتى يتسنى لهما أن ينهيا مرحلة تبعات رئاسة عون؛ وهما مقتنعان أن اتفاقهما على اسم رئيس جمهورية يجعل موقعهما أقوى في معادلة انتخاب فخامة الرئيس وفي معادلة مجمل عملية إعادة إنتاج السلطة في البلد.. أضف أن جنبلاط يعلم أن بري لن يستمر في خيار فرنجية إلا إذا أتت موافقة سعودية عليه؛ كما أن بري يعلم أن جنبلاط لن يغير موقفه من ترشيح فرنجية إلا إذا أرادت السعودية ترشيحه وقدمت الرياض وليس أي طرف آخر ضمانات من دمشق للمختارة.

.. وأما إذا لم تدعم السعودية ترشيح فرنجية فإن بري وجنبلاط سيتفقان على اعتبار وصوله لرئاسة الجمهورية سيشكل مشكلة للبلد؛ وليس حلاً.. وحينها سيذهبان معاً لخيار انتهاء مرحلة تباينهما حول ترشيح فرنجية، وهو تباين يستمر الآن على قاعدة انتظار أن تقول السعودية بوضوح أنها ضد ترشيح فرنجية!! والواقع أن هذا التباين الانتظاري بين بري وجنبلاط يخفي وراءه “خطة ب” على إسم مرشح ثالث يطرحه جنبلاط لحظة اتضاح موقف الرياض، وتدعمه السعودية، ويسير به بري والقوات والكتائب والطشناق، ويؤمن حزب الله لانتخابه النصاب..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى