درزيّ لقيادة الجيش “مداورة الأمر الواقع” ؟

صدى وادي التيم-لبنانيات/

منذ شباط من هذا العام، بدأت تتوالى أزمات المواقع الأولى في الدولة. ففي ذلك التاريخ اعتقد الجميع أنّ التجديد للمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم حتمي في اللحظة الأخيرة. إلا أنّ ذلك لم يحصل، وبدا يومها أنّه لم يحصل بإرادة من الثنائي الشيعي الحزب وحركة أمل أوّلاً، وانسحب ذلك على المشهد السياسي العام. ثمّ في نهاية تموز، عاد السيناريو نفسه في حاكمية مصرف لبنان مع كلّ الفوارق المتعلّقة بوضع الرجلين، رياض سلامة وعباس إبراهيم، إلا أنّ كلّ الكلام عن تمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة يومها سقط بإعلان الأمين العامّ للحزب السيد حسن نصرالله وجوب العمل بقانون النقد والتسليف وتولّي نائب الحاكم الأوّل وسيم منصوري مهمّة الحاكمية. فحصل ذلك.
اليوم على بعد شهرين من تقاعد قائد الجيش جوزف عون، يكثر الحديث عن تمديد له في ظلّ شغور رئاسي لا يسمح بتعيين قائد جديد، لكنّ كلّ المؤشّرات تذهب باتجاه تكرار المحطّتين السابقتين، وبالتالي تولّي رئيس الأركان القيادة بعد تعيينه قريباً جداً. وعليه، سيدخل اللبنانيون والمسيحيون تحديداً عام 2024 في ثلاثة فراغات مارونية: الرئاسة، والحاكمية وقيادة الجيش. فهل يمهّد ذلك لطاولة بعد الانتهاء من حرب غزّة؟

الحزب والجيش: ضبابيّة الموقف
عندما يسأل مسؤولون في الحزب عن موقفهم من التمديد لقائد الجيش يتردّدون مجيبين بضبابية تشبه موقفهم المعلن من ذلك. لا شكّ أنّ الحزب حريص جداً على عدم التسبّب بأيّ حساسية في علاقته مع الجيش اللبناني لأسباب كثيرة. سبب آنيّ متعلّق بعمل الجيش على الأرض معه في اشتباكه الحالي مع إسرائيل، وأسباب أخرى متعلّقة بالحيثيات الاجتماعية والسياسية التي تفرض على الحزب عدم حصول أيّ مواجهة مع الجيش، لا بل على العكس أن يحكم العلاقة تنسيق تامّ، وهو ما يبدو حاصلاً قبل الحرب وخلالها. ففي نهاية المطاف وضع الحزب الجيش في المقدّمة في بيان وزاري وحيد، فتقدّم الجيش ثلاثية “جيش شعب مقاومة”. وبناء على هذا المعطى الدقيق، يتروّى الحزب اليوم بالإجابة القاطعة سلباً أو إيجاباً على مطلب التمديد لعون.

تقول مصادر “أساس” إنّ الحزب طرأت لديه أولويات وطنية وعسكرية، ولذلك لم يتّخذ قراره بعد. وتختصر المصادر المطّلعة على مواقف الحزب كلامها بالقول: لم نبنِ موقفاً، مشيرة إلى أنّ كلّ التحليلات حول رفض الحزب التمديدَ اجتهادات.
حين يقرّر الحزب خياره سيعلنه على المَلأ، إلا أنّ الوقت لم يحِن بعد لذلك، إذ يفصل شهران عن بلوغ قائد الجيش جوزف عون التقاعد.

أمّا الكلام عن تمايز في المواقف بين الثنائي حركة أمل والحزب، فيراعي الحزب حليفه المسيحي ويمتنع عن التصويت لاقتراح قانون التمديد في الوقت الذي تصوّت فيه كتلة التنمية والتحرير له، فتجزم المصادر أنّ هذا لا يمكن أن يحصل لأنّ العلاقة مع المؤسّسة العسكرية حسّاسة ولا تحتمل ألاعيب سياسية. فالحزب سيتّخذ موقفَه في اللحظة المناسبة وسيكون ذلك حرصاً على المصلحة الوطنية والمؤسّسة العسكرية.

عن كلام رئيسِ الحزب التقدّمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط عن تبلّغه من مسؤول التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا بأنّ الحزب يعارض التمديد لعون، تقول المصادر نفسها إنّ هذا الكلام كما نُقل غير دقيق، وتتحفّظ عن ذكر مزيد من التفاصيل.

بين المعلَن والمستور
هذا الكلام الذي يحكمه التروّي يزيد من أسهم الخيار القائل بعدم حصول التمديد لقائد الجيش. أوّلاً ليس الحزب مضطرّاً على الرغم من علاقته الجيّدة بعون إلى مواجهة حليفه الاستراتيجي على المدى البعيد رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ولا سيما أنّ هناك سبيلاً قانونياً لتجنّب الفراغ في المؤسّسة عبر تعيين رئيس الأركان. وثانياً تقتضي حساباته أن تتساوى المواقع الأولى في المعاملة، وعليه يلتزم بنصّ القانون كما فعل في الحاكمية وفي الأمن العام. أما وقد اختلطت الأوراق مع تولّي “شيعي” حاكمية مصرف لبنان، و”ماروني” إدارة الأمن العام، و”درزي” قيادة الجيش في ظلّ فراغ رئاسي ماروني من جهة، وفي ظلّ اشتباك في لحظة إقليمية عالمية بالغة الحساسية ومفتوحة على تكريس خريطة سياسية جديدة من جهة أخرى، فلا بدّ هنا من التوقّف عند كلّ هذه المؤشّرات لبحث تأثيرها على المشهد السياسي، وتحديداً النظام المعتمد منذ الطائف حتى اليوم في لبنان.

تتحدّث مصادر مقرّبة من الحزب عن أنّ هذا الأخير لا يرغب بكسر التوازنات الطائفية الحالية إلا إذا كان ذلك محطّ توافق وطني، ولكنّه يشير إلى “العودة إلى الكتاب”، بمعنى العودة إلى الدستور الذي لم يحدّد أيّ طائفة لأيّ موقع في الفئة الأولى، وبالتالي اعتماد مبدأ المداورة. وهو ما ورد في الفقرة “ب” من المادّة 95 من الدستور التي تنصّ على “إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامّة والقضاء والمؤسّسات العسكرية والأمنية والمؤسّسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.”

من دون الخروج عن النصّ، وبعيداً عن اتّهامه بإسقاط أو تعديل النظام أو الطائف، يستطيع الحزب جرّ المشهد السياسي العامّ إلى لحظة يجد فيها الجميع أنفسهم جالسين إلى طاولة يناقشون فيها “تطبيق الطائف والدستور” بما يعنيه ذلك من إجراء خطوات من شأنها إعادة نوع من “التوازن” في مواقع الدولة.

قبل الوصول التدريجي إلى هذه المرحلة، يقول مرجع سياسي إنّ الحرب على غزّة وكيفية الخروج منها ستحدّدان معالم المرحلة المقبلة. وكما هو اتجاه المسار الإقليمي الدولي، سيترجم الحزب نفوذه في لبنان.

المصدر: جوزفين ديب – اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!