علاقة الصحة النفسيّة بالعالم الافتراضي.. وسبل تجنّب التنمّر

صدى وادي التيم – طب وصحة

 

لعبت التكنولوجيا الحديثة دوراً كبيراً في حياتنا واحتلت كل المجالات، حتى اصبحت سلاحاً ذو حدين، سهلَّت المعرفة العلمية والتواصل، كما سهّلت لبعض الاشخاص أساليب الخداع والضغط، وتشعبت الأهداف وراء اللجوء إلى الانترنت والمواقع الالكترونيّة، لتؤثّر على العائلات والمجتمعات والرأي العام مما أدى إلى تداعيات إجتماعيّة ضمن نطاق أوسع، ومنها أن شهدت خطّة ليست بجديدة للاستفادة من الانترنت ألا وهي استهداف المستخدم شخصيًّا، أو ما يعرف بالتنمّر الإلكتروني، والتعرّض لخصوصياته ممّا ينعكس على حالته النفسيّة والعصبية.

Cyberbullying أو التنمّر الإلكتروني …يكمن بتعرّض أي شخص “الضحية”، للتهديد والإذلال والتهكّم اللفظي والإعتداء المعنوي أو الإحراج، من قبل شخص آخر أي”المعتدي” وذلك عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الرقمية، فمن أكثر المواقع التي يتعرّض فيها الأشخاص للتنمر الإلكتروني هو موقع فيسبوك، تويتر، إنستغرام، سناب شات، البريد الإلكتروني. فبمجرّد وصول رسالة إلكترونية إلى الضحيّة تسيء اليه أو تتعرّض له، أو مجرّد أن يضع المتنمٍّر صورة مشوّهة للضحية، يُشكّل الخوف الأكبر للأغلبيّة، هذا يُعدّ أسلوباً من أساليب الابتزاز التي يعتمدها المتنمّر للحصول على مبلغ مالي معيّن أو الانتقام على الصعيد الشخصي من الضحيّة.

مفهوم التنمّر الإلكتروني لا ينحصر ضمن سلوك واحد ووحيد بل تتعدّد الأنواع والأساليب بشكل تصاعدي. البعض يعتمد أسلوب المضايقة، عبر إرسال رسائل مُهينة ومسيئة للآخرين، أو كتابة تعليقات من هذا النوع. ومن الأساليب المعتمدة أيضًا، تشويه السمعة التي ترتكز على نشر معلومات مزيّفة أو صور غير لائقة، بهدف السخرية ونشر الشائعات. الانتقاد، وهو ثالث نوع من أنواع التنمّر، الذي يرتكز على التعرّض بشكل صارم للآخر، أخيرًا وليس آخرًا انتحال الهوية، أي  اختراق حساب شخصي لشخص ما وانتحال شخصيته لإرسال معلومات وأمور محرجة عن الآخرين. وأخيرًا، الخداع وهو عند قيام المتنمّر بخداع الضحيّة للكشف عن أسراره ثمّ نشرها وإرسالها إلى الآخرين. وتشير الدراسات إلى أن النساء هنّ اكثر عرضة للتنمرّ الالكتروني أكثر من الرجال، خصوصًا في المجتمعات الذكوريّة التي تساعد على ازدياد هذه النسبة بشكل ملحوظ، حيث المرأة تخاف المواجهة وفضح المبتز.

الآثار الجانبيّة للتنمرّ على الفرد: كما ذكرنا أعلاه، ليس هناك طريقة واحدة لممارسة التنمر على الأفراد، فهذه الطرق ترافقها سلسلة من الآثار الجانبيّة التي تولًد لدى الضحيّة المستهدفة بشكل خاص. يشير بعض الباحثين في هذا الصّدد عن أن ردّ فعل الفرد تجاه تعرّضه للتنمرّ تختلف بحسب العمر وبحسب مدى ثقة الشخص “الضحيّة” بنفسه وقدرته على مشاركة تجربته بالتعرّض للابتزاز مع أفراد عائلته أو مع الجهات المعنيّة التي تعمل على ملاحقة المبتز، فمشاركة التجربة ممكن أن تساعد الضحية بشكل كبير على تخطّي الموضوع وعدم الخوف.

اختلاف هذه الآثار من ضحيّة إلى أخرى، وأنواعها: إن تلميذ المدرسة الذي يتعرّض لأي نوع من أنواع التنمّر ممكن أن يؤثّر ذلك بشكل تلقائي على أدائه وسلوكه في الدراسة والمدرسة: حيث سيشعر التلميذ بالقلق أوّلاً، ومنهم من سيخشون من مشاركة الابتزاز الذي يتعرّضون له مع الأهل، بالاضافة إلى ذلك، قد يواجه التلميذ صعوبات في التركيز ممّا يضعف قدرته على حصر أفكاره وتذكّر المعلومات بشكل دقيق. ولا بدّ من الاشارة إلى مجموعة من الآثار العاطفيّة والاجتماعيّة التي يتسبّب بها التنمّر على الآخرين: إن ضحيّة التنمّر قد يتّجه نحو الانعزال أكثر عن محيطه ومجتمعه، فيجد صعوبة في الحصول على الصداقات وقد ينتاب الضحيّة الشعور بالغضب، الضعف، والعجز، والإحباط، والعزلة. وممكن ان تكون الآثار أبعد من ذلك، فقد يشعر البعض بالرغبة في الانتحار خصوصًا الذين يعتقدون أن الابتزاز ليس له حلّ ممكن أن يأتي بجدوى، والسبب الأساسي هو مجرّد تفكير الضحيّة بردّ فعل المجتمع والرأي العام والناس المحيطين به  عند معرفتهم بالموضوع. أما البعض فقد يكون لديه ردّ فعل عكسيّ، فتتّسم تصرفاته بالشراسة والعدائيّة نحو الآخرين أو قد يصيب البعض بعوارض الاكتئاب، ومنهم من يلجأ إلى محاولة شرب الكحول أو تعاطي المخدرات.

لا تقتصر الآثار على ردود الفعل النفسيّة والعاطفيّة، بل للآثار الجسديّة جزء من العناصر التي تظهر على الضحيّة نتيجة تعرّضه لأي نوع من أنواع الابتزاز: حدوث تغيّرات في روتين النوم، أنماط تناول الطعام. الابتعاد عن الأنشطة اليوميّة، وعدم الاهتمام بها.

للتنمر آثار جانبيّة  سلبيّة على الفرد، قد يربط بعض الأطباء الحالة النفسيّة السيئة للأشخاص بحسب عدد الساعات التي يقضونها مع مواقع التواصل الاجتماعي. فبحسب شيمي كانغ، طبيبة نفس كندية متخصصة في تأثير الإدمان على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين:” هناك رابط بين الاكتئاب والقلق وعدم الرضى عن شكل الجسم وبين الإفراط في استخدام الأجهزة والتقنيات الرقمية، وباتوا يشخصون الإدمان الرقمي كأحد الاضطرابات النفسية“.

سبل تجنّب التنمّر

مهما تعقّدت الأمور لا بدّ من حلول يمكن أن نتوصّل إليها من خلال الوقاية وأخذ بعض التدابير فقط لاغير لتجنّب التنمّر:

معرفة نوع التنمّر الإلكتروني، ومشاركة الضحيّة أصدقاءه وأهله في معلوماته، ألّا يعطي كلمة سر بريده لأحد، تجنّب نشر صور ممكن أن تستخدم ضدّ الضحية. ومن التدابير التي ممكن اعتمادها أيضًا، مراقبة خصوصية ما يتمّ نشره على المواقع الالكترونية أو Setup privacy control والأهم أخذ الحذر من المتنمرّين كافّة لعدم الوقوع تحت رحمتهم مرّة جديدة.

الواقع الافتراضي… مصدر الاكتئاب: تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”، هذه هي حال تأثير مواقع التواصل الاجتماعي التي تبدو عليها اليوم. لا أحد يمكن أن ينكر أهميّة هذه المواقع على صعيد حياة الانسان اليوميّة، إنما بدأت التأثيرات تجري بعكس التيار. فتشير بعض الدراسات الى أن نسبة الاكتئاب لدى الناشطين عبر المواقع الاجتماعيّة ترتفع والسبب يعود إلى متابعة هؤلاء صفحات مشاهير او أشخاص من الطبقة الغنيّة مما يجعلهم يبدأون المقارنة بين حياتهم وما يتابعون عبر صفحات هؤلاء. ومن الملفت أن أغلب الحسابات على مواقع التواصل لا سيّما الصور المتشاركة على تطبيق انستغرام تُظهر حياة الرفاهيّة للمستخدم، هذا ما ينعكس بشكل سلبي على العقل الباطني للمشاهد، وتقول خبيرة الطب النفسي سونيا أوتز، :”إن الاستهلاك السلبي لما ينشر على هذه المواقع بمعنى عدم التفاعل معه، يمكن أن يؤدي أكثر من أي شيء آخر إلى تدهور الحالة المزاجية للمستخدم“.

الحقيقة ليست دائمًا عبر الصور المنشورة، فممكن أن تكون كافّة المعلومات المنشورة على المواقع والتطبيقات الالكترونيّة مجرّد صورة مزيّفة بعيدة كلّ البعد عن الحقيقة الفعليّة. لذا لا يجب أن يكون أي مستخدم ضحيّة للتضليل الذي ترسمه مواقع التواصل الاجتماعي. ليبقى العالم الافتراضي بما فيه والعالم الحقيقي بما يملكه، وفي كل الحالات الأمر يبدأ بالأهل وتربيتهم وينتهي عند الأهل ومراقبتهم لأولادهم وحثّهم على عدم الإنجرار وراء أي متحدث أو تطبيق عبر الأنترنيت

الجزيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى