الغارديان: شرق أوسط على حافة الانفجار وبيروت النذير
حذر المعلق في صحيفة “الغارديان” سايمون تسيدال من تمزيق لعبة القوة الدولية الشرق الأوسط. وقال في تقرير إن الانفجار الذي دمر مركز بيروت هو مجاز صعب عن المخاطر التي تواجه دول الشرق الأوسط.
فقد ظلت المنطقة وعلى مدار عقود المكان الأقل استقرارا وبرميل بارود قابلا للاشتعال في أي وقت، مشيرا إلى الانفجار الذي شهدته العاصمة بيروت الذي طرح أسئلة حول قدرة بلدان المنطقة الهشة على استيعاب الصدمات قبل أن تتشرذم وتنهار وتتمزق. وتساءل: هل بات كل الشرق الأوسط على حافة الانفجار؟
وأجاب أنه بعد عشرة أعوام تقريبا على الربيع العربي، فقد تم محو أحلام الإصلاح في عاصفة من العنف والثورة المضادة وفي وقت تقترب فيه المنطقة من نقطة الغليان، أو باتت نقطة التحول قريبة؟ وقال إن زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون يوم الخميس للبنان والدعم الدولي يقترحان أن العالم بات يهتم من جديد. وربما كان هذا سيقدم زخما واسعا للتغير الأساسي الذي يطالب به الكثيرون في لبنان والمنطقة بشكل عام.
وأشار إلى أن لبنان الذي أنشئ عام 1943 بعد نهاية الانتداب الفرنسي كان يواجه أزمة وجودية منذ ولادته. فهو دولة فاشلة ولم يكن قادرا على الدفاع وتموين أو توظيف شعبه ولا حماية حدوده أو دفع ديونه، وهو بحاجة لكل هذه المميزات. ويرى أن الإهمال الذي أدى إلى كارثة الثلاثاء هو نتاج طبيعي لأنظمة الحكم التي جردت من معناها بسبب الفصائلية والطائفية والفساد وغياب المحاسبة الديمقراطية. ورغم كل هذه العلل فإن آفة التدخل الأجنبي هي الأكثر خبثا، ولبنان كان الضحية الأكبر. فالحرب الأهلية ما بين 1975-1990 خلفت وراءها انقساما واحتلالا سوريا وإسرائيليا.
ولم يكن البلد مجهزا بما فيه الكفاية لمواجهة تدفق اللاجئين الفلسطينيين والسوريين. واعتمدت عافية اقتصاده على لطف الغرباء أو مصالحهم الخاصة. كما أن المشاركة السياسية قائمة على الهوية الطائفية أكثر من المهنية وعادة ما تقوم على الاختيار بين الولايات المتحدة والسعودية وإيران وحليفها الشيعي، ا ل ح ز ب . وظل لبنان واقعا بين ضربات القوات الإسرائيلية والجماعات الإسلامية المتشددة. ولم يكن مفاجئا اعتقاد الكثيرين في بيروت بمسؤولية إسرائيل عن انفجار الثلاثاء.
وفي عام 2017 اختطف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في السعودية. وفي الوقت الحالي يواجه اقتصاد لبنان الضرر من العقوبات الأمريكية التي فرضت على سوريا وأخرت حزمة إنقاذ بـ 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي والتي تمليها الأجندة الأجنبية. وبعد عقد على الربيع العربي، زادت التدخلات الإقليمية والتلاعب على يد عدد كبير من اللاعبين. وزادت هذه المنافسات بتراجع دور المتلاعب الأكبر، الولايات المتحدة، والتي تركت فراغا تسابق الآخرون على ملئه. فلو تصدع لبنان بسبب الضغوط الحالية أو دخل في حالة صراع أهلي جديد فإن السبب هو التدخل الدولي ومحاولة التلاعب بالخيوط.
ونفس الصورة واضحة في العراق الذي يكافح فيه رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي لهز الإرث المزدوج للغزو العسكري الأمريكي ولعبة التدخل الإقليمي الإيرانية، التركية والخليجية. ودعا الكاظمي إلى انتخابات مبكرة في رد على المحتجين الذين طالبوا مثل اللبنانيين بتفكيك شامل للنظام السياسي. وفاقم الوضع الاقتصادي في العراق بالإضافة للتنافس السني – الشيعي والجماعات الموالية لإيران والفساد تراجع أسعار النفط وفشل الدولة في الاستثمار بالوظائف والبنى التحتية. وكلها عوامل تغذي عدم الاستقرار، وكذا تدخل الدول الأجنبية.
وقال الكاتب إن ا ل ح ز ب المسؤولة عن الهجمات ضد القوات الأمريكية هي جزء من محاولة إيران ممارسة دور متسيد نالته بعد الغزو الأمريكي للعراق. ويواجه مصطفى الكاظمي معركة حامية لإنقاذ الديمقراطية العراقية العاجزة ومعها الدولة العراقية. ويمكن للبرلمان أن يعرقل دعوة الكاظمي لانتخابات مبكرة البرلمان. ولم تجد محاولات الكاظمي تقليل الدور الإيراني قطع الدعم الأمريكي عن العراق. كما أن حياته باتت عرضة للخطر بعد مقتل المستشار الأمني هشام الهاشمي.
ويرى الكاتب أن العراق متمزق، فمن ناحية هناك منطقة الحكم الذاتي في شمال العراق التي لا تتبع أوامر بغداد. وهنا لاعب مهم هي تركيا التي استغلت الضعف وملاحقتها للانفصاليين الأكراد. وبتدخله العسكري في سوريا والعراق وليبيا يتذكر الرئيس التركي مقولة السلطان العثماني: متهور وشرير.
وما يصلح للعراق ولبنان ينسحب على مناطق واسعة من الشرق الأوسط. فسوريا لا تزال قائمة من خلال وحشية الأسد الذي يدعمه الروس والإيرانيون. ولكن محافظة إدلب لا تزال خارجة عن سيطرته. وسواء نجت سوريا أم لا فهذا أمر يظل مفتوحا. ويظل التدخل الأجنبي مركزيا في الحرب الأهلية الليبية، حيث تدعم روسيا ومصر والسعودية والإمارات المتمرد خليفة حفتر، فيما تدعم قطر وتركيا حكومة الوفاق الوطني. وتهميش فرنسا وإيطاليا وفرنسا من هذا النزاع المتمحور حول النفط يحمل الكثير من الدلالات. فقد وضعت الدول الاستعمارية القواعد ورسمت الحدود ولكنها تخلت عن دورها لدول جديدة وما تغير في اللعبة هو الأسماء.
ويضم قوس عدم الاستقرار اليمن، دولة فاشلة لا تستطيع الدفاع عن نفسها وأصبحت ملعبا لتنافس القوى. وتساءل إن كان الأردن الضعيف الساحة القادمة؟ أو ربما إيران؟ البلد الذي يتكون من إثنيات وجماعات دينية متعددة. فهذا التفتت الجديد في مرحلة ما بعد 1918 بالشرق الأوسط خطير بدرجة كبيرة مع أنه أصبح عاديا، وعلينا توقع انفجارات أخرى. ففي الوقت الذي يجمع أهل بيروت الحطام يتوقع انهيارات أخرى.
القدس العربي