الجيش يفرض الإقامة الجبرية على المتورّطين بالنكبة
تحاول الدولة العليّة المسؤولة عن نكبتنا لملمة مصيبتها ومصيبتنا بإجراءات استثنائية عكس جزء منها قرار مجلس الوزراء بوضع المسؤولين عن الكارثة في الاقامة الجبرية، وقبل ذلك عبر مقرّرات المجلس الأعلى للدفاع والأبرز فيها إعلان حالة الطوارئ في مدينة بيروت.
ووفق هذا الإعلان تتولى السلطة العسكرية العليا (أي الجيش)، وفق المرسوم الاشتراعي رقم 52/1968، لمدة أسبوعين صلاحية المحافظة على الامن وتوضع تحت تصرّفها جميع القوى المسلّحة، كما تختار السلطة العسكرية بقرار بعض العناصر من هذه القوى لتكليفها بمهام خاصة تتعلّق بعمليات الامن وحراسة النقاط الحسّاسة وعمليات الإنقاذ.
وكان من المتوقع أن يأخذ هذا التكليف يوم أمس مداه من النقاش داخل مجلس الوزراء ليطرح مجدداً السؤال حول مدى الصلاحية المعطاة للجيش في التصرّف وإعطاء الأوامر لباقي الأجهزة الأمنية ضمن سياق إدارة نكبة غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث.
ففي ذلك تكملة لنقاش وُضع حدّاً له في الأشهر الماضية بعدما طرح اقتراح إعلان حالة الطوارئ في سياق مواجهة وباء كورونا. لكن جوقة الاعتراض شغّلت أدواتها لقطع الطريق على هذا الاحتمال، فتمّ اللجوء الى خيار إعلان حالة الطوارئ الصحية.
لا رئاسة الجمهورية ولا رئاسة الحكومة ولا الجيش كانوا من المتحمّسين يومها لهذا الخيار. فلا الكارثة الصحية فرضت إجراءً بهذا المستوى، ولا الأرضية السياسية المُشبعة بالحساسيات تسهّل اللجوء الى حالة طوارئ تضع كل الأجهزة الأمنية تحت أمرة القيادة العسكرية، مع العلم أن صوت رئيس مجلس النواب نبيه بري كان الأعلى في سياق المطالبة بإعلان حالة الطوارئ العامة.
أمّا القيادة العسكرية التي تجنّبت في السابق خيار تظهير الجيش حاكماً بأمره في كل ما يتعلق بمفاصل الدولة ربطاً بحساسية بعض القوى السياسية لهذا الدور وبسبب غياب المواكبة اللوجستية المطلوبة في حال تولّى الجيش زمام الإمرة، فقد وَجد نفسه مسؤولاً عن مدينة بيروت المنكوبة من الألف الى الياء مع إعلان الحكومة حالة الطوارئ.
وهذا ما سيخوّل الجيش، إضافة الى مشاركة العماد جوزاف عون في خلية الأزمة وفي لجنة التحقيق الادارية لكشف أسباب وقوع الانفجار، إدارة الكارثة عبر وضع كافة الأجهزة الأمنية والوزارات وكل المرافق العامة والخاصة تحت إمرته.
وسيكون مطلق اليدين في التصرّف، وصولاً الى اتّخاذه قرارات بمصادرة فنادق أو مبانٍ أو مستشفيات وممتلكات من ضمن عملية الانقاذ. ويمكنه أن يفرض، من دون أيّ مسوّغ قانوني وإشارة قضائية، إتخاذ عدّة جملة إجراءات منها التوقيفات أو خطوات عسكرية وأمنية.
ويأتي تنفيذه قرار فرض الإقامة الجبرية من ضمن إعلان حالة الطوارئ “على كل من أدار شؤون تخزين نيترات الامونيوم وحراستها ومحّص ملفها أياً كان من حزيران 2014 حتى تاريخ الانفجار”، كما ورد في مقرّرات مجلس الوزراء.
وهذا الأمر سيتيح للجيش، وفق مطلعين، فرض الاقامة الجبرية خلال إعداد لجنة التحقيق تقريرها وبعده على كافة المسؤولين أو المعنيين بكارثة المرفأ، ومن ضمنهم ربما وزراء ومدراء عامين ومسؤولين في المرفأ وعسكريين وأمنيين من كافة الأجهزة…
لكن مصادر قانونية تؤكّد أن “الإقامة الجبرية تطال وفق المادة الرابعة من البند 7 من المرسوم الاشتراعي المتعلّق بإعلان حالة الطوارئ من يشكّل خطراً على أمن الوطن، لذلك لا يفترض أن يتمّ التوسّع في من يشمله قرار فرض الاقامة الجبرية. سيما وأن الحكومة أمام قانون استثنائي وليس عادياً، وبالتالي التنفيذ يجب أن يأتي في الإطار الضيق ربطاً بكارثة قد تكون نتجت عن تقصير وإهمال”.
يُذكر أن الإقامة الجبرية تعني عملياً بقاء المشتبه به داخل منزله وعدم الخروج منه إطلاقاً، واستطراداً يعني منع السفر عنه. فيما تتولى السلطات المعنية تأمين المأكل والمشرب له ولعائلته.
وفي هذا الإطار، تجزم معلومات أن مسؤولين كبار في المرفأ باتوا على رأس لائحة الاتهام، وفي هذه الحال فإن الجيش قد يعمد الى فرض الإقامة الجبرية عليهم وتأمين الحراسة لهم بعناصر أمنية قد لا تكون من عداد الجيش بالضرورة بل تعمل تحت إمرتها. كما تفيد معطيات أن “شعبة المعلومات” أوقفت ثلاثة عمال كانوا تولّوا عملية تلحيم الباب الحديد للعنبر 12 وغادروا قبل حصول الانفجار الكبير.
وقد بدا لافتاً جداً ضمن الفقرة السادسة في مقرّرات مجلس الوزراء أمس حول لجنة التحقيق الادارية التي “سترفع تقريرها الى مجلس الوزراء بعد خمسة أيام ثم إحالته الى الجهات القضائية لاتخاذ أقصى درجات العقوبات بحق المتورّطين”، أن هذا الأمر لن يحول دون اتخاذ مجلس الوزراء بحق هؤلاء “ما يراه مناسباً من إجراءات وتدابير”.
وقد فسّر ذلك في إطار إجراءات موازية لتلك التي سيتخذها القضاء والتي قد تطال مسؤولين كبار، وربما وزراء بدفعهم الى الاستقالة او إقالتهم. مع العلم أن معلومات تقاطعت عند إحتمال تقديم وزراء إستقالتهم.