ربيع أعمارنا… بقلم فرح نسيب نصر
نحتاجُ إلى ذرّات الهواء وقوت وارتواء ماء لنعيش، ولكن لكي نحيا علينا أن نعبر حواجز كثيرة أولها أوهامنا.
وقفَ ذلك العجوز مقابل رفيقة عمره التي عبرت معه ثمارَ سنينه غير آبهةٍ بغنى المحصولِ وقفره، وقال لها:
يُخيَّلُ لي أنني في حلمٍ من ربيعٍ في كل مرةٍ أرى ذلك الوجه ضاحكًا
وكأنه نفحةٌ من ياسمين وعبق ممزوجٍ من نار وبرد.
عبقٌ من ريحانة العمر وزهر القدر.
كيف لعيون بذلك الحجم أن تتسع لكل هذه النجوم،
وكيف لبريق أن يكون أخّاذاً إلى ذلك الحدّ،
إلى حدّ يبني ويقطع، يحيي ويميت؟!
إلى حدّ يسرق مني السنين فأبتسم للسارق ليضيف عمري إلى عمرك،
فلا ألتقي الموت أبدًا لأن زهرتي ما زالت على قيد الحياة والأمل.
في عمق أعمارنا ربيع مختبئ، ربيع بلباس روحي،
ربيع يُزهر كالولادة التي لا تتكرر والتي لا تقارن،
كولادة قيصر من أبٍ بهيبة السماء وأمٍّ من بريق النجوم.
ما أسمى ذلك الربيع الذي يغتال الفصول جميعها من دون دم أو جروح، يغتالهم بقبضة من ضوء ونار.
قد يكون هذا الربيع على هيئة ابن بار، أو صديق توأم للروح، أو حب صادق متوهج لا يطفئه الملل،
لكن هذا الربيع يأتي مرة واحدة في العمر فلا تستعجلوه أو تتوهموه ولكن انتظروه بعيون عمياء عن المظاهر، وقلب مبصر بالحب لا يسرقه الظنون،
كانتظار يعقوب ليوسف،
وإن امطرت دموع الظروف طرقاتكم فلا تخافوا ولا تَدَعوا القلق يسرق أيامكم فيتركها فُتاتاً بلا بركة.
ثقوا دومًا أن بعد الغيث لا بد أن يأتي الربيع،
وأن ذلك القلم الذي خطّ أقدارنا مبارك لا يكتب إلا الخير.
فرح نسيب نصر – النهار