رسائل بتوقيع اليرزة… الى من يهمه الامر

صدى وادي التيم – لبنانيات

 

عذراً بيروت، فأجراسُ الحصار تُقرع، ومع إشراقة كل صباح تتّضح معالم المؤامرة في جندها وجنودها، وأمرُ اليوم المعمّم على سائر الأركان يَشي بظروف المعركة، حصارٌ لا هوادة فيه وعلى المنتظرين عند ضفة النهر الاختيار: “يا معنا يا معهم”.

وأجنادُ الحصار كُثر، تبدأ بالسياسة والأحزاب والتيارات وتمرُّ في الكنائس والجوامع ورجال الدين ولا تنتهي في الفئات والأديان والمذاهب والطوائف. الأدوات أصبحت جاهزة أو تكاد، وثمّة من لا يخجلون، مستعدين لتوظيف همّاتهم اللاهوتية في الميدان حتّى تحوّلت إلى أدوات في معركة لا هوادةَ فيها.

وبينما الفرزُ جارٍ على كافة الصعد، تتبرع أطراف لتولي وظائف محددة، لا تفرق عن طبيعة وظيفة الـ”كونترا” زمن محاولات إخضاع نيكاراغوا ولو بأسماء أخرى مختلفة، مع هامش أن “كونترايانا” أكثرُ تفلتاً ويحكمها الحقد الدفين المستمد من سنين طويلة يحذوها الانتقام. وكما في السياسية تُدار اللعبة وفق قواعد محددة، ثمة من يبحث عن أطر أخرى ترعى إدارة الحصار وفق الحد الادنى المسموح تمريراً لفترة مدتها تُقاس بأشهر علّه يستبين بعدها الخيط الأبيض من الخيط الاسود.

والجيش كاظم الغيظ على حاله، يعلوه الواجب مدركاً أنه صمام الأمان الوحيد القادر على منع انفلاش لعبة الحصار وتبعاتها ومندرجاتها إلى مستويات أخرى أشدُ خطراً، رغم ملاحظته أن الميدان يتهيّب الفرصة لشتى أنواع المعارك وصنوفها واللاعبون على المسرح كثر. وبينما هو كذلك، تُمد الأيدي إلى جيوبه وأمعائه، وكأنما هناك مخطط لضرب البلاد في جيشها أو تفريغه من أي محتوى حتى يصار إلى تكريس واقع جديد في الميدان على قاعدة: لا جيش – لا أمن..

من فلتات تصرفات المرحلة يقرأ عنوان الكتاب. المسألة تتعدى مد اليد إلى أطباق الجيش وإخلاء سبيل أمعاء جنوده من عصبها، بل في الاطباق عليه شعبياً ومالياً، والواضح أننا أمام محاولات لضربه في الصميم انصياعاً لإجراءات عقابية بحقه بدأت تُسمع أصداؤها في مراكز القرار الاميركية ربطاً بما يُمهد لبحثه عن طاولة الكونغرس مستقبلاً من إجراءات قد تأتي على المساعدات القليلة بحجة أنها “لا تؤدي الغرض من تقديمها”.

و “معاقبة الجيش” تُصبح مفهومة أكثر حالما يتأكد أنه ماضٍ في تشديد أواصر الأمن الداخلي منعاً لاختراقات مبرمجة ادرجت على جدول أعمال رعاة نشر وتعميم الفوضى في الداخل، والخطوط الحمراء المرسومة من قبله باتت معروفة لدى الجميع، عمادها منع توظيف الجيش في أي مواجهة عسكرية مع أي طرف داخلي لأي سببٍ كان أو إدارة أي مهام مساهمة في فرض أي حصار سواء داخلياً أم خارجياً، ومنع الانقلاب على المؤسسات أو تحويل مشهد التظاهرات إلى شكل من أشكال الفلتان الأمني والفوضى الأهلية ذات القدرة على إحالة الوضع اللبناني إلى نقطة الانفجار واللاعودة، أو نقل البلاد إلى نقطة صراع على السلطة شبيهة بالمشهد الليبي.

والرسائل تعلو هذا الواقع فالمرحلة مرحلة “تحديد خيارات” بين جبهتين واضحتي المعالم، وكما في السياسة كذلك في العسكر، حيث بات مطلوباً من الجيش وضوحاً أكثر في التوجّهات ربطاً بالاستثمارات المالية المتراكمة التي ينتظر أحدٌ ما من خلف البحار والمحيطات قبض ثمنها، فيما الجيش ليس في وارد الدفع من لحمه الحي وفي الظاهر لا يعيرها أي اهتمام.

والقرار المتخذ لدى الجيش يفوق مسألة حفظ الأمن السياسي أو الاجتماعي، بل للغذائي حصة الأسد، وهو وبخلاف رغبات كثر، أدرج الطحين والقمح على قائمة “حفظ الموجودات” والقى مهمة تأمين الطرقات والممرات على عاتقه. ما يعنيه ذلك أن مشهد نثر الطحين من الشاحنات لم يعد مسموحاً به، ورسالة الجيش بحسب مصادره، أن “حق العبور على الطرقات مقدس، وحق تأمين الغذاء مقدس، وحق نقل الغذاء مقدس، ولا تهاون في قطع أوصال الوطن وطرقاته أو منع تواصله مع جيرانه”.

يحصل كل ذلك والجيش القابع بعديده وعدته على الأرض باتت معاشاته في الأرض تتآكلها جرذان السياسة المدوّلرة التي ما برحت لغة الطلب اكثر في مسعى إلى استنزافه ربما أو إغراقها في أكثر من جهة.

وعن عديده حدّث ولا حرج، تكاد الألسن تخرج عن انضباطها حال مراجعة بيانات الأسلاك التي تُعاني من نقصٍ حاد في الكادر البشري مقارنة بالمهام ما يرفع من احتمالات إرهاق الجيش بحكم تداخله المباشر في أكثر من موقع.

وفيما الحلول غائبة، إن لانتفاء الاموال من الخزينة أو في عدم الرغبة بإستعادة خدمات “الخدمة العسكرية” ولو جزئياً للأسباب ذاتها، لم يعد سراً ان الهرمية العسكرية تُعاني من الضرر نتيجة الخلل في ميزان الترقيات الذي تتحمل مسؤوليته السلطة صاحبة القرار في وقف التطويع في الاسلاك العسكرية أي منع رفد المؤسسة بالدماء الجديدة وإبقاء القديم على قدمه، مقابل زيادة واضحة في منسوب المهام الموكلة إليه، التي وبشهادة أبناء المؤسسة، تأكل أخضرها ويابسها وتستنزف القوى العسكرية من الجرد إلى الساحل كأنما المكتوب ضرب هيكليته الإدارية والعسكرية تمهيداً لتحويله إلى جيش هرم لا قدرة لديه على تولي مهام حفظ الأمن التي اثبتَ فيها قدرة إستثنائية على ضبط الشارع وللحديث صلة.

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى