فضيحة تعيين كتاب العدل.. القصة بدأت قبل استقالة الحريري
من دون العودة إلى مجلس الكتّاب بالعدل، كما يقتضي القانون، وقّع رئيس مجلس الوزراء حسان دياب، أول من أمس، مرسوم تعيين كُتّاب بالعدل متدرّجين في 45 مركزاً مستحدثاً (بناءً على المرسوم 6299 الصادر في نيسان الماضي) «لزوم المحاصصة والتوازن الطائفي»! والأغرب أن التوقيع يأتي في ظل ثلاثة طعونٍ قدّمها مجلس الكُتاب بالعدل لدى مجلس شورى الدولة حول قانونية استحداث هذه المراكز، وتحضيره لتقديم طعنٍ رابع فيها.
مصادر في مجلس الكُتاب بالعدل اتهمت رئيس الحكومة بـ«سلوك طريق المحاصصة، مخالفاً أبسط الأسس القانونية التي تفرض العودة الى المجلس لاستطلاع رأيه في الأمر». وهو ما لم يفعله دياب، لا حين استحدث المراكز ولا حين وقّع المرسوم، متخطياً بذلك المادة 50 من نظام الكُتاب بالعدل التي تنص فقرتها الأولى على «صلاحية المجلس» لإبداء رأيه في كل ما يتعلّق بشؤون المهنة، ولا سيما »إنشاء دوائر جديدة لكتابة العدل أو إلغاء دوائر قائمة أو نقلها» (الفقرة الثامنة من المادة الأولى).
لم يجر التوقف عند ما يتطلّبه القانون، لأن القضية تكمن في مكانٍ آخر: «استلحاق» حقوق مدينة بيروت. كيف؟ الجواب يقتضي العودة إلى قضية مرسوم تعيين الناجحين الـ56 في مباراة الكُتّاب بالعدل والعالق منذ 14 شهراً في الأمانة العامة لمجلس الوزراء بسبب «الهوية الدينية» للناجحين. فعندما صدرت النتائج في عهد رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، قامت الدنيا ولم تقعد، باعتبار أنها لم تراع التوازن الميثاقي (!) بسبب عدم نجاح أي «سُني» في العاصمة! ومع ترؤس دياب للحكومة، برزت عقدة إضافية، «جهوية» هذه المرة، إذ أن «المقايضة» التي جرت لإحلال أحد الناجحين السُّنة في أحد المراكز في العاصمة أتت بـ«سني غير بيروتي»! عندها، هبّت العائلات البيروتية والمراجع الدينيون في العاصمة احتجاجاً، مطالبين دياب بعدم توقيع المرسوم.
ولمّا لم يكن في الإمكان التملص من حقوق الناجحين، توسّل رئيس الحكومة مخرجاً آخر، عبر استحداث 45 مركزاً إضافياً للكُتاب بالعدل، منها 13 مركزاً لمدينة بيروت. كان يمكن أن يمرّ ذلك الاستحداث مرور الكرام لولا مخالفته الصريحة للمعايير القانونية. ولئن كانت المخالفة الأولى تكمن في تخطي صلاحيات مجلس الكُتاب بالعدل لناحية إبداء رأيه في استحداث المراكز أو إلغائها أو نقلها، إلا أن المخالفة الأبرز، كانت في التعاطي مع الصيغة التي نتج عنها مرسوم الناجحين، إذ حصل خلط بين مفهومَي المباراة والامتحان. ففي المبارة، لا يمكن التعاطي مع الفائض كما في الامتحان، إذ أن مرسوم التعيين يكون حصراً بالعدد المحدد تبعاً لعدد المراكز، ولا يمكن إلحاق الفائض عن طريق استحداث مراكز جديدة، لأن هذا الأمر يخالف المبدأ القانوني الذي على أساسه أجريت المباراة، على ما يقول عضو في مجلس الكُتاب بالعدل. وهو ما أشار إليه سابقاً رئيس المجلس، جوزف بشاره، عندما اعتبر الاستحداث بمثابة «التفاف على مبدأ المباراة وتحويل لطبيعته، لتصبح امتحاناً وتعاقداً على مقاعد مستقبلية لترضي السياسيين والمحاصصات الطائفية». وإلى الآن، يربط مجلس الوزراء بين مرسومَي تعيين الناجحين الـ56 والاستحداث، وهو ما لا يُعدّ قانونياً، وخصوصاً أن لا مجال للجمع، إلا إذا كان المطلوب «إرضاء أهل بيروت».
هذا هو بيت القصيد. ويصبح الأمر أكثر وضوحاً إذا ما أُخذ واقع المهنة في الاعتبار. فالسؤال الرئيس للكُتاب بالعدل، اليوم، يتمحور حول الجدوى الاقتصادية من هذا المرسوم، وخصوصاً أن «المهنة تتراجع شيئاً فشيئاً منذ عام 2014. وهذه السنة وحدها تخطّت نسبة التراجع في المعاملات الـ50%»، بحسب أحد أعضاء مجلس الكُتاب بالعدل. لذلك، لا يجد هؤلاء تفسيراً لاستحداث «مراكز فائضة» في المهنة سوى الإمعان في السير بنظام المحاصصة… لا أكثر ولا أقلّ.
المصدر: الأخبار