الأخبار : الدولار بـ 4800: التلاعب سياسي؟

 

عجلة الانهيار تتسارع، والدولار يهوي متخطّياً أيّ إجراءات موضعية يقوم بها مصرف لبنان، فيما معركة الحصص ‏السياسية على حالها. استقتال مستمر على الظفر بمنصب هنا وآخر هناك، بدون آلية واضحة للتعيين. أمس، كان ‏الموعد من تعيين إشكالي آخر. محافظ كسروان وجبيل كان الحدث. منصب لم يُشغل قبلاً، لكن الحكومة ارتأت أنه من ‏الأولويات. ولذلك، أعيد إحياء اسم بترا خوري مجدداً، قبل أن يتبيّن استحالة تعيينها قانوناً. وكل ذلك، جرى على وقع ‏تحركات مسائية، حيث قطعت الطريق في أكثر من منطقة، فيما شهد محيط المصرف المركزي عودة التحركات ‏المنددة بسياسات رياض سلامة الإفلاسية‎.

تفوّقت الحكومة على سابقاتها في ما خص التعيينات الإدارية، إن من ناحية تغليب المحسوبيات على الكفاءة أو من ‏ناحية إعادة خلط كل الأوراق من أجل اسم واحد. فعاصفة مستشارة رئيس الحكومة حسان دياب للشؤون الطبية ‏بترا خوري لم تهدأ بعد، ولا سيما أن دياب يريد تعيين خوري مهما كان الثمن. لذلك أخرج رئيس التيار الوطني ‏الحر جبران باسيل من جيبه أرنباً جديداً اسمه محافظ كسروان الفتوح ــــ جبيل حتى تجلس خوري على مقعده. إلا ‏أن حساسية هذا المنصب، وإصرار باسيل عليه، إضافة إلى إصراره على ضمّ منصب المدير العام للحبوب ‏والشمندر السكري إلى سلة التعيينات أدى إلى إشكال بينه وبين رئيس الحكومة حسّان دياب، كاد يؤدي إلى تطيير ‏الجلسة‎.
بالنتيجة، تبيّن أن خوري نقلت نفوسها إلى سجلّ زوجها في جبيل، الأمر الذي يمنعها من تسلّم المهام كون القانون ‏يمنع تعيين محافظ ينحدر من المنطقة عينها. حينها، فكّر دياب وباسيل بإجراء تعديل طفيف على التعيينات عبر ‏قلب الأسماء ونقل المرشح شبه المحسوم لمنصب محافط بيروت القاضي مروان عبود إلى جبيل مقابل إعادة ‏طرح خوري محافظاً لبيروت. على اعتبار أن ذلك لن يخلّ بالتوازن الطائفي طالما أن منصب محافظ كسروان ــــ ‏جبيل المستحدث ذهب للطائفة الأرثوذكسية‎.

مع ذلك، لم يتأخر ميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة في رفع الفيتو في وجه ‏خوري مجدداً. فهو رفض إعادة طرح اسمها بعد إعلان انسحابها وعدم رغبتها في التداول باسمها لمنصب ‏المحافظ من قصر بعبدا. ونتيجة ما حصل، خرجت خوري خالية الوفاض، إلا أن الحديث استمر حتى مساء أمس ‏عن إمكانية نقل نفوسها إلى مسقط رأسها الأول قبل الزواج لتتمكن من تسلّم المنصب. في غضون ذلك، جرى مسح ‏للموظفين الأرثوذكس من الفئة الثانية وتم الوقوع على اسم مراقبة عقد نفقة في ديوان المحاسبة تدعى بولين ديب ‏من عكار. يُجمع من في الديوان على أن ديب تحظى بسمعة طيبة. وهي إذ تنحدر من عائلة قواتية، يشير عارفوها ‏إلى أنها لا تعادي أحداً‎.‎

تعيين محافظ لكسروان ــــ جبيل التي كانت تعتبر جزءاً من محافظة جبل لبنان، أثار غضب تيار المستقبل من ‏ناحية المس بما يُسمى “صلاحيات الطائفة السنية”، فأصدرت النائبة في تيار المستقبل رولا الطبش بياناً ‏اعترضت فيه على التعيين لأنه يمس بصلاحيات محافظ جبل لبنان (وهو من حصة السنة) ويخلّ بالتوازن ‏الوطني. وأشارت إلى أن دياب يكسر التوازنات على حساب الطائقة السنية لتنهي بيانها بالقول: “اللي ما في خير ‏لأهلو ما في خير لحدا”. كذلك، فإن إضافة هذا المنصب إلى سلّة التعيينات أثارت نقاشاً قانونياً حول مدى صحته. ‏ففي حين رأت مصادر معنية أن من الطبيعي تعيين محافظ لكسروان ــــ جبيل، بعدما أصبح قانون إنشائها نافذاً منذ ‏ثلاث سنوات، خرجت أصوات عديدة تعتبر ذلك مخالفاً للقانون، لأن المراسيم التطبيقية لقانون إنشاء هذه ‏المحافظة لم تصدر بعد، وبالتالي لا ملاك لها ولا وظائف شاغرة فيها، أضف إلى أنه لم يلحظ لها أي اعتماد في ‏موازنة 2020‏‎.

وفي سياق بند التعيينات، تردد أيضاً أن دياب تراجع عن ترشيح رندا يقظان لرئاسة مجلس الخدمة المدنية، ‏واستبدالها إما بالقاضي يحيى غبورة، أو بالموظفة في مجلس الخدمة المدنية سمر مشموشي المحسوبة على ‏‏”المستقبل” التي يفضلها دياب. لكن في المحصلة، ستكون جلسة اليوم جلسة مصيرية على كل الصعد، إلا إذا ‏ساهمت الخلافات المستحكمة والضبابية التي تحوم حول بعض التعيينات، ولا سيما التعيينات المالية، في تطييرها ‏مجدداً، وخاصة أن وزراء أكدوا لـ”الأخبار” أن جدول الأعمال الذي أرسل إليهم لم يتضمن السيَر الذاتية ‏للمرشّحين للتعيين، ولا حتى أسماء هؤلاء المرشحين. أول الاعتراضات أتى من سليمان فرنجية، الذي عُلم أنه ‏أبلغ حزب الله أن وزيريه لن يحضرا الجلسة لاعتراضه على آلية التعيينات. وفي تغريدة لها، أعلنت وزير العمل ‏لميا يمّين مقاطعة الجلسة، رفضاً للتعيينات المعلّبة التي تكرس المحاصصة والطائفية‎.

بالرغم من الخلاف على عدد من التعيينات، إلا أن التركيز سينصب على التعيينات المالية، التي كانت قد وُضعت ‏على الرف منذ أكثر من شهر بسبب عدم الاتفاق بشأنها. وإذ تردد مصادر مطلعة أن لا تعديلات جدية في سياق ‏هذه التعيينات، يبدو أن الوقت صار ضيقاً أمام إمكانية تفعيل دور المجلس المركزي لمصرف لبنان، وبالتالي تفعيل ‏دور مصرف لبنان للقيام بوظيفته المحافظة على الليرة اللبنانية‎.

أمس، بدا جلياً أن الآلية التي اتفق عليها في “اجتماع السرايا” الذي ترأسه دياب وشارك فيه حاكم مصرف لبنان ‏ونقيب الصرّافين، واتفق خلاله على خفض سعر الدولار تدريجياً قد سقط. إذ سجل الدولار رقماً قياسياً جديداً ‏وصل في بعض المناطق إلى 4800 ليرة. فقد عمد الصرافون، خلافاً للاتفاق، إلى الإقفال أو إلى التوقف عن بيع ‏الدولار، ما زاد من الضغط على الليرة اللبنانية، وساهم في رفع سعر الدولار. وهو ارتفاع يبدو أنه سيكون من ‏الصعب ضبطه في الفترة المقبلة، ربطاً بعوامل السوق، أي الطلب المتنامي على الدولار مقابل الشح في المعروض ‏منه، في ظل إصرار مصرف لبنان على التخلي عن دوره في الحد من الانهيار المتسارع، ولجوئه إلى حلول ‏موضعية تساهم في ضبط مؤقت ومحدود للسعر. وفي هذا السياق، أصدر رياض سلامة بياناً طلب فيه من جميع ‏الصرافين المرخصين أن يتقدّموا من المصرف بطلباتهم لشراء الدولار تبعاً للسعر اليومي المحدد من نقابة ‏الصرافين، على أن يقوم المصرف خلال 48 ساعة بتحويل الطلبات الموافق عليها إلى حساباتهم الخارجية لدى ‏المصارف، التي ستقوم بتسليم الأموال إلى الصرافين نقداً. كما حذّر سلامة الصرافين غير المرخصين من ‏الملاحقة والتوقيف. وتنظر مصادر سياسية بعين الريبة إلى الارتفاع المفاجئ في سعر الدولار منذ أول من أمس، ‏رغم اتجاهه هبوطاً في الأيام السابقة. وتدقق المصادر في ما إذا كان هذا الأمر يهدف إلى تحقيق أمرين: تصوير ‏رياض سلامة لنفسه منقذاً عبر التدخل لضبط انهيار سعر الليرة، والضغط سياسياً على الحكومة لإعادة تعيين ‏النائب السابق الثالث لحاكم مصرف لبنان، محمد البعاصيري، في المنصب الذي شغله قبل أن تنتهي ولايته مع غيره ‏من نواب الحاكم قبل سنة وشهرين من اليوم. فسلامة، وكذلك الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري ومن خلفهما ‏النظام الأميركي، يصرّون على إعادة تعيين البعاصيري في المنصب نفسه‎.‎

المصدر: الأخبار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى