من الكاظمي، إلى حسان دياب، مروراً بسوريا … بقلم ميشال جبور

 

صدى وادي التيم – رأي حر بأقلامكم

 

 

يخطئ من يظن بأن مجريات الأحداث الإقليمية هي وليدة الساعة أو وليدة حدث واحد فقط، بل هي نتاج عدة مشاهد تستوجب قراءة عميقة، هذه المشاهد سيكتب عنها التاريخ.
في المشهد الأول، رئيس جهاز الإستخبارات العراقية منذ سنة ٢٠١٦ وبخلفية معارضة لنظام صدام ولجوء إلى إيران، رئيس وزراء العراق المكلف بعد أزمة سياسية اجتماعية وخلافات في البيت العراقي وخلاف في البيت الشيعي العراقي الداخلي، يأتي مصطفى الكاظمي في عباءة العراقي الشيعي الوسطي ورجل الدولة الذي يؤمن بأن السلاح يجب أن يكون في يد الدولة، اذاً في المشهد الأول رجل أشاد به بومبيو وقادر على إدارة ملفات الخلاف تدور في فلك أميركا وإيران وتدوير زوايا الخلاف العراقي الداخلي… وهنا، يبدأ المشهد الثاني، مشهد الساحة اللبنانية التي امتلأت بالأعباء وضربتها الأزمات وأثقلت كاهلها التقلبات السياسية والمضاعفات الإقتصادية، فالمجتمع اللبناني يعاني وخاصة حاضنة المقاومة الشعبية، والحلفاء قبل الأخصام يقرون بذلك وبصعوبة الخروج من خناق يضيق شيئاً فشيئاً ولا مغيث، فلا مقاومة داخلية استطاعت أن تقف بوجه الضغط المعيشي الهائل، الجوع لم يعد يُقاوم، والأمعاء الخاوية لا تقاوم، فالمقاومة التي دافعت عن لبنان ووقفت صامدة في وجه العدو الصهيوني لا يمكنها أن تقف اليوم مكتوفة الأيدي أمام شعب يجوع، لقد آن الآوان لكي تساعد الشعب على مقاومة الجوع فتحول كل جهودها إلى سلاح اقتصادي ومعيشي يحارب من أجل الشعب، المطلوب من المقاومة اليوم أن تأخذ دورها الإجتماعي والإقتصادي والمعيشي،فليبقى سلاحها بوجه العدو الصهيوني لكن بآوانه، الآن وقت محاربة الفساد والتهريب عبر المعابر غير الشرعية،الآن وقت إعادة إحياء وتنشيط الدورة الإقتصادية ورفد البلد بمقومات الإستمرار.
وفي هذا المشهد اللبناني يبرز إسم الإستاذ الجامعي الذي سجل بجرأته لحظة تتشابه بلحظة الكاظمي، فهو ايضاً أتى بعد مفاعيل ثورة على رأس حكومة التحديات واستعادة الأموال المنهوبة ومكافحة الفساد،وللمفارقة بدأت على أيامه التحقيقات الجدية وسقطت بعض الأسماء التي كانت تعيش في محميات لا يتجرأ أحد على قرع أبوابها، حسان دياب أثبت أنه رجل دولة محافظاً على خصوصيات طائفته،فالدكتور دياب مصمم على المثابرة والإستمرار وبجرأة غير مسبوقة فتح الكثير من الملفات، ملفات ثلاثة عقود من الفساد المستشري،التي كانت تُطمس بمفاعيل محسوبيات أغرقت البلد بفساد مغطى سياسياً، وهو يعلم أن عامل الوقت يداهمه غير أن سرعة البديهة التي تتظهر في العديد من الملفات تعطيه حاصلاً ايجابياً أمام الوقت، فهو يعلم أن نجاحه سيؤسس لنجاحات أخرى وسيبعد خطر كبير عن لبنان، خطر الحرب التي يمكن أن تتسلل من باب الجوع والإنهيار الإقتصادي… وهنا يبدأ مشهد ثالث، فلمن يغفل الوقائع، نتنياهو قد أعاد ترتيب بيته الداخلي وانتخاباته الحكومية وإن استمر الوضع على هذه الشاكلة ستلتفت إسرائيل علينا في لحظة ضعفنا الداخلي وستنقض علينا، فلطالما توعدت المقاومة، فالمناطق المشتعلة ليست بعيدة عن لبنان ويمكن أن تستلحق ألسنتها لبنان ويمكن لإسرائيل وأدواتها أن تستغل مكامن الضعف فتخترق الساحة اللبنانية بحرب ضروس لا هوادة فيها،ولا نعتقد أن هذا في مصلحة لبنان ولا في مصلحة شعبه، لا يمكننا في هذا الوضع أن نتحمل حربين، حرب مع الدولار والليرة المنهارة وحرب مع إسرائيل.
أما المشهد الأخير،فهو عندما تتلاقى كل المشاهد وتتقاطع، فالرئيس بشار الأسد هو رجل روسيا في المنطقة، وروسيا لم تعد تستسيغ التقاتل والمعارك اليومية ،وهي تشهد على شرذمة يومية، فتارة أردوغان يحاول أن يفرض أمراً واقعاً وتارة تدخلات من أطراف إقليميين في كل شاردة وواردة وهذا لا يصب في مصلحة روسيا الإستراتيجية والسياسية، فروسيا ليست بموقع المتقاتل مع أميركا ولا تريد، فالدول الكبيرة تضع مصالحها في أول سلم أولوياتها، من هنا علينا أن نفهم أن ما يجري على هو محاولة خلق خط شيعي وسطي غير تابع لأحد وقادر على أخذ المبادرة ورفد المنطقة بشريان إمداد نفطي وكهربائي واقتصادي، ينتج عنه قمة ثلاثية لبنانية-سورية-عراقية تتكرس برضى واقتناع أميركي بترتيب الخلافات بدل الحرب، وذلك سيفك الخناق اقليمياً ويعيد مؤججي الصراعات إلى حجمهم الطبيعي بعد أن جاعت الشعوب بفعل تأليبهم للتقاتل، عندها يعود السلام للنفوس والإقتصاد والمعيشة، فلا الحرب بدون أفق يمكنها أن تأتي بنتيجة وإن طال أمدها فالجوع كافر، وكم ستتحمل هذه المنطقة بعد، وأول الغيث زيارة اللواء عباس ابراهيم المتمرس والموثوق به لسوريا حاملاً ملفاته وعلى رأسها ملف التهريب والمعابر غير الشرعية ورأينا كيف تحركت الدولة السورية ضد المهربين على حدودها، فالمعروف عن اللواء عباس جدارته بإختزال العوائق وإيجاد نقاط تلاقي لكل الأطراف في ملفاته، ومن المؤكد أنه كان دائماً سيد قراره، وستتكلل مهامه بالنجاح، فهو يختم دائماً كل مسعى له بإنجاز أمني واستراتيجي يفيد المنطقة برمتها وتكون نتائجه طويلة الأمد. الجميع بات يعلم جيداً ما تحتاجه المنطقة لكي تهدأ ويجب إعادة تصويب العلاقات مع الجميع بطريقة تعيد سوريا إلى دورها الإقليمي السابق،وتجنب لبنان آتون الحرب المدمرة التي تريدها إسرائيل،والدور التي تحاول أميركا أن تعطيه للعراق هو مفيد وصحي للمنطقة وسينعكس ايجاباً على كل الأطراف والفرقاء دون اطلاق رصاصة واحدة، فمن الكاظمي،إلى حسان دياب، مروراً بسوريا.
ميشال جبور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!