Covid-19: الجشع في جنازة العدالة – الدكتور حاتم علامي
كورونا على مدى الكرة الارضية، الخوف الجاثم لا يوفر بقعة جغرافية او مجتمعاً من المجتمعات حيث الجميع في دائرة الخطر، وامام استحقاق المواجهة. فإن مشاعر الهلع في أوج الترقب لتحول مصيري، ومقامات كبيرة قلما كانت على تماس مع نتائج هذا التحول هي الان عرضة للمواجهة في قراراتها وفي سلوكياتها وفي مصيرها. ولا سيما على مستوى قيادات العالم في اكثر الدول تقدمًا.
في تجاوز الوباء لكل المحاذير والاعتبارات المعهودة مفارقة برزت مع شيوع الوباء ليهز المحرمات في النظام العالمي مع التوازنات التي تتحكم بها توجهات واضحة الدلالة والمعاني، حيث يغيب طيف العدالة وصوابية الموقف لمصلحة التعسف والجشع الفردي. ليس من السهل هنا التمييز بين ميدان الرفاهية المستفيضة بالنسبة الى فئات قليلة في كل مجتمع من حيث نمط الحياة، ووفر الوسائل والخيارات التي تتجاوز كل الصور الخيالية والافتراضية؛ وليس العالم بصدد محاكمة هذه الفئات وليس هنا مجال التعامل معها .
لكن ما يمس قضية التعامل مع التزامات الضرورات العلاجية والمعيشية كأولويات في المجتمعات تواجه نموذجا مجردًا من العدل والمساواة على يد الجشع المادي وآلياته. السؤال ليس سوى وقفة مع الأمل بأن يستعيد العالم وعيه لوقف عبثية الحروب والأطماع وتوظيف الحد الأدنى من خيراته في خدمة الانسان ومعالجة مشاكله. فهل تؤثر المرحلة في استنهاض الموضوعية والاستفادة من التجربة التاريخية في ظل احتدام الصراع بين الارادات؟ على امل ان تحمل النتيجة في طياتها عناصر للتغيير والتبدل.
Covid-19 في هجوم من نوع جديد وقوة صدمته زلزال في البنية الكونية: البنية الاجتماعية التي تختلف تبعًا لتركيبة المجتمعات، بدء من المنظومة الكونية لنظام العولمة في اوجهها المختلفة؛
وهو زلزال على صعيد المسألة الاخلاقية وصدمة ارتدادية في مجمل العلاقات البينية لكل الترسيمات التي ارتبطت بعصر الحداثة وإسقاط العولمة.
بين الازمة الاقتصادية والهلع ارتباطات مجلية في ردة فعل المنظومة الدولية، وفي قرارات التعامل من لدن مراكز القرار على المستوى الدولي وبالنسبة الى الواقع المحلي على مستوى كل دولة على حدة .
نظرة سريعة في تداعيات الكارثة الصحية بصدد السؤال الاخلاقي في زمن الكورونا :
1-صيرورة السلوك البشري في مواجهة التحدي وهي مسألة ترتبط بما توصلت اليه المجتمعات في نمط الحياة الذي تعيشه، مما يستلزم وجوب تحليل الاولويات التي تصدرت اهتمام المجتمعات ولا سيما منها توجهات القيمين على ادارة هذه المجتمعات، ووعي المجتمع والإنسان للانفتاح على التأقلم مع الظروف المستجدة، نعطي مثالا هنا اولوية الخطط الرسمية ورفع مستوى الوعي عند المجتمع وفي السلوكيات الفردية. نشير الى ان موضوع حقوق الانسان في الصحة والتعليم والرفاه الاجتماعي لايزال موضوع تجاذب وهو ما يبدو من خلال التساؤل حول حصة الفرد ونصيبه من مجمل الميزانيات الموجودة في العالم التي تتركز على الحروب والنزاعات على المستويات الدولية والاقليمية والمحلية. تحت تأثير التقسيم الدولي، وتكريس منظومة مجحفة من اجل التحكم، والاستبداد وخضوع خيرات العالم لاستنزاف الموارد البشرية لمصلحة النظام الدولي وشركاته العابرة للقارات.
السؤال الآن اين هي هذه الشركات في حين يتحدث العالم عن ندرة الموارد لتأمين مقومات وأجهزة المواجهة مع انتشار الفيروس، او تأمين الحد الادنى من من موجبات الحجر الالزامي.
2- المنظومة القيمية التي تنطوي عليها الأحكام المعيارية المتضمنة لكل المعتقدات والتقاليد، ومدى تطابقها مع شروط توفير الحد الادنى من المفاهيم اللازمة لترسيخ الارادة الحرة الواعية وتوظيفها في ضبط سلوكيات المواجهة.
ستكون هذه الارادة امام تحد تاريخي يتوقف على مؤداه مصير التناسق وانسجام الناس مع قناعاتهم الفردية والمفاهيم الاجتماعية ، اي انبثاق الذات المدركة لمسؤوليتها في مواجهة الأزمة باتزان وشجاعة .
3- اتصالا نحن امام التحدي الخاص بنظام العلاقات الاجتماعية، ونحن هنا ازاء بنية تتداخل فيها العناصر الثقافية، والمعاني القيمية في النظام الاجتماعي في صيغ الانتماء والهوية بالنسبة الى المستوى القبلي والعائلي والمديني والريفي، ويمثل هذا المؤشر مقياسًا لفهم نتائج طريقة التواصل الحالي عن بعد على التماسك الاجتماعي والعلاقات التي سادت المجتمع من المهم على هذا الصعيد متابعة تداعيات المواجهة على نظام التحكم الذي كان سائداً من قبيل منظومة التحكم الديني، والسياسي، والاعلامي، والعائلي. يبدو ذلك مدعاة للتساؤل حول مفاهيم الفردية والجمعية في الوقت الذي أعطت فيه المؤشرات الجديدة وإمكانات جديدة بشأن السلوك الغيري والبينذاتي.
4-التوقف عند نتائج الهوية التقنية للسلوكيات المستجدة، باعتبارها حقيقة ذات نتائج على صعيد خيارات الانسان في علاقته بالمجتمع، وبالمجتمع وبالدولة، وبإزاء الضوابط الناجمة عن تطور التكنولوجيا. والتي تمس بخياراته وبخصوصيته التي تدخل اليها قدرات تقنية في مسبوقة حيث تجد كل الطرق مفتوحة لتكريس هيمنتها على الفعل الإنساني مع تطبيقات الروبوت والتوجيه عن بعد.
هذه الحقيقة نفسها تشكل إضاءة على الفروقات الشاسعة بين الدول والمجتمعات؛ ويرتبط بها تكريس فجوات جديدة على صعيد فرص التطور والتنمية، ولا بد من التأكيد ان النجاح في المواجهة يصقل قدرات الناجين والرابحين لشرف التكيف للاستثمار على صعيد التعليم والمعرفة في مواجهة الاستحقاقات التي ستترتب على المرحلة اللاحقة، واعتبارها أساساً لخطة تطوير على صعيد الاقتصاد والتنمية، وضمان الشفافية في موضوع الخدمات من خلال الأنظمة الإلكترونية.
اين نحن من هذه الحقائق:
في تقرير صادم نشرته مجلة اندبندنت العام 2017، أشارت الاحصائيات الى أن 1% من عمالقة الاغنياء في العالم يملكون نصف ثروة الكرة الارضية، وتصل قيمتها الى 106 تريليونات دولار اي ثمانية أضعاف الاقتصاد الاميركي؛ وتزداد الفجوة وعدم المساواة على صعيد العالم بمعدلات مختلفة بين بلد وآخر.
وورد في تقرير CNN ان 1% من البشر يملكون 82% من ثروة العالم بحيث يذهب 80% من كل مئة دولار الى جيوب هؤلاء الاغنياء.
من هنا يأتي السؤال حول إمكانية قبول الحجج عن استعداد العالم لمواجهة التحديات التي تواجهه على مختلف الاصعدة الصحية والبيئية والحقوقية والتعليمية.
الملفت ان جميع الدول بدء من الولايات المتحدة، التي تشهد نقاشاً حول تأمين كلفة مواجهة الكورونا على صعيد الاحتواء، او اللقاح، او تغطية تكاليف الحجر المنزلي، وصولاً الى بلدنا العزيز لبنان الذي يواجه كورونا في ظل مأزق اقتصادي غير مسبوق، مروراً بإيران وغيرها من الدول التي تتشارك الحاجة الى موارد استثنائية.
بعد 17 تشرين الاول استشرف لبنان فرصة للنجاح في التقدم بخطوات لمواجهة التحديات من خلال الانتفاضة برؤية الثورة، لكن الظروف الموضوعية والذاتية التي أجهضت الأمل تنتصب مع المواجهة.
ليس مفاجئًا ان تحظى الكفاءة اللبنانية بميزة مساعدة في المعركة لكن الصورة تكشف اليوم التمايز بين إرادات صادقة لثقافة إنسانية لتحمل المسؤولية، ومواءمة الموقف مع امل معلق على الحكم في النجاح بالمواجهة عل ذلك يعطيه نقاطًا إيجابية في التعامل مع الانهيار، وهو وجه من وجوه المجابهة مع ضمائر اولئك الموبوئين بالجشع والطمع وحب السلطة والصراع من أجل إبقاء لبنان تحت سلطة حكمتهم المذهبية.
يجمع اللبنانيون على ابتلائهم بوباء الفساد والطائفيةلكنهم بمنأى عن معايير للحكم على الممارسات والقرارات والسلوكيات تمهيدا لتوحيد الخطاب والخيارات، وبالتالي البحث في قدرة أهل الحكم على حشد الحد الادنى من الإمكانات؛ مع الإشارة الى ان أهل السياسة يتوزعون بين منشغل بالازمة وبين من هم على مفترق الأزمات لتكريس حضورهم في عالم القرار ولكل منهم هواجسه ورؤاه في خيارات المعاناة .
اما بعد، ومع قبس العدالة الذي يشق مجاهل الأطماع يبقى الأمل بانتصار الارادة الحرة ، الارادة المسلحة بالمعرفة والقيم الإنسانية والعبور الى مناعة جديدة لصهر النفوس بمناعة الموقف السليم وشجاعة التفكير المستقل في المستوى الاستثنائي الذي يتناسب مع اللحظات الحرجة وخشية من عبثية السياسات وهشاشة الشعارات الحزبية والمناطقية .
الى كل الذين تطالهم المعاناة في الصميم، نستعيد حقائق من التجربة الإنسانية، حيث :
الألم يولد السعادة، العذاب يحفز الارادة الحرة، والظلم يولد العدالة، فمع امل بشفاء جميع المصابين الرجاء بأن يستفاد من هذا الزمن الصعب لتجنب مآس قادمة، والاستفادة من العبر من اجل مجتمع معافى.