طابع تذكاري للفنان حسام الصباح بعد سنتان على الغياب

صدى وادي التيم-فن وثقافة/

حسام الصبّاح نجمٌ سطَعَ في دنيا الفنّ والوطن
السيرة الذاتيّة للفنان حسام الصبّاح
كامل جابر
في تفاصيلك الخاصة، عاندتَ المرض، ولازمتَ التعبَ وهجرتَ الراحة والطعام، وساكنت السيجارة… فمن أين لجسدك النحيل كلّ هذا الاحتمال؟ كأن كان ينقصك أن تنقلب بك السيارة، لتجعلك على سكة الرحيل بعد ثمانية أيام من الحادثة…
حسام جواد الصباح لن أجد أيّ كلام يرثيك، أو يحكي عن مسيرة طويلة رفعتَ بها اسم مدينتك النبطية عالياً، بل اسم وطنك لبنان عالياً، بل رفعت قلوبنا لتجعلها تحلّق في مجد النجاح والتألق مزهوّة بأعمالك، من المسرح إلى السينما إلى التلفزيون، إلى مسرح الفضاء الواسع عاشوراء… لن ترمح الخيل بعد اليوم أو تصهل، مثلما كانت في ظلال هالتك ولمساتك وإخراجك…
قلتُ فيك مرّة، ونحن نكرّمك في العام 2011 (15/10/2011) في قلب مدينة النبطية، في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي: “كيف أستطيع أن أنير نجمة في سماء حسام الصباح، وأنا جُرم بين كواكب حوله تشعّ الفنً، التقت ها هنا في عيد الفنان الشامل المتواضع، فيما يسطع دويّ عطائها في كلّ الأرجاء؟ لكن حسبي في الكلام أنّه سيصبّ فقط في تقديم الفنان الرائع حسام، كما يقدم الجدولُ النهرَ، ليذوب فيه.
هو تارة الممثل المطل في دور بسيط ليسجل فيه حضوراً لافتاً، وأخرى، لاعب رئيسي في عمل مسرحي يدرك كيف يُدخله، أي الدورَ، إلى فكر المشاهد ليسجل حضوراً ربما لن يجيده إلا بطل “حلم رجل مضحك” حسام الصباح؛ ثم لا يغيب كثيراً عن الكواليس ليدير إخراجاً، عملاً من هنا ومسرحاً من هناك؛ ثم تحت قبة السماء، تراهُ يرمحُ على بيدر مدينة النبطية ليدير واحدة من عشرات المحاولات في إيجاد تشخيص مسرحي نوعي لـ”موقعة عاشوراء”، في قالب يستطيع أن يخرجها عن السائد الموروث ويستند إلى خبرة الأداء والنُطق، فيصل في قالب ثقافي حضاري إلى المشاهد والمستمع.
في أقدم أحياء مدينة النبطية، حي السراي، ولد حسام جواد الصبّاح في 8 أيلول سنة 1948، والده كان تاجر نوق وجِمال بين جنوب لبنان وشماله وسوريا، ولأنه كان يكثر من الترحال نحو بيروت والشمال قادماً من الجنوب لقّب بـ”القبلاوي”، في كنفه عاش حسام الفتى، حيزاً من هذا الترحال. من مدرسة “أحمد جابر” الابتدائية إنتقل إلى مدرسة “سميح شاهين” المتوسطة، ومنها نال شهادة “البريفيه” سنة 1966، فيلتحق في العام التالي بدار المعلمين والمعلمات في النبطية؛ وكان أن عين في سنة 1970 مدرساً في مدرسة أرنون الرسمية. تقدم في أثناء الوظيفة إلى البكالوريا، القسم الثاني، ثم التحق بالجامعة اللبنانية، في قسم الفسلفة، وبعد الانتهاء منها التحق بمعهد الفنون الجميلة سنة 1978 وتخرج منه بعد ثلاث سنوات. في سنة 1984 انتقل من وزارة التربية إلى وزارة الإعلام، فوزارة الثقافة ومنها التحق بقصر الأونيسكو.
في إحدى فرق كشاف التربية الوطنية بدأ يكتشف ميوله نحو التمثيل، كان ذلك في العام 1961. عزّز هذه الموهبة بعد انتسابه إلى دار المعلمين والمعلمات حيث كانت تقدم أعمال فنية في نهاية كل سنة دراسية. وبين “نادي الشقيف” في النبطية و”اتحاد الشباب الديموقراطي” صار يشارك في أعمال احترافية ولعب دوراً مميزاً في مسرحية “الغربال” التي قدمت في النبطية عام 1970؛ وفي العام التالي في مسرحية “عتمة الليل” للشاعر الراحل طعان أسعد وقدمت فيها أغنيات من ألحان إيلي شويري وعازار حبيب.
حمله التهجير بسبب القصف الإسرائيلي الذي كانت تتعرض له مدينة النبطية إلى العاصمة بيروت عام 1976، فيها التحق معلّماً في إحدى مدارسها، وطالباً في معهد الفنون الجميلة حيث تعرف على روجيه عساف ويعقوب الشدراوي؛ مع رئيف كرم ومشهور مصطفى ومهدي زعيتر ووسام خالد ألف فرقة “السندباد” التي قدمت “دشّر قمرنا يا حوت” (1977) ثم “رحلة السندباد الثامنة” في العام التالي. مع الشدراوي شارك إلى جانب رفيق علي احمد وحنان الحاج علي وزياد أبو عبسي في “جبران والقاعدة” (1981) بدور خليل الكافر.
بين 1982 و1983 ظهر حسام الصبّاح في أكثر من فيلم لبناني، منها: “بيروت اللقاء” لبرهان علوية، و”الانفجار” لرفيق حجار، “المجازف” ليوسف شرف الدين، “المخطوف” من تأليف إبراهيم مرعشلي وإخراج فؤاد جوجو. وشارك سنة 1992 في فيلم “ناجي العلي” لعاطف الطيّب. ظهر حسام الصباح في معظم هذه الأفلام بدور الشرير “مما حدا بأحد كبار مدينة النبطية عندما التقى مرة بشقيقي، أن يطلب إليه التدخل لردعي مما أنا فيه من سكر ومجون، واحتاج شقيقي وقتاً طويلاً لكي يقنعه بأن ما يراه مجرد تمثيل بتمثيل” يقول. أما في التلفزيون فقد أطل من خلال “قناديل شعبية” لرشيد علامة و”قريش” لجورج غياض الذي صور في استديوهات الفارس الذهبي في سوريا.
بعد مسرحية “الطرطور” ليعقوب الشدراوي (1983) ومسرحية “الشهيد ابن البلد” (1984) وهي من إخراج نقولا دانيال وبطولة أحمد الزين انتقل حسام الصباح إلى الإخراج، وكانت باكورته مسرحية “الدبّور” (1985) من تأليف رفيق نصرالله وبطولة أحمد الزين، هذه المسرحية عرضت في سينما “استرال” في الحمراء مدة سنة ونصف السنة. بعدها توالت الأعمال مع احمد الزين فكتب له نص مسرحية “زمن الطرشان” وأخرجه (1988) وكذلك مسرحية “رقصة المساء” عن كتاب “المرمعون” للأديب محمد ماضي، ومسرحية “مهر العرب”؛ وقد قدمت جميع هذه الأعمال في سوريا وغيرها من البلدان العربية والأفريقية.
في عام 2008 عاد حسام الصباح ممثلاً إلى المسرح، ليلعب دور البطولة في “حلم رجل مضحك ” للدكتور طلال درجاني (عن نص الأديب الروسي دستويفسكي) وقد عرضت في المركز الثقافي الروسي في بيروت وفي “مهرجان دمشق المسرحي الرابع عشر”. عن دوره كتب الباحث سليم سعد قائلاً: “بالإضافة إلى كون الممثل حسام الصباح قديراً، متعلماً وجريئاً، ظهرت نتائج العمل الدؤوب الذي قام به في هذا العمل، فقام بنقل الرؤية الإخراجية المميزة بالشكل الأرقى والأكثر تعبيراً في عصرنا المسرحي الحالي. وبهذا أحرز بعمله هذا نقلة نوعية في المسرح الكلاسيكي العالمي على أرض لبنان، المسرح الذي راح يتجنبه كثيرون من الممثلين والمخرجين بسبب الدقة والتشدد ليلجأوا إلى المسرح الحرِّ المركب، أو إلى غيره من الأنواع الحديثة الأكثر حريةً وسهولة. فهو الممثل والحكواتي الكلاسيكي والشخصية الرئيسية المعبرة لهذا العمل، إلى جانب ظهوره كإنسان واقعي الوجود وخيالي التفكير في آن بالإضافة إلى الحس الفلسفي المتألق”.
في التلفزيون عاد حسام الصباح ليجسد شخصيات تشبهه، فهو ابن هذه الأرض التي قاومت الاحتلال الإسرائيلي. أما المشاهد التي ستظهر من خلال مسلسلي “زمن الأوغاد” (2003) عن من إخراج يوسف شرف الدين، و”الغالبون” (2011) من إخراج باسل الخطيب، فهي ليست غريبة عنه، “لقد عايشت ما يشبهها في مسقط رأسي هنا في النبطية التي عانت ما عانته من الاحتلال الإسرائيلي، وفي العديد من قرى الجوار، من مقاومة هذا الاحتلال ومقاومة عملائه، لذلك كنت أمثل نفسي”. وفي مسلسل “نورا” للمخرج السوري مأمون البني (2011) ظهر حسام الصباح بدور جمال باشا الجزار وقد أدى أكثر مشاهده باللهجة العثمانية. ثم شارك في فيلم “خلّة وردة” (2011) للمخرج اللبناني عادل سرحان.
برغم مئات الساعات من إعارة صوته للدوبلاج في مسلسلات مكسيكية وكرتونية، يبقى حسام الصبّاح ضائعاً “بين كوني مخرجاً أو ممثلاً أو أنني لم أزل أقوم بتجاربي، غير مدرك إلى أين قد يصل الأمر بي. أنا متأكد أن الممثل الذي في داخلي هو أقوى شيء في شخصيتي، خصوصاً كممثل مسرحي حيث أجد نفسي قادراً على التكيف مع مختلف الحالات التي يمكن أن يعبر بها الممثل؛ أما عملي في الإخراج فقد ساعدني على إدارة الممثل أكثر من السينوغرافيا والديكور والإضاءة، وأنا أعتبر أن الممثل الممثل، لو كان عارياً من جميع أدواته الخارجية، تبقى لديه القدرة على إيصال إحساسه وموقفه إلى الجمهور”.
كان يقلقه ما يجري من تناكف سياسي في لبنان “بيد أن هذا يحرضني على الكتابة. إنّ ما عبر به لبنان منذ 1975، تاريخ اندلاع الحرب الأهلية وحتى اليوم، لم يعطَ حقه في الدراما المسرحية والفنية، يجب على جيلنا أن يؤرخ لهذه الحقبة، وإلا فإننا فشلنا فشلاً ذريعاً، لذلك أعدّ العديد من النصوص التي تتناول هذه المرحلة”. أما ما يجري في سوريا “فهو يشبه إلى حدّ كبير حكاية الرجل المضحك في رواية دستويفسكي، الذي أتى ليغير الشعب فنقل إليه عدواه من الشرّ بعدما كان طيباً عريقاً. يريدون القضاء على هذا الكيان الجميل الذي يتمتع بثقافة عالية واهتمام فني متقدم”.
حينما أتى صديقنا إلى التمثيل كانت لديه أحلام جميلة في الشهرة، لكنها صارت “مضحكة” عندما أضحى الممثل في هذا البلد “يبحث عن أمكنة يمكنها أن تؤمن عيشاً كريماً لعائلته، في ظل تنامي فن هابط يديره الإعلان الشرس الذي يتوجه نحو الغناء والرقص والتخلي عن التمثيل، إلى فن لا أخلاقي”.

تواريخ
• 1948 (8 أيلول) الولادة في مدينة النبطية جنوب لبنان.
• 1970 شارك في أول عمل مسرحي نوعي “الغربال” ثم في مسرحية “عتمة الليل” للشاعر طعان أسعد وعرضتا في نادي الشقيف في النبطية.
• 1981 قدمه يعقوب الشدراوي بدور خليل الكافر في مسرحية “جبران والقاعدة” بعدها ظهر في العديد من الأفلام اللبنانية منها: “بيروت اللقاء” و”الانفجار” و”المجازف” و”المخطوف”.
• 1985 قدم تحت إخراجه أحمد الزين في مسرحية “الدبّور” ثم بعدها قدمه على المسرح كتابة وإخراجاً في “زمن الطرشان” و”رقصة المساء” (عن كتاب “المرمعون” للأديب محمد ماضي)، وأخيراً “مهر العرب”.
• 2008 أدى دور البطولة في مسرحية “حلم رجل مضحك” لطلال درجاني عن نص لدستويفسكي.
• 2011 شارك في مسلسل “الغالبون” من إخراج باسل الخطيب.
• 2012 يعد نصوصاً مسرحية تتناول موضوع الحرب الأهلية.
• 2021 ظهر في آخر أدواره، في مسلسل “20-20” (للمنتج صادق أنور الصباح والمخرج فيليب أسمر، من تأليف: بلال شحادات ونادين جابر) وسبق أن شارك في مسلسل “الهيبة” بين 2017 و2019 (للمنتج صادق الصباح والمخرج سامر البرقاوي، تأليف: هوزكان عكو).
• 21/06/2021 انقلبت به سيارته مساءً على أوتوستراد الزهراني- النبطية بينما كان عائداً إلى منزله في النبطية، وأصيب بكسور ورضوض نقل على أثرها إلى مستشفى الراعي في الغازية- صيدا، بيد أن مضاعفات صحية أدت إلى وفاته بعد ثمانية أيام، في صباح يوم السبت بتاريخ 29 أيار/ مايو 2021

الصورة: طابع تذكاري صدر عن بلدية النبطية (2021) تقديراً لإبداعات الفنان حسام الصباح عن لوحة للفنانة التشكيلية الدكتورة خولة الطفيلي، تصميم كامل جابر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!