تسوية موسكو: انتصار للأسد أمّ هزيمة لاردوغان ؟؟
لقد تباينت النظرة عند بعض المتابعين لنتائج اتفاق موسكو الاخير بين الرئيسين الروسي والتركي حول ادلب، بين من اعتبر انها جاءت لمصلحة الدولة السورية، ومن اعتبرها لمصلحة الرئيس التركي، ومن اعتبر أنها حملت مصلحة الطرفين ولكن تحت سقف الاستراتيجية الروسية لحل الازمة السورية، والتي بدأت مع استانة فسوتشي حتى اتفاق الامس في موسكو، وفي الوقت الذي يعتبر فيه كل طرف انه ربح عبرها اكثر مما خسر، والاّ كان اعترض عليها حيثُ لم يصرِّح احدٌ بذلك. فاين يمكن وضع نتائجها ولمصلحة مَن مِنَ الناحية العملية والموضوعية؟
بداية، من خلال دراسة النقاط الثلاث الاساسية التي نتجت عن القمة الاخيرة والتي تُلخَّص بـ: إنشاء ممر آمن عرضه 6 كلم شمالي الطريق الدولي “M4″، و6 كلم جنوبي الطريق، وبوقف كافة الأنشطة العسكرية على طول خط التماس في منطقة خفض التصعيد بإدلب، بدءا من منتصف ليل الخميس بالاضافة لتسيير دوريات تركية وروسية مشتركة اعتبارا من 15 آذار/ مارس الجاري، على امتداد الطريق البري “M4” بين منطقتي ترنبة غرب سراقب وعين الحور جنوب جسرالشغور، يمكن استنتاج ما يلي:
لا يمكن عزل النقاط المذكورة عن بنود اتفاق سوتشي السابق عام 2018، خاصة انه ذُكِر بكل وضوح ان الاتفاق يُعتبر ملحقا اضافيا لسوتشي دون تعديل او الغاء اي بند من الاتفاق الاخير، والاهم من هذه البنود (التابعة لسوتشي):
مواصلة الجانبين (الروسي والتركي) مكافحة الارهاب، وخلق منطقة منزوعة السلاح وخالية من الارهابيين، وتعزيز مركز التنسيق (الروسي- التركي – الايراني)، بالاضافة لتعزيز الدوريات المشتركة الروسية التركية.
انطلاقا من هذه البنود، والتابعة لاتفاقي موسكو وسوتشي، واستنادا لمواقف واهداف وتصريحات كل من الطرفين السوري او التركي، والى ما حققه كل منهما بعد المواجهة الاخيرة، يمكن أن نستنتج لمصلحة من جاء الاتفاق، وذلك على الشكل التالي:
– ربح الجيش العربي السوري مساحة جغرافية تقدر بحوالي 2000 كلم مربع، (موزعة بين ارياف حلب وحماه وادلب)، انتزعها بالقوة وبمواجهة شرسة، من اعنف المواجهات التي خاضها حتى الان، كونها حصلت ضد الجيش التركي – ثاني جيش في الناتو- بما يملك من امكانيات نوعية متطورة كالطائرات بدون طيار والقاذفات الاستراتيجية التي استهدفت بعض اهدافها الجوية من داخل الاراضي التركية، وهذه المساحة عمليا يكون قد خسرها الاتراك والارهابيون.
– حرر الجيش العربي السوري طريق “M5” (حلب ـ دمشق) بالكامل مع سيطرة مطلقة له عليها، بالاضافة لتأمين فتح طريق “M4” (حلب ـ اللاذقية) ضمن منطقة آمنة بعرض 12 كلم برعاية أمنية وعسكرية روسية – تركية مشتركة (دوريات ونقاط مراقبة وتنسيق).
– لم يأت الاتفاق لا من قريب ولا من بعيد على طلب الرئيس اردوغان، والذي كان يردده كمعزوفة دائمة خلال فترة المواجهة الاخيرة، وهو انسحاب الجيش العربي السوري حتى ما قبل نقاط المراقبة التركية السابقة، لا بل بالعكس، ثبّت الاتفاق خط التماس الحالي واوقف النشاطات العسكرية عليه.
– ايضا ثبّت الاتفاق وباعتراف تركي واضح دون اي تحفظ، اجراءات مكافحة الارهاب، وحيث يحمل هذا البند عمليا استثناء العمليات العسكرية ضد جبهة النصرة وملحقاتها من الفصائل الارهابية من بند وقف النشاطات العسكرية، يكون للجيش العربي السوري ولحلفائه كامل الحق والامكانية بمتابعة معركتهم ضد الارهاب، والتي تصب عمليا في خانة متابعة التحرير، تماما كما يصرح دائما الرئيس الاسد.
– من الناحية العملية والميدانية ايضا، وفي دراسة للمنطقة الجنوبية لطريق “M4” (حلب ـ اللاذقية) ما بين ترمبة غرب سراقب وعين الحور جنوب جسر الشغور ستكون، ضمناً، المدن والبلدات الرئيسة عليها (أريحا ومحمبل وجسر الشغور) بالاضافة لمساحة بعرض 6 كلم جنوبها، آمنة وخالية من الارهابيين، الامر الذي سوف يخلق منطقة اساسية من سهل الغاب شبه آمنة، كونها ستكون خالية من الارهابيين ومحاصرة ( بين “M4” وبين ريفي حماه الشمالي واللاذقية الشرقي)، وتكون ممسوكة بمعابرها بالكامل من قبل الجيش العربي السوري .
في الحقيقة، لا يمكن لاي متابع، وبعد اجراء المقارنة المذكورة أعلاه بطريقة موضوعية وعلمية، الا انه يستنتج ان نتائج اتفاق موسكو جاءت لمصلحة الجيش العربي السوري وحلفائه، ولكنه بنفس الوقت (الاتفاق) نجح في تظهير مخرج لائق للرئيس اردوغان، حفظ له ماء وجهه، والذي كان قد ظهر بكل وضوح شاحبا في اجتماعه الاخير مع القيصر في موسكو.
شارل أبي نادر