محمود مرداس: هوايتي لآلة العود تحولت إلى شغف بتصنيعه (تحقيق مصور + فيديو )

 

 

تحقيق خاص: صدى وادي التيم

في زمن التقدم الصناعي والآلات الموسيقية الإلكترونية التي تغني عن فرقة كاملة، رفض محمود مرداس الاستسلام وسعى إلى تحقيق حلم راوده منذ سن الشباب، ألا وهو إحياء آلة العود التي طالما رافقته في نشاطات محلية في الثمانينات وإن ليس بإحتراف، بل حباً وتقديراً لقطعة موسيقية تخلى عنها الزمن وإستبدلها بالأوتار الكهربائية .

إبن حاصبيا محمود مرداس عزّ عليه أن تندثر هذه القطعة وتزول فاختار أن يستثمر فترة تقاعده في تصنيع آلة العود، فخصص مشغلاً صغيراً في منزله جعله ركناً يلجأ إليه في فراغه ينحت بدقة عالية أصغر التفاصيل في العود، حتى يخرج من مجموعة أخشاب متعددة المقاسات الى آلة تطرب ويطيب النظر إليها لجمالها .

موقع صدى وادي التيم كان له لقاء مع مرداس في مشغله الصغير وكان هذا الحديث عن هوايته :

 س : هل تزودنا بنبذة تاريخية عن آلة العود :

ج: كلمة العود في اللغة العربية تعني الخشب ويعتبر من أهم الآلات الموسيقية الشرقية، وهو آلة وترية تُستخدم في الموسيقى العربية والتركية والفارسية واليونانية والأرمينية والأذربيجانية والأندلسية وغيرها، وآلة العود قديمة جدًا، يقول البعض أنّ تاريخها يصل إلى زمن نوح وأقدم آثار تعود لآلة العود يصل عمرها إلى خمسة آلاف عام، حيث عُثر على نقوش حجرية تمثل نساء يعزفن على آلة العود، وقد اشتهر العود عبر التاريخ، وأبدع الصناع في صنعه، وتُشير الدراسات التاريخية إلى أنّ أول ظهور لآلة العود كان في بلاد ما بين النهرين في العصر الأكادي، كما ظهر في مصر في عهد المملكة القديمة، وقد دخل إلى بلاد الشام وظهر في إيران لأول مرة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، كما كانت آلة العود هي الآلة المفضلة لدى الناس في العصر البابلي، وقد تطوّر شكله وعدد أوتاره تدريجيًا حتى وصل إلى وضعه الحالي، حيث بدأ بوترٍ واحد، ثم بوترين وثلاثة وأربعة، وأضاف زرياب الوتر الخامس إليه ويُغطي مجالها الصوتي ما يقارب الأوكتافين ونصف الأوكتاف .

س : هل من أنواع متعددة لآلة العود :

ج : يُعدّ العود العربي من أهم أنواع آلة العود، وأشهرها العود العراقي والعود الشامي أو الدمشقي، أما عود السحب فابتكره صانع العود الشهير محمد فضل الجوهري، بالإضافة إلى الفنان العراقي منير بشير الذي طلب من محمد فاضل صناعة نوع من أنواع آلة العود يكون مقاومًا للظروف الجوية، وقد تم تحويل الفرس الذي يربط أوتار عود السحب إلى ظهر العود، كي يتمكن العازف من تغيير ضغط الأوتار باتجاه الأعلى دون أن يكون مضطرًا للضغط على وجه العود. كذلك العود الأندلسي، ويُستخدم بكثرة وحصريًا في الجزائر ويتميز بأنّه أصغر حجمًا من العود العرب .

أما مكوّنات آلة العود مهما اختلفت أنواع آلة العود فإنّ لها نفس المكوّنات تقريبًا، وأهم أقسام آلة العود الصندوق المصوت الذي يسمى ظهر العود أو القصعة، والصدر أو الوجه ويحتوي على فتحات تسمى قمرية، تُساعد في زيادة قوة الصوت ورنينه، والفرس الذي يُستخدم لربط الأوتار قرب مضرب الريشة، والعضمة أو الأنف التي توضع على رأس زند العود، والرقبة أو زند العود، وهي المكان الذي يضغط العازف على الأوتار حين يضغط عليه، والمفاتيح أو الملاوي ويكون عددها ما بين اثني عشر إلى أربعة عشر مفتاحًا، وتُستخدم لشدّ أوتار العود، والأوتار ويكون عددها

ما بين الخمسة أوتار أو الستة مزدوجة العدد..

س : نعلم بأنك هويت وعزفت العود في مناسبات محلية إخبرنا عن تاريخك الموسيقي

ج: أحببت اولا الثقافة فأنا مجاز بشهادة الحقوق كما احببت الفنون بشكل عام من ايام المراهقة، مارست هواية الرسم لفترة طويلة، كذلك الموسيقى والعزف على آلة العود، وكان لكشافة الجراح فضل في ممارسة هواياتي الفنية المحببة ومنها أيضا المسرح حيث نفذت عدة مسرحيات من تاليفي ومسرحبات كبيرة للرحابنة الكبار أخرها مسرحبة صيف 840 في العام 1990 إبان الاحتلال الإسرائيلي، وأسست ودربت فرقة موسيقية كبيرة من الآت النفخ في كشافة الجراح، كما أحييت الكثير من المناسبات العامة والخاصة في كثير من المناطق اللبنانية على مدى سنوات طويلة وقد مُنحنا أكثر من مرة تنويهات ودروع لأحيائنا المناسبات وخاصة الوطنية وأهمها تنويها خطيا من قيادة الجيش اللبناني ولكن من المؤسف انه بعد تركي مؤسسة الكشاف انهارت هذه الفرحة بعد حضور كبير قامت به لسنوات طريلة …

س : كيف استطعت تحويل الهواية إلى احتراف

ج : كما قلت سابقا أحببت الموسيقى ولكن لم أتابع فترة طويلة، فظروف الحياة والعائلة كما انصرافي الكلي في سنوات العطاء الشبابية للعمل الإجتماعي أي العمل التطوعي في معظم الجمعيات والمؤسسات الحاصبانية تغلبت على تنمية موهبتي الموسيقية في حال وجودها، لذلك انقطعت طويلا عن ممارسة العزف على العود، ولكن منذ سنتين عاد الحنين لهذه الهواية بعد ان أهداني ابني الحبيب عودًا جميلًا، فعدت الى الدندنة واسترجاع بعض مهاراتى المفقودة …

منذ سنة ونصف اطلعت بالصدفة على إعلان صادر عن جمعية رائدة في تعليم وتنمية المواهب الفنية بشكل خاص، وخاصة للأطفال والفتيان إسمها جمعية “العمل للأمل” مقرها بر الياس ومدعومة من قبل جهات أجنبية مانحة اختصاصها تعليم الموسيقى والعزف على معظم الآلات، والملفت بأنّ الجمعية هي من تُقدم الآلات التي يكون ثمنها الآف الدولارات، كذلك تعليم التصوير الفوتوغرافي والتصوير السينمائي والتمثيل والإخراج على أيدي أشخاص محترفيين متخصصين كلٌ في مجاله.. ولكن معظم جهودها متجهة بشكل أساسي إلى الأخوة اللآجئين السوريين، وقد أقامت الجمعية دورة لتصنيع الأعواد للكبار، وأنشأت لذلك مصنعاً للنجارة قرب مركزها وكنا 15 متمرنًا أنا وشخص واحد من اللبنانيين والباقي من السوريين…

إمتدت الدورة لسنة كاملة، يومين كاملين في الأسبوع تُعطى الدروس النظرية والعملية التطبيقية في مصنع النجارة، واستُحضر لذلك صُناع مهرة من اللبنانيين والسوريين والمصريين المشهورين والمحترفين في هذه الصناعة .

من اللبنانيين، الأستاذ عماد بلانة الحاضر دومًا على مدى أيام السنة، ومن السوريين المدير الفني للمشروع المؤلف الموسيقى الدكتور فواز باقر والصانع المشهور المهندس ابراهيم سكر ومن المصريين المحامي عمرو مصطفى والأستاذ عمار كل فترة يحضر أحدهم اكثر من مرة لمدة أسبوع ليكمل معلوماتنا … وفي نهاية الدورة أقيم معرض للأعواد المصنوعة في قاعة ببيروت خلف مصرف لبنان، بذلك تحولت الهواية إلى احتراف نوعي بعد اطلاعي على كل اسرار الصناعة من أنواع الخشب والمسافات والمساحات الصوتية، ولكن ما زلت أعتبر نفسي هاويًا، إذ أمارس هواية محببة لنفسي لساعات وساعات كل يوم في هذه الظروف الصعبة بعيدًا عن الضجيج الخارجي…

س : إخبرنا عن مراحل صناعة العود

ج :  تمر صناعة العود بعدة مراحل، أولها التصميم المراد للعود المطلوب، إذا كان عودًا بفرس ثابت أو بفرس متحرك، وحجمه وقياساته، ثم يتم اختيار الخشب المطلوب لكل قسم منه مع اختيار ألوانه للتناسق، إذ لكل قسم نوع معين من الأخشاب، ما هو صالح للوجه يختلف كليا عن خشب الطاسة وما هو للزند والبنجق يختلف عن غيره، حقيقة أنا لا أصنع عودًا تجاريًا من الأخشاب العادية، بل أحرص دائمًا على نوعية وشكل والأهم صوت العود الذي أصنعه رغم ارتفاع ثمن الأخشاب للعود الجيد من جوز وموغني وماهوني وارز او سيدر ومايبل وابانوس وسيسم وغيرها، كما قلت أنا ما زلت هاويًا ولست صانعًا بالمعنى الحرفي للكلمة..

نصنع أولا الطاسة، ثم الزند ثم الوجه مع جسوره ثم البنجق بالقياسات والمساحات المطلوبة على الملم، ونجمع القطع بالغراء بصبر طويل دون استعمال أي مسامير أو براغي فيأخذ وقته في الصناعة لحوالي الشهر تقريبًا، ليولد بين أيدينا عودًا جميلًا في شكله رخيمًا في صوته …

 

س : لكل مهنة مصاعبها ما هي مصاعب وتحديات المهنة

ج:   أهم صعاب المهنة عدم وجود الأخشاب الخاصة بالصناعة في منطقتنا إلا لنوع قليل جدًا حتى أنه يلزم الذهاب لبيروت لشراء الأخشاب… كذلك ارتفاع أثمان هذه الأخشاب مع ارتفاع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، مثلا المتر المكعب من خشب الجوز الأميركي ثمنه 4500 دولار، بالاضافة لأرتفاع أثمان الأوتار الجيدة والزخارف والموزييك التي توضع لتزيين العود رغم إنّ العازفين المهرة يهمهم الصوت بصورة عامة وليس شكل العود..

أما تحديات المهنة ككل مهنة لها مصاعبها وظروفها وخاصة موضوع تصريف الإنتاج وفي هذا الوقت بالذات، حيث بلدنا يعاني أزمة إقتصادية خانقة، يهم المواطن قبل كل شيء تأمين الحاجات الظرورية له ولعائلته وليست ممارسة هواياته وبالتالي يندر البيع ولكن أنا ما زلت في المراحل الأولى من الإنتاج فقد أنهيت دورة التصنيع منذ شهرين فقط وقمت بصناعة سبعة أعواد حتى الآن حيث بعت اربعة أعواد منها، وأعمل على تسويق انتاجي وقد شجعني الكثير من التجار من هنا الى بيروت اذ سمحوا لي بعرض إنتاجي بعد إعجابهم به في محلاتهم على سبيل الأمانة نظرًا للوضع الحالي..

 

س : في عصر الموسيقى الإلكترونية هل ما زال للعود هواة ومهتمين؟

ج :  في اعتقادي، ما زالت الموسيقى وخاصة العزف على العود له هواته ومشجعيه رغم الانحطاط في المستوى الفني والثقافي، ويتفاجأ الكثيرون عندما يعلمون بمحاولاتي، كما أعتبر أنّه من الضروري أن يتأسس في منطقتنا معهد متخصص لتعليم الموسيقى والعزف على الآتها، ولا بد من إدراجها في المناهج الجديدة المدرسية واهتمام المدارس الرسمية والخاصة بالموسيقى، على أمل أن يكون لها نتائج طيبة في المستقبل ولكن لننتهي أولا من الصعوبات الوجودية التي نواجهها كأفراد ومجموعات وكيانات، أنا متفائل بالنسبة للمستقبل، فالموسيقى دليل رقي وحضارة للشعوب…

 

س : هل تعتقد بأن هناك من آمال وطموحات لهذه الالة

ج :  أتمنى أن تنتشر الثقافة الموسيقية واعطاء الأهمية لهذه الثقافة تعليمًا ومعلومات في بلدنا لأنها دليل ارتقاء وسمو في مدارك الانسان والمجتمعات، والعودة الى التراث ليس عيبًا، فالشعوب المتحضرة والمتمدنة تعتبر التراث رغم تقدمها العلمي الكبير مصدر الهام لها في تطورها الروحي والنفسي والأدبي والثقافي، وبالنسبة لنا فأنه ما زلنا مرتبطين بحل سرة تراثنا، حتى أولادنا وشبابنا عندما يسمعون اي اغنية او موسيقى تراثية يهبون فورا لترنيمها والرقص او الدبكة عليها, وبالتالي اعتقد ان العود كألة شرقية ستبقى مفضلة بين جميع الآلات ولن ينحصر وجودها في المتاحف وستتطور على ايد اجيالنا القادمة لتلبي تطورهم الموسيقي انذاك….

 

 

 

           

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى