لبنان في 2020: استحقاقات وامتحانات ومجهول بالمرصاد!
هو “المجهول” بامتياز وقد طبع نهاية العام 2019 لبنانياً على وقع التطورات الدراماتيكية التي شهدتها البلاد على امتداد الأشهر الماضية، من “ثورةٍ” اجتمع حولها اللبنانيون الناقمون على الطبقة السياسية، قبل أن يختلفوا حول خلفيّاتها، إلى “شبه انهيار” على المستويين الاقتصادي والاجتماعيّ، وقبلهما السياسيّ بكلّ تشعّباته.
هو “المجهول” نفسه تنطلق منه رزنامة العام الجديد، وسط استحقاقاتٍ بالجملة تنتظره، على رأسها الحكومة التي لا تزال “الضبابية” تسيطر على شكلها وطبيعتها، بعد سقوط كلّ تفاهمات الماضي القريب، في حين يراهن كثيرون على سقوطها قبل الولادة، وإن كان المعنيّون يتوقّعون ولادتها في غضون أيامٍ قليلة، إن لم تستجدّ “عوائق” في ربع الساعة الأخير، على جري العادة اللبنانية.
وبين “مجهول” 2019 و”مجهول” 2020، علامات استفهامٍ بالجملة تُطرَح، فهل يعبر لبنان “مسافة الأمان”، أم ينزلق إلى الخطر أكثر وأكثر؟ هل تكون الحكومة على قدر التحديات الثقيلة، أم أنّ الأخيرة ستكون أقوى منها؟ والأهمّ من هذا وذاك، هل تجتاز “الثورة” الامتحان الأكبر، فتؤسّس للبنان الجديد، أم تنزلق في متاهات السياسة ودهاليزها؟!.
تحدياتٌ لا تنتهي…
يبدأ العام الجديد في لبنان، في وقتٍ تستمرّ الجهود لإنتاج حكومةٍ جديدةٍ يريدها رئيس الجمهورية ميشال عون كما رئيس الحكومة المكلّف حسّان دياب مختلفةً عن سابقاتها، شكلاً ومضموناً، وذلك حتى تكون على قدر المرحلة الجديدة التي أسّس لها الحراك الشعبيّ المستمرّ ولو نسبياً في الشارع، والذي أفضى إلى استقالة الحكومة السابقة، وتغيير المعادلات على الأرض، وفي السياسة بطبيعة الحال.
وإذا كانت التوقّعات تشير إلى أنّ الحكومة الجديدة لن تتأخّر قبل أن تبصر النور، باعتبار أنّها لا تملك “ترف” الانتظار لأشهرٍ طويلةٍ كما كان يحصل في السابق، خصوصاً في ضوء “الشلل” الذي تعاني منه حكومة تصريف الأعمال، الغائبة عن السمع والنظر، فإنّ الأكيد أنّ التحدّيات التي تنتظرها أكثر من أن تُعدّ وتحصى، متى ولدت، وبمعزَلٍ عن شكلها وطبيعتها، سواء كانت حكومة اختصاصيّين مستقلّين كما يصرّ رئيسها، أو حكومة لونٍ واحدٍ كما يرى الرافضون لتكليفه.
ولعلّ هذه التحديات تكتسب أهمية مضاعفة انطلاقاً من الواقع “المُرّ” الذي تشهده البلاد اقتصادياً واجتماعياً، والحاجة إلى معالجته سريعاً تفادياً لسيناريو “الانهيار” الذي يكثر المروّجون له هذه الأيام، عن حسن أو سوء نيّة، والذي بدأ يجد تجلياته في أكثر من مكان، وخصوصاً على مستوى الحياة اليومية للمواطنين، الذين يشكون تهديداً وجودياً يستهدف مستقبلهم الوظيفي، معطوفاً على انخفاض قدرتهم الشرائيّة في مواجهة غلاء المعيشة.
ولكلّ هذه الأسباب والاعتبارات، يصبح من البديهيّ القول إنّ هذه المعالجة لا يمكن أن تتمّ وفق طريقة “المسكّنات” التقليدية والمستهلَكة لبنانياً، بل يجب أن تحصل وفق برنامجٍ إصلاحيّ واضح على الحكومة أن تحصل على الثقة بموجبه، بموجب عنوان مكافحة الفساد، وصولاً إلى استعادة الأموال المنهوبة، وتحرير يد القضاء من أيّ تبعيّةٍ سياسيّة، مع عدم استبعاد فكرة أن تكون الحكومة لمرحلةٍ انتقاليّة، بحيث يكون من مهمّاتها الأساسية الإعداد لقانونٍ انتخابيّ جديد يؤسّس لمرحلة لبنان الجديد.
امتحان “الثورة”
لكن، ومع أنّ “المكتوب سيُقرَأ من العنوان”، ثمّة من يرى أن الحكومة التي “تُطبَخ” حالياً لن تكون قادرة على التصدّي لمثل هذه التحدّيات، خصوصاً أنّها تنطلق من أساس غير صلبٍ بتاتاً، في ضوء معارضةٍ شرسةٍ تواجهها سلفاً، خصوصاً في الشارع السنّي الذي لا يبدو متقبّلاً لرئيس الحكومة المكلّف، وهو ما ينعكس عجزاً لدى الأخير في اجتذاب أسماء سنية وازنة للانضمام إلى حكومته. ولعلّ ما يزيد من صعوبة موقف الحكومة، تصنيفها سلفاً من جانب كثيرين على أنّها لفئة ضدّ أخرى، في وقتٍ لا شكّ بأنّ دقّة المرحلة تتطلّب إجماعاً وطنياً، بالحدّ الأدنى، ولو أنّ تجربة الحكومات المسمّاة “وطنية” لا تشجّع.
وبمعزَلٍ عن كلّ التطورات الحكومية وما يمكن أن تنتهي إليه، ثمّة من يعتبر أنّ التحدّي الأهمّ الذي يمثّله العام الجديد، سيكون أمام “الثورة” التي يرى كثيرون أنّها تراجعت في المرحلة الماضية، وسط تفاوتٍ في الآراء في شأن ما يمكن اعتبارها “مهلة” وُضِعت لرئيس الحكومة المكلّف لتبيان نواياه، فإمّا يكرّس هذا العام مفهوم “الثورة” الذي يكاد يضيع في “الفوضى” التي تشهدها البلاد من كلّ حدبٍ وصوب، وإما ينهيها عملياً، علماً أنّ محاولات الوصول إلى هذا السيناريو لم تتوقّف منذ انطلاقة الحراك، سواء من أحزاب السلطة الصامدة في مواقعها، أو حتى من حلفائهم من “ركّاب الموجة” إن جاز التعبير.
وإذا كانت هذه “الثورة” التي ينتظر كثيرون أن تؤسس للبنان الجديد، تبدو اليوم أمام “الامتحان”، فإنّ المطلوب منها سريعاً قد يكون عبارة عن مراجعة نقديّة وجدية للأداء، من أجل ضمان الفاعلية والاستمرار، والتصويب على أصل البلاء الحقيقيّ الذي يجمع كل اللبنانيين، ألا وهو الفساد، بعيداً عن الشعارات التي قد يراها البعض نافرة، أو الاستعراضات التي تبدو أبعد ما يكون عن فكر “الثورة” الذي يربطه أصلاً كثيرون بالعنف لا بالمبالغة في السلميّة، والتي لا تغني وتسمن من جوع، وبما يمكن أن يجمع أوسع شريحةٍ من اللبنانيين حولها، وإن كان ثمّة من سيبقى معارضاً للحراك، انطلاقاً من العصبيّات الحزبيّة.
من هنا، فإنّ التحدّي الأكبر أمام هذه “الثورة” يكمن في الترجمة العملية للشعارات التي رفعتها، وللاحتضان الشعبيّ الذي نالته، وبالتالي عدم البقاء في موقع ردّ الفعل فقط على إجراءات السلطة، انطلاقاً من عدم وجود “قادة” للثورة، وهو صحيحٌ، إلا أنّ الصحيح أيضاً أنّ تحقيق النتائج قد يتطلّب المزيد من المرونة والليونة، بعيداً عن السلبية المُطلَقة، خصوصاً أنّ هناك مِن الناس من بدأ يتململ على اعتبار أنّه يفضّل العيش بالحدّ الأدنى من الحقوق، على الذهاب إلى سيناريو المجاعة والبطالة وما شابه، ما يتطلب تحرّكاتٍ فاعلة وسريعة، ولو أنّ المنطق يقول إنّ “الثورات” لا تتحقّق بين ليلةٍ وضُحاها.
حتى لا تضيع “الإنجازات”!
بمُعزَلٍ عن كلّ شيء، قد تكون “ثورة” السابع عشر من تشرين الأول أفضل ما تحقّق في العام المنصرم، “ثورة” كانت حتى اليوم السابق لها، بمثابة “حلم مستحيل” بالنسبة إلى اللبنانيين، ما جعل الطبقة السياسية تتمادى، متوقّعةً أنّ الناس “في الجيب”.
انتفض المواطنون وثاروا ضدّ طبقةٍ سياسيّةٍ عاثت في البلاد فساداً ولم تتوقّف، فغيّروا المعادلات التي اعتُبِرت “ذهبيّة”، وأنهوا التفاهمات والتسويات القائمة على المحاصصة والفساد، أو بالحدّ الأدنى، “غضّ النظر عنه” باعتراف المعنيّين أنفسهم.
هي إنجازاتٌ حقّقتها “الثورة”، سواء اعترفت بها السلطة أم لا، “إنجازات” يجب أن تستكمل مع بدء العام الجديد، بتكريسٍ للمفهوم “الثوريّ” الحقيقيّ والذي يستشرف المستقبل، حتى لا تضيع الإنجازات هباءً منثورا، كما يمنّي كثيرون النفس، وهم معروفون.
حسين عاصي