الحريري أو نحرق البلد
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
في حُمّى “حفلة الشواء” التي يستضيفها بيت الوسط، وحَّدَ الشارعُ “الأزرق” كلمته: الحريري أو نحرق البلد!
الوصول إلى هذا الاقتناع، يَتَرَسَّخ عند الركون إلى قراءة ما يترتَّب عن المناورات بالذخيرة الحية الجاري تنفيذها في شوارع “الخرزة الزرقاء”، من عكار الى البقاع، فبيروت وتقاطع الناعمة، منذ دخول عملية التكليف والتأليف مدار خطّ الإستواء السياسيّ.
وبذلك، يتيح الحريري لنفسه مصحوبًا ببركةِ الشارع، التكفل بعمليّة “شواء” الأسماء عبر “شوّاية الفراريج” التي استقدمها حديثًا آخذًا بـ”شك” الأسماء المقترحة على “سيخها” واحدًا تلو الآخر، فكلما احترق الإسم ينزعه عن “السيخ” ويرميه منتظرًا الآخر كي يتابع عمليّة “الشوي”.
وهكذا دوليك، نصل في النتيجة إلى إحراق جميع الاسماء ويبقى “الطباخ” وحيدًا لا مناص من عدم اختياره مرتكزًا في تصرفاته إلى “مرسوم جوّال” يقف خلف إصداره الثنائي الشيعي الذي ما برحَ حتى في آخر اجتماعٍ عقده الخليلين مع الحريري مغادرة منطقة التمسّك به، لكنّه يوافق على الخطيب متى كان الأخير خيارًا تسمّيه كتلة المستقبل في الاستشارات النيابيّة.
وهكذا يكون الحريري بلعبته تلك “يحرق البلد” عملاً بقاعدة “أنا أو لا أحد” المُعَنْوَنة فوق بـ “الحريري أو نحرق البلد”، خلافًا لما ذكره في بيان رفض قبول التكليف:”ليس أنا بل أحدٌ آخر”.
من الواضحِ، أنّ الحريري يمارس لعبة “نشر المكائد” موقعًا بالاسماء الواحد ثم الآخر. هي خطةٌ، الأدل إلى وجودها ما أفادت به مصادر مطلعة ونقلته لاحقًا وسيلة اعلامية، بأنّه خلال هذه المدّة، إمّا يكون سمير الخطيب المرشح الوحيد أم تحترق ورقته أو نعود إلى الرئيس سعد الحريري أو يكون هناك مرشّح آخر الذي قد يكون النائب فؤاد مخزومي.
وبينما نحن على بركة “الشواية” سائرون، تصعد وتهبط إحتمالات تكليف المقاول سمير الخطيب لتشكيل الحكومة، بدليل سلسلة فيتوهات رفعت على الاسم تكفلت بها مرجعيات سياسية من رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وصولاً الى نقابة رؤساء الحكومة السابقين، وبينهم طبعًا “الاكليروس الديني السني” و”أهل العلم والربط”.
وتفيد المعطيات، بأنّ الرئيس بري غير راضٍ على الطريق الذي يسلكه الخطيب من أجل تأمين التكليف، الذي يتعارض مع الأعراف المتبعة في عملية تشكيل الحكومة ويوفر أجواء لتثبيت اعرافٍ جديدة، ومنها أنّ مرشحًا للرئاسة الثالثة ناوبَ على زيارة قصر بسترس في مناسبَتَيْن برعايةٍ من رجل أعمال مقرَّب من الحريري والوزير جبران باسيل، عارضًا في المرّتين خلاصة ما توصل إليه.
في أي حال وعلى الرغم من كل ذلك، أشهرَ قصر بعبدا سيف الإستشارات محدداً موعدها الأثنين المقبل، اليوم الذي سيكون بمثابة “يوم الحشر” بالنسبة إلى الكتل النيابية التي ستُمتحن مصداقيتها في شأن قبولها “المهندس” على رأسها كتلة المستقبل التي زعمت مصادرها أن خيارها هو سمير الخطيب لكنها إحتجبت عن إعلان ذلك رسمياً.
وحتى ذلك الوقت، ينقل عن مجالسٍ قولها، أنّ ما يعيق إحتمالات تولي الخطيب كرسي السرايا يرتبط بشكلٍ أساسي في نوعية جيناته السياسيّة التي تميل صوب ضلوع الوزير جبران باسيل في تركيبها وترك ترف إكتشافها إلى قدرات اللواء عباس ابراهيم، ثم إسباغ النقاش الجاري على المخالفة القائمة دستوريًا على التأليف قبل التكليف لا العكس لبوس بدعة جديدة تسمى “رئيس حكومة محتمل”.
براءة الاختراع الجديدة التي تُنسَب إلى باسيل كانت محطّ “لومٍ وتنبيهٍ” من قبل رؤساء الحكومة السابقين المفوضين بصفة “حكماء” لهم رأيهم في شأن إختيار رئيس الحكومة البديل، الذين شنّوا هجومًا لاذعًا على “البدع الجديدة”. وفيما لم يمنحوا التغطية لغطاء الخطيب الشفهي حريريًا، تركوا إجتماعاتهم مفتوحة لمناقشة التطورات، أمرٌ ينذر بأنّ منحَ الموافقة إلى الخطيب غير متوفرة بعد.
ما يزيد الطين بلة، أنّ الاكليروس السني الديني وموقف أهل العلم والربط يفصح عن “فيتو” عريض مرفوع على إسم الخطيب.
وبحسب ما يُنقَل عن مصادرهم، أنّ المرشحَ “فاقدٌ للأهلية السياسيّة السنيّة بضوءِ بروزه من خارجِ الطبقة السياسيّة المعروفة”. وفي هذا الموقف، تلميحٌ إلى مطلبِ هؤلاء من أن يكون أيّ مرشح لخلافة الحريري منتميًا إلى نقابة الرؤساء السابقين التي أصبحت في ضوء ذلك، مصدرًا لانتاج السلطة لدى الرئاسة الثالثة.
ثم أنّ هذا الرأي ينطلق من خلو جعبة المرشح الجديد من أي تأييدٍ في الشارعِ السني على إعتبار أنّ هذا الشارع خرَجَ في اليومَيْن الماضيَيْن رافض تكليفه.
ومن الحقِّ القول، أنّ الجو السني بشكلٍ عام قد لا يكون ميّالًا صوب القبول بشخصيّةٍ تحمل مواصفات الخطيب. ففي ضوءِ “لعبة الكبار” بين رؤساء أقوياء يمثلون طوائفهم، قد تجد الشارع السني يتمسَّك برئيس حكومة يحظى بحضور سني شعبي وازن يستطيع من خلاله أن يُترجِمَ حضوره قوةً في الموقعِ ما يمنحه قوة دفعٍ اضافية ولا يعرّضه لهبوب رياح كبار طوائفهم.