موفد بريطاني الى بيروت.. وترامب بحاجة لإيران
الزيارة البريطانية المرتقبة الى بيروت في الساعات المقبلة، تعقب تلك التي قام بها إلى العاصمة اللبنانية، مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو، الذي إجتمع بنظيريه البريطاني والأميركي في باريس يوم الثلاثاء الماضي. وقد انبثقت عن هذا الاجتماع الذي سيتكرر مطلع الشهر المقبل آلية للتأكيد على قضيتين أساسيتين تتعلقان بلبنان: الأولى، تسريع الخطى لتشكيل حكومة في أقرب وقت ممكن، تحظى بالقبول من قبل الحراك الشعبي وتتمتع بسمعة جيدة ومصداقية عالية، والثانية، المباشرة بخطة الإصلاحات الإقتصادية والمالية، فور تشكيل الحكومة، وبما يلبي مطالب وحاجات أغلبية اللبنانيين. كما شدد المجتمعون (وسوف يستمرون بالتشديد) على أهمية دور الجيش اللبناني في هذه المرحلة ووجوب دعمه وبقائه في موقع الحياد الايجابي، بحيث يحمي المتظاهرين من جهة ويحافظ على استقرار لبنان من جهة ثانية، لذلك، فان المسؤولين الفرنسي والبريطاني شددا غير مرة مع نظيرهما الاميركي (ديفيد شينكر) على أهمية عدم قطع أي مساعدات عن المؤسسة العسكرية اللبنانية خصوصا في هذا الظرف الدقيق والحساس.
الواقع ان لبنان لم يحظ بنقاش طويل في الاجتماع الثلاثي بسبب أولوية مناقشة الوضع الايراني المتصاعد، ولذلك، فان الأطراف الفرنسية والبريطانية والأميركية اتفقت على آلية عمل دائمة لمواصلة المشاورات والعمل سويا في ما يتعلق بكيفية الخروج من الازمة اللبنانية الحالية وخطورتها على اعتبار ان عدم حلها لن يؤدي فقط الى انهيار اقتصادي ومالي واجتماعي، وانما ايضا الى تفاقم مشكلة النزوح السوري وعودة شبح الإرهاب والتوترات الأمنية في لبنان.
وعلى خط مواز للاهتمام بما يحصل في العراق ولبنان، فان ثمة مساع أوروبية حثيثة استؤنفت بعيدا عن الأضواء لإعادة احياء جهود التقريب بين ايران وإدارة دونالد ترامب بناء على مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. ومن المنتظر وفق معلومات موثوقة ان يُعقد اجتماع وزاري مهم في باريس خلال الأسبوع المقبل على هامش مؤتمر حلف شمال الأطلسي، ومن المرجح ايضا ان يكون للبنان فيه نصيب.
ويبدو، وفق مسؤول غربي، ان رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون متحمس جدا لاستئناف المبادرة الفرنسية وتطويرها كي تصبح فرنسية -بريطانية، وان الرئيس الاميركي راغب ضمنياً بالتوصل الى إتفاق مع طهران قبل نهاية ولايته، تماما كرغبة طهران حتى ولو ان الطرفين متباعدان لناحية شروط العودة الى هذه المفاوضات النووية ويدليان بتصريحات توحي بالقطيعة.
يعتقد المسؤول الاوروبي ان نجاح الاوروبيين في التقريب بين الطرفين الايراني والأميركي، سينسحب تهدئة على محاور عديدة من العراق الى لبنان، ويسرّع خطوات إقامة حكومات أكثر استقرارا في البلدين
وإذا كان الاوروبيون يوحون بأنهم متفهمون جدا لضغوط ترامب، الا انهم يعتبرون ان ذلك يجعل الرئيس الاميركي أكثر ثقة بتحركهم وسيقتنع عاجلا أم آجلا بوجوب العودة الى الاتفاق النووي مع تعديل وتحسين شروطه. وهم يلوحون بمخاطر انهيار الاوضاع الأمنية في الشرق الاوسط خصوصا مع بروز صفقات أسلحة جديدة (مثلا من روسيا) توحي بأن ثمة أطرافا تعود الى سباق التسلح، كما ان استمرار نهج المواجهة يهدد معابر النفط والتبادل التجاري وهو ما يؤثر على أوروبا أكثر من تأثيره على اميركا، كما ان الاوروبيين يشعرون بضرورة إيجاد بوادر تهدئة دائمة في ظل الاستمرار الاميركيين بتخفيف حضورهم العسكري المباشر في الشرق الاوسط.
يناقش الاوروبيون حاليا خطة تكون مريحة لإيران وترامب، بحيث يصار الى توازي الخطوات التنازلية، كأن ترفع واشنطن جزءا من العقوبات النفطية ثم الاقتصادية عن إيران مقابل تراجع طهران عن الخطوات التصعيدية التي أقدمت عليها في الشهور الماضية لجهة تخفيف التزامها بالاتفاق النووي.
لو نجحت هذه الخطوات الاولى، قد يتطور الوضع الى نوع من الحوار الإقليمي الذي يجمع كل هذه الأطراف مع ايران، وذلك قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة، على ان يسمح ذلك بعودة ايران الى الاتفاق النووي لاحقا مع القبول بتطوير النقاش الى ملفات أخرى.
ولا يستبعد المسؤول الاوروبي ان تساهم إيران في تخفيف بؤر التوتر في الخليج وخصوصا ما يتعلق منها بحرب اليمن كبادرة حسن نية، لكنه يستبعد بعد الاتصالات الأخيرة مع طهران، أي قبول إيراني ببحث ملفي سوريا ولبنان، كما ان القيادة الايرانية غير الرافضة للتفاوض على أسس واضحة مع ترامب، لم تعط أي مؤشر إيجابي في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي بحيث تستمر على تشددها وعدم القبول بأي تنازل في هذا المضمار.
هذه النقطة الأخيرة تلقي بظلال شك كبيرة على قدرة التحرك عند ترامب المطوق قضائيا في الوقت الراهن بسبب التسريبات المتعلقة باوكرانيا، ذلك ان إسرائيل واللوبيات المؤيدة لها في اميركا وأوروبا ترى ان الفرصة مناسبة لرفع سقف التضييق على ايران في الوقت الراهن، تمهيدا للعودة الى التفاوض.
ثمة نقطة أخرى تؤخذ بالاعتبار وتتعلق باحتمال عدم عودة ترامب الى الرئاسة ووصول رئيس ديمقراطي الى البيت الأبيض، ذلك ان الديمقراطيين، خلافا للإدارة الحالية، يريدون البقاء في إطار الاتفاق النووي، ولذلك فان الاوروبيين يسعون حثيثا الى عدم ضرب الاتفاق بإجراءات ثنائية من اميركا وايران، ويفضلون الإبقاء عليه ولو ضعيفا في الوقت الراهن مع احتمال ترميمه مع الوقت قبل الوصول في خريف العام 2020 الى موعد رفع حظر توريد الاسلحة الى ايران وفق نصوص الاتفاق. وهي فترة تسبق بأسابيع قليلة موعد الانتخابات الاميركية.
ووفق المسؤول الاوروبي فان ترامب سيحقق إنجازا كبيرا لو أعاد التفاوض مع إيران على أسس جديدة، بحيث يقول لناخبيه انه تمكن من ضمان اتفاق متقدم جدا عن الذي وقعه سلفه باراك أوباما، ويطمئن حلفاءه خصوصا بعد النكسة التي أصابت السعودية في اعقاب التخاذل الاميركي في الدفاع عنها بعد استهداف منشآت آرامكو. كما ان طهران بحاجة للعودة الى التفاوض نظرا لأوضاعها الاقتصادية والمعيشية والمالية.
يعتقد المسؤول الاوروبي ان نجاح الاوروبيين في التقريب بين الطرفين الايراني والأميركي، سينسحب تهدئة على محاور عديدة من العراق الى لبنان، ويسرّع خطوات إقامة حكومات أكثر استقرارا في البلدين. لكنه يعترف بأن في الإدارة الاميركية صقورا يناهضون الرغبة الضمنية لترامب في التوصل الى اتفاقات مع إيران.