بلديات الجنوب تبدأ حملاتها لتنشيط الزراعة المحلية: تحويل التهديد إلى فرصة!
لم يعد خافياً على أحد، صعوبة الوضع الإقتصادي الراهن الذي يعيشه لبنان. هذا الوضع الدقيق، دفع البعض إلى التهويل والتخوّف من أمور قد لا تحصل. رغم ذلك كان لا بد من البدء بالتفكير لأسوأ الاحتمالات، لكي يتمكن المواطنون في حال حصولها من استيعاب الأزمة والعمل وفق المستجات التي قد تطرأ.
في الشكل، يمكن أن يبقى الوضع الاقتصادي تحت السيطرة إذا تمكّن المسؤولون من ايجاد الخطوات والقرارات التي تتناسب مع الوضع الراهن. في جميع الأحوال، وعملاً بالمثل القائل “اذا ضاق فيك الزمن دوّر بالدفاتر القديمة عن الحل”، راحت بعض البلديّات في الجنوب إلى البدء بحملات لإعادة ثقافة الزراعة وانتاج ما يلزم المواطن بدل الإعتماد بشكل كلّي على الاستيراد.
العودة إلى الزراعة
العديد من البلديات الجنوبيّة بدأت الدراسات اللازمة لهذه الخطوة وانطلق العمل عبر توزيع الشتول على المواطنين لحثّهم على الانطلاق في هذه المبادرة. من هنا، يعتبر رئيس بلدية عيناثا رياض فضل الله أن “البلدية هي المسؤولة عن كل الأوضاع الإنمائيّة في البلدة إضافة إلى تنشيط كل المحاور الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة”، لافتاً إلى أنه “مع نشوء الأزمة التي يعيشها لبنان حالياً، وبعد ظهور بوادر الانكماش الاقتصادي وارتفاع الأسعار، طرح عليّ أحد الاختصاصيين الإقتصاديين فكرة العودة إلى الطابع الأساسي للبلدة وهو الزراعة لأنّه في الفترة الماضية تراجعت في المنطقة”.
يوافقه الرأي رئيس بلدية بني حيّان يحيى جابر، ويوضح أن “الهدف من هذه الحملة هو إعادة إحياء الزراعات التقليديّة في بلداتنا وهي خطّة بدأنا بها منذ سنوات عبر توزيع الشتول على المواطنين لزراعتها، ونكون بذلك وفّرنا عليهم شراء البذور من جهة وشجّعناهم على الزراعة من جهة أخرى”، لافتاً إلى أن “الموسم الحالي يتناسب مع زراعة الحبوب، وشاءت الظروف أن تترافق هذه الحملة مع وضع اقتصادي ومعيشي صعب يمر به لبنان، لذا وجدنا أن إحياء الزراعة في القرى سيساعد الناس على تخطّي أي ظرف قد نمرّ به من جهة، ومن جهة أخرى نعوّد السكّان على استهلاك ما يزرعون ونقلّل قدر الإمكان من الاستيراد من الخارج”، معتبراً أن “الظروف الحالية هي الأنسب ليتعوّد الناس على الزراعات ولنعيد احياء القطاع الزراعي ونعيد المزارعين إلى أرضهم بعد أن خسرنا معظمهم”.
القمح هو الحل؟
في سياق آخر، برزت من خلال دعوات البلديات، فكرة العودة إلى زراعة القمح كونها العنصر الغذائي الأساسي لأغلب الناس. وكان لافتاً طلب المصلحة الوطنية لنهر الليطاني من مصلحة الأبحاث الزراعية تزويدها بكمية 4000 كلغ من بذور القمح الطري لزوم زراعة بعض المساحات الزراعية بحدود 15 هكتار في الاستملاكات التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني وحقول المشاهدات الزراعية في منطقة سد القرعون وكفرزبد، وذلك في سبيل تفعيل التجارب الزراعية وتخصيص المحصول لغايات حماية الامن الغذائي.
من هذا المنطلق، يشير فضل الله إلى أن “أسئلة عديدة نطرحها اليوم. لماذا لا نزرع القمح والعدس وكل ما نحن بحاجة إليه للوصول إلى الأمن الغذائي الذاتي”؟، لافتاً إلى “أننا في المجلس البلدي أخذنا على عاتقنا هذه المبادرة، التي لاقت صدمة ايجابيّة عند المجتمع المحلّي، كما أنّ البعض تبرّع بأرضه للزراعة والاستفادة منها على صعيد كل البلدة. وبات هناك ما يقارب الـ200 دنما متاحة ليستفيد منها الجميع”.
ويضيف فضل الله “كوني أمثّل جهة خدماتيّة وانمائيّة سأعمل على تأمين الدعم اللازم لهذه الخطوة. وما نصرفه على شرب الشاي والقهوة والاحتفالات يمكننا صرفه في هذا المشروع الذي يؤمن الأمن للمواطنين في البلدة، وكل ما نحتاجه هو الإرادة”، موضحاً “أنني أجريت الاتصالات اللازمة مع مصلحة الزراعة في النبطية ومع وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال حسن اللقيس لتأمين كل المساعدات اللازمة، إضافة للتبرعات بالمعدات الزراعية من أهل الخير، وبالتالي فإنّ ما نعمل عليه هو مشروع تكاملي بين الجميع”، مشيراً إلى “أننا سنعمل على تحويل التهديد إلى فرصة وفي الأيام المقبلة سننتهي من الدراسات اللازمة”.
من جانبه يشدد جابر على أن “العنوان الأساسي لهذه الحملة ليس زراعة القمح بل كل أنواع المزروعات، لكننا قمنا بدراسات معينة بمساعدة من مصلحة الزراعة ومن مهندسين زراعيين لتشجيع الزراعة بأقل كلفة ممكنة على المواطنين”، مؤكداً أن “هذه الحملات تلقاها المواطنون بإيجابية”.
ويرى جابر أن “الخطأ الأكبر هو اعتبار البلديّات مسؤولة فقط عن البنى التحتية والطرقات رغم أهميتها، فنحن مسؤولون عن الكثير من النشاطات التوعوية التي نقوم بها على مدار السنة عبر ندوات ثقافية”، مؤكداً “أننا منفتحون على كافة الخيارات الزراعية”.
خطوة ناجحة بدأت بها بلديات الجنوب. فأن يتحوّل المجتمع اللبناني من مجتمع استهلاكي فقط، إلى مجتمع منتج يستهلك ممّا يزرع ويأكل ممّا يحصد، هو أبرز ما يمكن القيام به لحماية الاقتصاد، ولتشغيل اليد العاملة التي تعتبر ركيزة العمل الزراعي.
المصدر : النشرة