لهذه الأسباب… القادة العرب “يقاصصون” لبنان!
اندريه قصاص
وفي رأي هؤلاء أن خطوة القادة العرب لها مسبباتها، وإن كان من الممكن تجاوزها لو أن الأوضاع العربية على غير ما هي عليه اليوم، ولو أن التضامن العربي أثبت في مراحل سابقة جدواه، ولو أن المقررات التي كانت تتخذ في القمم والإجتماعات العربية نفذ منها عشرة في المئة فقط وليس أكثر، مع العلم أن بعض هذه الدول المقاطعة لم تتوان يوما في الوقوف إلى جانب لبنان في محنه الكثيرة، إلا أن ظروف اليوم تختلف عن ظروف الأمس، على حد ما يراه هؤلاء المتابعون والقارئون الجيدون في كتاب التطورات العربية بعد سنوات مما سُمي “الربيع العربي”.
ويعتقد هؤلاء أن السياسة التي أعتمدها لبنان منذ فترة هي التي قادته إلى ما وصلت إليه أوضاعه، وهو يرى نفسه شبه وحيد في قمة لم يعد من المنطق أن تسمى كذلك. ويفند هؤلاء الأسباب التي دفعت الدول العربية إلى إتخاذ هذا الموقف الذي لا يمكن وصفه إلا بالسلبي، على الشكل التالي:
أولا: تنعقد القمة الإقتصادية على أرض لبنان، وهو من دون حكومة، أي أن لا قرار مركزيًا واحدًا يمكن الركون إليه، وكأن لبنان غير آبهٍ بما ستؤول إليه أوضاعه الداخلية في ظل إنقسام حاد بين مكوناته الأساسية، وفي ظل الصراع القائم بينهم، والذي لا يزال يحول دون قيام حكومة “الوحدة الوطنية”. فإذا كان اللبنانيون غير مهتمين بعملية إنقاذ ما يجب إنقاذه، فهل ينتظرون من العرب أن يمدّوا إليهم يد العون، وهم منشغلون بقضاياهم الداخلية وغير مهتمين بما يجري في لبنان، في ظل ما تشهده المنطقة من صراعات وإعادة رسم خارطة جديدة لمناطق النفوذ الدولي.
ثانيًا: ما حصل في الفترة التي سبقت إعتذار ليبيا عن المشاركة في القمة، وتضامن معها عدد من الدول العربية، أعاد إلى الواجهة إستمرار العرب إتباع سياسة إنكفائهم عن المجيء إلى لبنان، وعدم تشجيع رعاياهم على التوجه إليه، وهذا ما أثرّ ويؤثرّ في شكل سلبي على حركة السياحة في لبنان، وهو البلد الذي يعتمد في نموه على هذا القطاع، مع التشديد على أهمية كشف ما لدى السلطات الليبية من معلومات عن ظروف إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه.
ثالثًا: لا يمكن فصل مقاطعة العرب للقمة عما ينتاب دول الخليج من هواجس أمنية، في ظل مواقفهم المعروفة من “حزب الله“، وهم الذين يحمّلون العهد مسؤولية تبني مشروعية المقاومة، من دون أخذهم بالإعتبار أن “حزب الله” هو مكّون أساسي من مكونات النسيج السياسي اللبناني، بغض النظر عن الصراع القائم بين بعض العرب وغيران في المنطقة، والذي يُترجم في كثير من الأحيان على الساحة اللبنانية، وقد يكون هذا السبب من بين أسباب كثيرة، التي لا تزال تحول دون قيام حكومة لبنانية.
رابعًا: على رغم إنفتاح بعض العرب على سوريا فإن بعض العرب يأخذ على لبنانمحاولاته بتطبيع علاقاته مع سوريا، بغض النظر عن القرار الذي لم يصدر بعد عن جامعه الدول العربية بإستعادة سوريا لمقعدها في الجامعة. وهذا الأمر لا يمكن فصله عن طبيعة الصراع القائم في المنطقة، والقائم على التسابق الأميركي والإيراني في بسط نفوذهما في المنطقة، وإن كانت سوريا لم تعد تشكل نقطة إرتكاز بالنسبة إلى واشنطن، التي تحؤّل أنظارها نحو العراق.
لكل هذه الأسباب لم يحضر القادة العرب قمة بيروت، وإن كان ثمة غصرار لبناني على إنجاح هذه القمة بمن حضر، وقد نجح حتى هذه الساعة في وضع بند على جدول أعمال القمة يتعلق بالمساعدة العربية للنازحين السوريين لمساعدة لبنانعلى تخفيف خسائره، وفي هذا شرط إلزامي بأن تمرّ المساعدات عبر الدولة حصراً وليس “من المنتج الى المستهلك”، فضلًا عن وضَع بند على جدول الاعمال لمناقشة عودة سوريا الى الجامعة العربية بعضويّتها الكاملة وحضورها، وهذا البند خلافي ايضاً في اعتبار أنّ سوريا لم تُدع الى القمة، وأنّ الموقف العربي لا يزال على رفضه استعادة عضويتها في الجامعة، وايضاً وتفادياً للإحراج امتنع عدد من الرؤساء والزعماء عن المشاركة بعدما كانوا قد اكدوا مشاركتهم، وبذلك يُفهَم أنّ قرار عودة سوريا الى الجامعة لم ينضج بعد.