جعجع من جديد: رهان على حرب أميركية ضد إيران

 

فراس الشوفي

كعادته، يراهن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على تحوّلات الإقليم، لاستعادة أحلام قديمة – متجدّدة. لكنّه، هذه المرّة، ضاعف آماله الخارجية على التحركات الشعبية التي اندلعت في الشارع قبل نحو شهر، ليسارع إلى تقديم نفسه وحزبه كثائر على سلطة، لطالما كان خلافه مع جزء منها هو على حجم الحصّة، ليس أكثر.

في نهاية أيلول الماضي، استبق جعجع الأحداث، داعياً الرئيس سعد الحريري إلى الاستقالة وتشكيل حكومة «تكنوقراط». والمطلب الأخير ليس جديداً على جعجع، بل كان دائماً ملاذه السياسي عند كل مفصل محلي – إقليمي، كما بعد اتفاق الدوحة ومع بداية الحرب السورية. فباعتقاده أن حكومة من دون عنوان سياسي، تنزع الشرعية الرسمية التي تكرّست في الطائف عن سلاح المقاومة، ولاحقاً في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة.

وقبل عامين، أي عند اختطاف الحريري في السعودية وإجباره على الاستقالة، طرح جعجع أيضاً حكومة «التكنوقراط»، بعد أن لمس وصول المشروع الذي كان من المفترض أن تكون استقالة الحريري شرارته إلى نهاية «حزينة»، بإحباط مؤامرة محمد بن سلمان بعد تكاتف القوى السياسية ومواجهتها عبر الضغط الدولي للإفراج عن الحريري.

واليوم، يحاول حزب القوات القيام بما كان مرسوماً عشيّة اختطاف الحريري قبل عامين. رهانه هذه المرّة، على ما يتمّ تداوله في حلقته الضيقة، هو رهان يمتدّ إلى ما بعد الانتخابات الأميركية المقبلة، أي في الولاية الجديدة المحتملة للرئيس الأميركي دونالد ترامب. منذ شهرين، وجعجع ينظّر إلى أن خيار الحرب على إيران لم يسقط. يعتقد رئيس القوات أن الأميركيين سيخوضون حرباً داخلية منذ الآن على إيران، لإضعاف نظام الثورة الإسلامية، ثم حرباً عسكرية مباشرة في الولاية الثانية لترامب، على قاعدة أن الأخير سيتحرّر من وعوده الانتخابية الحالية، بسحب القوات الأميركية من مسارح العمليات الخارجية. وأي حربٍ على إيران، تعني بالنسبة لرئيس القوّات، قيام إسرائيل بعدوان على لبنان لإنهاء المقاومة، كما كان رهانه عشيّة حرب تمّوز وعشية قرارات 5 أيّار 2008، حين أعلن للأميركيين استعداده لمواجهة الحزب بعشرة آلاف مقاتل.

بعد يومين على انطلاق التظاهرات في وسط بيروت، اعتبر جعجع أن شرارة مشروعه قد انطلقت، وأن حكومة الحريري باتت في حكم المستقيلة، مستغلاً خشية الأخير من الضغوط السعودية والإماراتية في حال انسحاب وزراء القوات من حكومته، ومعهم وزيرا الحزب التقدمي الاشتراكي. وما هي إلا أيام، حتى انخرط جعجع في لعبة قطع الطرقات الرئيسية على خط الساحل الشمالي، بعد إعلانه انسحاب وزرائه من الحكومة.

شكّل جعجع غرفة عمليات في معراب خلال الأسبوع الأول لبدء التظاهرات في لبنان

وتشير مصادر متابعة لآلية عمل القوات اللبنانية وتحرّكاتها في الشارع، إلى أن جعجع في بداية الأسبوع الأوّل، شكّل غرفة عمليات في معراب، من فريقه اللصيق من الأمنيين والعسكريين، بقيادة ثلاثة من أبرز كوادره، هم: ب. ج. المعروف ببيار، ف. أ. ر، ول. ج. وقد أوكل لهؤلاء مهمّة قيادة المجموعات الصغيرة التي شكّلت نواة عملية قطع الطرقات، في جل الديب والزوق وغزير وجبيل وشكّا، وفي بعض المواقع في طرابلس، لا سيّما في منطقة الميناء.

وبحسب المعلومات، فإن الثقل القواتي لم يكن في جل الديب، التي اشترك فيها القواتيون مع مجموعات صغيرة من حزب الكتائب وغالبية من المتظاهرين من دون انتماءات حزبية، وإنما في غزير ونهر الكلب. وبالتوازي مع التركيز على خط الساحل، عمد القواتيون إلى الانتشار في الطرق الداخلية في كسروان وبعض قرى جرد جبيل.

وتعليمات هؤلاء واضحة: ممنوع الاصطدام مع القوى الأمنية وتحديداً الجيش، وضع العنصر النسائي في الواجهة، وعدم استخدام أي ظهور مسلّح.

علماً بأن مصادر في قوى 8 آذار تزعم أن المجموعات القواتية التي كانت تقطع الطرقات في كسروان والكورة كانت تؤازرها دائماً عناصر قواتية مسلّحة في نقاط مشرفة على مفاصل الطرقات المقطّعة.

وفيما بدا سيناريو تقطيع أوصال «المنطقة الشرقية» ناجحاً في كسروان وجبيل، فشل جعجع، ومعه بعض مناصري حزب الكتائب في تنفيذ السيناريو ذاته في المتن الشمالي، عدا عن محاولات لقطع الطريق في مزرعة يشوع وفي جرود المتن الشمالي.

وبدا لافتاً بالنسبة للمصادر المطّلعة على إجراءات القوات الميدانية، إبعاد قائد القوات مدير مكتبه إيلي براغيد والأمينة العام للحزب شانتال سركيس وغالبية النواب، عن العمل الميداني.

وليس خافياً أن جعجع يلعب على وتر الانقسام داخل البطريركية المارونية. إذ أن استمرار قطع الطرقات، قوبل بامتعاض من البطريرك بشارة الراعي الذي عبّر لجعجع أكثر من مرّة عن ضرورة فتح الطرقات أمام المواطنين، فيما يستمدّ جعجع دعمه من عدد من المطارنة، الذين لا تربطهم علاقات جيّدة بالرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!