هذا ما يقوله جنبلاط عن الشارع والتسويات الرئاسية
صمت الرؤساء والزعماء واستكانت الأحزاب والتيارات السياسية على مختلف مشاربها وانتماءاتها و”بلعت لسانها”، وصدح الطلاب الثوار في الجامعات والمدارس في ظاهرة غير مسبوقة قائلين “الأمر لنا”، ما زاد في حجم إرباك الطبقة السياسية المأزومة التي تترنح على إيقاع غليان الشارع وخصوصًا أنّ كل المؤسسات والقطاعات والمرافق أضحت في قبضة المنتفضين وليس هناك من خطوط حمر، لا بل ثمة معلومات عن خطوات مرتقبة وعلى الطريق ستفاجئ الجميع، وكل ذلك يأتي تحت شعار “سلمية سلمية” وإنّما بصوت مرتفع إذ لم يعد ثمة خوف من فائض القوة لدى هذا الحزب وذاك أو من “وهرة” هذا الرئيس وسواه، فالجميع من هؤلاء تحت قبضة الشارع والكلمة الفصل للثوار والجامعيين والطلاب وكل أصحاب المهن، حتى أنّ أحد الظرفاء يقول “قد يتحرك غدًا تلامذة الـ KG ويشكلون رافدًا إضافيًا للثورة.
أما أين أصبحت الاتصالات والمشاورات، فإنّ مصادر سياسية عليمة تؤكد لـ “النهار” أنّ إيران وضعت ثقلها للحفاظ على خرطوشتها الأخيرة في المنطقة ألا وهي الورقة اللبنانية، ولا سيما بعد اتفاق الرياض الأخير حول اليمن والذي أربكها وأنهكها وشكل لها خسارة إضافية بعد خسائر العراق وسوريا وحماس وكل المحاور التي كانت في قبضة طهران، ولا سيما بعد إحراق قنصليتها في كربلاء وما يجري في بلاد الرافدين من انتفاضة لا مثيل لها، وعلى هذا الأساس جاءت مواقف مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي منتقدةً الحراك الشعبي في لبنان، ليتبعه المسؤول الإيراني الآخر حسين أمير عبد اللهيان، و”سيكتمل النقل بالزعرور” عندما يتحدث أمين عام الحزب في خطابه الرابع حيث سيرسم خطوطًا حمراء وصفراء جديدة حول حراك الشارع والحكومة العتيدة، وبمعنى آخر إنّه سيُبقي الورقة اللبنانية في قبضته كرمى لعيون إيران المأزومة إقليميًا وحيث حزب الله ومعه عهده وحكومته وسلطته مأزومون حتى العظم لا سيما وأنّ انتفاضة الشارع لم تُقمع لا عبر التكسير والخلع أو من خلال الغارات والغزوات التي طاولت المنتفضين، وصولاً إلى الحراك الطلابي والجامعي الذي شكل علامة فارقة وصورة مضيئة في تاريخ لبنان المعاصر.
وفي موازاة ذلك، تبقى المواقف الداخلية حول الحراك السياسي البعيد عن الإعلام وحيث خلت صفحات المجتمع من صور ومناسبات السياسيين وغابت الكاميرات عن المقار الرئاسية وأقله أصبح هناك تقنين في التصوير، وكل ذلك خشوعًا وخجلاً من المنتفضين الذين لم يعودوا يهضمونهم أو يقرأونهم، ولكن ثمة حالات سياسية لا يمكن تجاهلها وتحديدًا الموقف الجنبلاطي الذي عبّر عنه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من خلال تغريداته بحيث يُنقل من مصادر مقربة أنّ “سيد المختارة” إلى جانب انتفاضة الشارع ومعجب بها منذ لحظة انطلاقها وكان يرغب في الاستقالة من الحكومة منذ شرارة “الواتساب” ولكن الكثيرون يدركون أنّ هناك معادلة جنبلاطية بين العقل والحكمة والعواطف حفاظًا على أمن الجبل واستقراره، إضافة أنّ الرئيس المستقيل سعد الحريري لم يرغب في الاستقالة يومها، وصولاً إلى أنّ البعض يعيد نغمة العام 2005 من إسقاط الحكومة وكل الرموز وعدم المس برئاسة الجمهورية أو العهد والسلطة، وكأنّ ثمة من يمس مقام الرئاسة دون أن يدركوا أنّ ما يجري يطاول نهجًا وحكمًا وعهدًا فاشلاً على كل المقاييس وليس مقام الرئاسة كما تقول أوساط في الحزب التقدمي الاشتراكي لـ “النهار”، لا سيما وأنّ الحزب قال كلمته منذ اليوم الأول خلال تظاهرة منظمة الشباب التقدمي وقدّم أوراقًا اقتصادية بالجملة، إنّما دون أي استجابة في ظل تسوية دمّرت البلد وأوصلتنا إلى ما آلت إليه الأوضاع اليوم، ولهذه الغاية فإنّ رئيس الحزب كان واضحًا في تغريدته حول هذه التسوية وعقمها، إلى ما يجري من اتصالات لحكومة سياسية دون احترام من هم في الشارع والذين قالوا كلمتهم ونالوا إعجاب العالم بأسره، فكيف لهؤلاء الذين يتشاورون من أجل تقاسم السلطة مجددًا أن يضربوا عرض الحائط هذا الحراك الذي هو موضع احترام الحزب منذ لحظة انطلاقته، إذ ليس بوسع وليد جنبلاط أو حزبه التغريد خارج السرب والابتعاد عن التاريخ المطلبي والاجتماعي والطلابي الذي طبع تاريخ “الحزب” منذ تأسيسه.
وتخلص مشيرةً إلى أنّ اجتماع “اللقاء الديمقراطي” كان واضحًا حيال ما يجري من صفقات ولقاءات كأنّ البلد بألف خير، دون أن يدري هؤلاء غضب الناس وانتفاضتهم، وبالتالي لن يدخل “اللقاء الديمقراطي” والحزب الاشتراكي في هذا البازار السياسي والقفز فوق المتظاهرين وحراك الشارع واللقاءات ستبقى مفتوحة والتشاور مستمر، وبالتالي لن يشارك الحزب واللقاء في صفقات كهذه لا سيما وأنّهما طالبا بحكومة من خارج الأحزاب والسياسيين، وقد قالها جنبلاط منذ اليوم الأول للانتفاضة لا بل أكد أمام قيادة حزبه ونوابه ووزرائه “أنّ الناس سبقونا وعليكم عدم تجاهل ما يجري في الشارع”.
وجدي العريضي – النهار