الفتنة قادمة والكل يتفرّج!

ليس سرًا، أنّ هناك إنطباعًا يسود ليس فقط الجوانب السياسية من وجود احتمالاتٍ جديةٍ لاستدعاءِ فتنةٍ مذهبيّةٍ على الطراز السني – الشيعي إلى لبنان، بل ينسحب هذا الاعتقاد على دوائرٍ أمنيّةٍ أساسيّةٍ بدأت ترصد وجود ادلةٍ وبراهين ثابتة حول استدعاءات من هذا النوع.
في الواقعِ، إنّ حَراكَ 17 تشرين رُمِيَ على ظهرهِ هذا الاتهام، وكما يتبيّن من خلال “كومة” وقائعِ، ثمّة مجموعات تتبنّى هذه التوجهات أو تسعى إلى الترويجِ لها وليس بالضرورة، أن تكونَ منضوية ضمن تركيبةِ الحَراكِ الأصلية، بل على الاكيد تتأثر بأجوائه أو هي متسلِّقة على ظهره.
هذه النتيجة، أخضعت على مسار التدقيق لدى جهات أمنية بارزة تتسنّى لها لاحقًا التأكد من أنّ لدى البعض وظائف محدَّدة تكمُن في استجلابِ الفتنةِ. أبلغ ما دلَّ إلى ذلك ملاحظة وجودِ ارتباطاتٍ ذات أبعاد مخابراتية لدى البعض رغم أنّ وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن نزعت عنهم هذه التهم!
وللحقيقةِ، فإنّ عدة ظواهر تفصح عن ذلك دارت رحاها تقريبًا في الشوارع، إن في مستهلِّ الحَراكِ أو خلال المرحلة القصيرة الماضية، وقد برزَ من خلال عمليات قطع الطرقات وجود ممارساتٍ واستفزازات واضحة ذات طابع طائفي وما يسهم في تأجيجها طريقة ترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وللعلم، فإنّ هذه النتائج حضرت عند الطريق الدولية بإتجاه الجنوب أو في بيروت حين جرت أكثر من عملية التحام مباشر حملت إشارات ذات طابع مذهبية عمل الجيش على وأدها، أو في طبيعة بعض التحركات بعدما دفعت إليها من جراء تناقل فيديوهات أو ما شابه، أو على صعيد منطقة البقاع من خلال عمليات الاعتداءات على السيارات. ولو أنّ بيروت وطريق الجنوب لم تتأثر بالقدر الكافي من تلك الافعال، لكن شبح الفتنة يخيّم على البقاع بإعترافِ أكثر من مسؤولٍ.
ثمة من يعتبر، أنّ هناك قوى سياسية سواء بالمباشر أو من خلال نافذين فيها، تجد مصلحة في الاستثمار ضمن مسطح يعلوه الاحتقان الطائفي، إما لغايات سياسية تتصل بطبيعةِ شدِّ العصبِ وتعزيز الدور ضمن بيئاتٍ محدّدة، أو من أجل القيام باستثمارات وضغوطات موجهة إلى أطرافٍ مقابلة في محاولة لتأمين تنازلاتٍ محددة.
الاتهام أعلاه ينسحب تحديدًا على “المستقبل”، حيث تشهد مناطقه على سخونة ذات ميول طائفية واضحة، وبدل أن يعملَ التيار على محاولة كيّها في مهدها أو إخمادها، يبدو أنه ومن خلال البعض ينصاع باتجاه البناء عليها أو الاستفادة منها ولو تبعًا للمصلحةِ.
رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي بدا شديد الانفعال تجاه التحرّكات التي جرت في بيروت والتي تبيَّن أنّ شبّانًا من الشمال يقفون خلفها “بشكلٍ غير بريءٍ”، آثر تجاهل مجموعة تحرّكات دارت في بيروت، إن عبر الدراجات النارية أو قطع الطرقات، كذلك تعامل بـ”لا مبالاة” تجاه ما يجري في البقاع من مخاطرٍ على السلم الأهلي، وما افصحَ عن رغبةٍ لديه تجاه احتمال أن يكونَ لديه نيّة في استثمار بعضِ الموجات من أجل اعادة تعويم ظواهر الفتنة التي حتَّمَت سابقًا فرض أمورٍ سياسيّةٍ على حزب الله مثلًا.
في المقابل، نجد أنّ ا ل ح ز ب  هو أكثر الفئات التي تعمل على محاولةِ إبعاد شرور أيّ فتنةٍ مماثلةٍ، ولعلّه أكثر طرفٍ لديه حساسيّة أو خشية منها.
حيث أنّه مع بداية الحَراكِ، نشطت مجموعات كبيرة في القيام بجولاتٍ على متن الدراجات النارية اعدت في مكان ما حمالة للاستفزازات الطائفية. ورغم أنّ البعضَ آثرَ الصقها ب ا ل ح ز ب ، لكن واقع الأمور لاحقًا، أثبتَ أنّ ا ل ح ز ب لم يكن ضالعًا فيها بل يقف خلفها بعض المسؤولين لدى جهة اخرى.
في ذلك الوقت، التفت ا ل ح ز ب  الى مخاطرٍ واضحةٍ من جراء ذلك، فطلبَ من تلك الجهة ممارسة مزيدٍ من عمليّات الضبطِ، وفي مكانٍ آخر، تمنَّى على الجيش اللبناني زيادة منسوب اجراءاته في محيط بيروت، عبر كمشِ مداخل الضاحية أكثر، ولاسيما في أوقاتِ الذروة التي تشهد تحرّكات سياسيّة غير اعتيادية، والتشدد في تعقب وملاحقة هؤلاء.. وهكذا كان.
وليس سرًا، أنّ اعتمادَ هذه الالية، قلَّلَ الى درجةِ الاضمحلال تحركات الدراجات النارية وكبحَ رغبات كثيرة بـ”الاستمرار في ذلك”. وليس سرًا أيضًا، أنّ التنسيقَ بلغَ من أجل انهاءِ هذه الظاهرة، دخول مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا مع الجيش اللبناني لإيجادِ حلٍّ جذريٍّ لها.
وخلال “غزوات بيروت” التي أدَّت الى اعمال تخريبٍ وتكسيرٍ، حاولَ البعض لفت النظر الى ضلوعِ “الشيعة” في الأمر، عبر الايحاء الى ادوار “ملثمين” أو “شرطة مجلس النواب”، بهدف الرمي الى استدعاء “موجات سنية بيروتية” للدفاعِ عن العاصمة، لكن ما قلَّلَ من نسبِ هذه الاتهامات أو كذبها، غياب أيّ إثباتٍ حول تدخّل “شبّان الخندق الغميق” في تلك الاعمال.
هؤلاء وبخلاف المرات السابقة، لم يتحرّكوا صوب الوسط خلال سريان فعالية تلك الاعمال، لأمر له علاقة بحفظ السلم الأهلي، بل إنّ المعلومات والوقائع، اثبتت، أنّ تلك المجموعات منعت بالقوة من التدخل في أي أمر وأخرى جرى التهديد بتوقيفها على يدِّ القوى الامنية والجيش في حال فكرت في التدخل، مما أدى الى كبحها.
على أي حال، الفتنة مقبلة على التطوّر والكل يتفرّج!

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!