الميليشيات راجعة والكلّ يتسلَّح!
حُكِيَ الكثير منذ “حادثة قبرشمون” عن انتشارِ “السلاح المُنظَّم” بين أيدي العناصر الحزبيّة، لكن الجرأة لم تبلغ حينها ضمّ الأحزاب إلى مضبطة الاتهام، لكون البعض وجد أنّ التعميم قد يرتدّ سلبًا على الاستقرار الداخلي، فـ”بَلَعَ الخبرية” تحت وطأة المحظورات وصمت!
خلال تلك الفترة، استقرَّ حديثُ “التسليحِ” على صالونات السياسة والأمن ولم يتعدّاها الى خارجِ هذه الغرف إلّا في ما نذر، بسبب الخشية على السلم الأهلي، الذريعة صاحبة القدرة على اخضاع وإخراس الجميع.
والمُريب، أنّ “اتهام التسليح” شمل كل الاحزاب تقريبًا، والحديث هنا طاولَ تحديدًا أحزاب زمن الحرب التي ترد “شمص” دائمًا.
وليس خافيًا، أقلَّه حتى الآن، وصول تقاريرٍ الى مجالسٍ معنيّة، تتحدَّث بالشواهد والوقائع، حول وجود “آلة منظمة”، ترفد العناصر الحزبية الموثوقة بالسلاح وتمدّهم بالذخائر، وفي بعض الأحيان “على عينك يا تاجر”.
وهذا، ثبتَ حصوله في الجبل، تحديدًا بين مناصري الحزب التقدمي الاشتراكي، وكان هؤلاء يتّخذون من جرودِ بعض القرى في الجبل مثلاً حقول رماية يصقلون فيها مهاراتهم، إما تحت حججِ الصيدِ أو الكشافةِ!
لاحقًا، جرى تأكيد الاتهامات بالقرائن بعد الاحداث التي شهدها الجبل و”قبرشمون” تحديدًا، وما رافقَ ذلك من ظهور “سلاح حزبي منظمٍ” واستخدامه بشكلٍ علنيٍّ.
على سبيل المثال، يروي أحد المعنيين حادثة حصلت في بلدةٍ تقع على مشارفِ ساحل المتن الجنوبي، حيث تحرَّكت دورية تابعة لشرطة احدى البلديات بناءً على شكاوى وافادات حول منعِ مواطنين من العبور إلى “الخلة”. وما أعد لافتًا، ظهور تقاريرٍ تحدَّثت عن سماعِ إطلاق ِنارٍ في تلك النقطة وعلى مسافات متقطعة اثارت بلبلة.
ويتابع، أنه وفور وصول الدورية إلى النقطة، عُثِرَ على سيارة رباعية الدفع متوقفة على مسافة قريبة من الموقع المقصود، تدخلت محاولة منع العناصر من استكمال طريقهم بذريعة أنّ المنطقة “أمنية” بسبب وجودِ مخيّمٍ كشفيٍّ. وحين أفصح هؤلاء عن سببِ حضورهم ومضمون الشكاوى، نفى العناصر حصول مثل هذه الاحداث بحجّة أنّ إطلاق النار الذي يسمع احياناً سببه “اخافة الخنازير والواويه”، علمًا، أن لا وجود لمثل هذه الحيوانات في المنطقة، أو أقله أنّ وجودها انقرض منذ مدّة طويلة.
مثال مشابه آخر حدث في جرود بلدة تقع في المتن الشمالي، حيث كشف النقاب عن وجود تمارين عسكرية تقام في مخيمات صيفية تتبع لـ”السوري القومي الاجتماعي”، موثقة بالصور. وعلى الرغم من نفي مصادر الحزب متذرِّعة أنّ التمارين هي عبارة عن دورات “دفاع مدني” تُستَخدَم فيها اسلحة بلاستيكيّة، استعرض “القومي” قبل أيام قوة عسكرية كبيرة في شارع الحمرا.
لكن المشهد الذي يثبت وجود “عسكرة” للمجتمع تجري على قدمٍ وساق، هو ذلك الذي طبع مشهدية الصراع على حقوق القرنة السوداء بين بلدتي بشري والضنية.
وعلى نحوٍ لافتٍ، أُغرِقَت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو تُظهِر عربات دفع رباعي حيث كان انتشار السلاح الفردي الرشاش بين الأفراد واضحًا من دون أي حرجٍ.
وممّا يؤسس إلى مخاوفٍ حقيقيةٍ، أنّ السلاح الذي ظهرَ كان شاملًا ومنظّمًا رغم محاولة اشاعة أجواءٍ توحي بأنّه سلاح ذات نكهة عائلية في ذلك الجرد، وقد حضر من أجل تلبية “الواجب” في إشكالٍ مناطقيٍّ حمَل غرائزٍ طائفيّةٍ واضحةٍ.
وبتقدير أوساطٍ معنيةٍ، أنّ هذه التجهيزات لا يتحمَّل نفقتها شخص واحد أو شخصان، ولا يمكن اعتبارها بمثابة سلاحٍ فرديٍّ يتحرَّك من خارجِ أيّ سيطرة حزبيّة، بل هو سلاحٌ حزبيٌ واضحٌ تحرَّك بشكلٍ منظّمٍ وكثيفٍ بناءً على أوامرٍ بغية إيصال رسالة.
ما أثار المعنيون، أنّ مشهدية السلاح على تخوم القرنة السوداء أتى عقب ساعاتٍ على دعوات تجمع اطلقها “ضنّيون” تحت شعار “حماية حقوقهم في القرنة”، وهو ما أدى إلى عراضة عسكرية، والسؤال يوجه الى الجيش الذي آثر عدم الإقدام على أي رد فعل على الرغم من أنه قد أعلن سابقًا اعتبار المنطقة “عسكرية مغلقة” وأنه بصدد القيام برمايات حية!
وتربط ذات المصادر ظهور هذه النماذج المسلَّحة مع سلسلة تقارير أثبتَت بالوقائع أيضًا، حصول تدريبات وأعمال رماية في مقر حزبي في كسروان تحت اشراف “سرية الحراسة”، وهو شيء يملك المعنيون معلومات وافرة عنه.
لكن ما يجب التوقف عنده لتُطرَح تساؤلات حوله، هو الآليات التوظيفية التي يخضع لها هذا السلاح ووفق أي قواعد اشتباك يندرج؟ وعلى أيّ أساس يجري استملاكه؟ ووفق أي معايير يجري استخدامه؟ ومن يرعاه؟ ولماذا تكتفي المراجع الامنية بالمشاهدة؟ ولماذا لا يُشار إليه في السياسة على أنّه أحد عوامل زعزعة الاستقرار؟ ومن يمتلك حظوظ ضبطه ومن يضمن الا يجري تحريكه عند اشتعال فتيل داخلي ما؟
وشريط الأحداث، يظهر أكثر من اشتباكٍ حصل وحمل ابعادًا طائفية جرت السلاح إليها بشكل فاقع.
فقبل فترة قصيرة، حصل نزاع “عقاري” بين بلدتي أكروم وعندقت (الشمال) سببه الخلاف على ترسيم الحدود العقارية بين المنطقتين المتباينتين طائفيًا، مما أدى إلى بروز شرخٍ واضحٍ تغذّى على فرقعة السلاح واستجلاب الحقد الطائفي الدفين، ما دفع بجهات أمنية إلى محاولة التدخل والتخفيف من وطأة ما يحدث تحت شعار صون السلم الأهلي.
وكذلك يحدث في الجبل والشويفات وحدث بين بلدتي اليمونة والعاقورة، ومرشح حدوثه بزخمٍ أكبر في جبيل، لاسا تحديدًا.
بصراحة، فإنّ بعض الأحداث التي حصلت مؤخرًا، في مناطقٍ متعدِّدة، تشكل مخاوف صريحة وتكوِّن خشية من استخدام هذا السلاح، خاصّة مع بروز عوامل تفلته من أي رادع اخلاقي وانصياعه الى ضغائن مذهبية طائفية بالكامل، تعيد صور الاحداث المأساوية التي حصلت عام ١٩٧٥٠.
ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح