عن رحلة الحج الى صيدنايا بين مرّ الحياة وحلاوة الإيمان

صدى وادي التيم-سياحة/

و”دخلنا النفق”… نفق الحدود اللبنانية-السورية في رحلة حج دينية بامتياز لدير سيدة صيدنايا ومار سركيس وباخوس ومار الياس المعرة ومار تقلا معلولا.

هي رحلة طويلة، ليست بالسهلة لناحية محطات الحدود المتعبة والمعاملات الرسمية.

عبرنا نقطة المصنع الحدودية لنصل الى مركز الامن العام اللبناني حيث العتمة الشاملة والهدوء الحذر يسيطران على المكان في مركز يفتقد الى أدنى المعايير من تبريد وطاقم عمل، إذ إقتصرت المكاتب على عنصرين أو ثلاثة لخدمة 50 شخصاً.

إجتزنا نقطة المصنع بعد التدقيق في الهويات والختم الرسمي على ورقة خروجنا من لبنان لنصل الى الجانب السوري من الحدود حيث أعمدة الإنارة تشمخ على الطرقات وتفيض منها الإضاءة حتى مركز جديدة يابوس للتدقيق في هوياتنا ومنحنا إذن دخول “الجمهورية العربية السورية”.

انها السابعة صباحاً، وبدأت الرحلة، الكل متمجلس على مقعده يتأمل بعضاً من المساحات الخضراء الضئيلة في ريف يحمل إسمه بإمتياز، ريف دمشق حيث المساحات القاحلة الجرداء الضائعة بين مشهد من النهضة العمرانية “غير المكتملة” ومشهد يعتريه الدمار من مخلفات حرب “كونية” نهشته لمدة 12 عاما .

وانت جالس يعتريك شعور بالدولة المركزية وقدسيّة الرئيس حيث ترافقنا لافتات بشار الأسد على طول الأوتوستراد الممتد من ريف دمشق حتى معرة صيدنايا وصولاً الى الشام القديمة، إضافة الى حواجز تفتيش للجيش السوري منتشرة بشكل كبير يقودها عنصر يتهيّأ لك انه لا يملك السلاح نظراً لفقر المعدات.

وصلنا الى دير مار سركيس وباخوس، ذاك الدير القديم الصامد وسط ما يحيط به من دمار، لتستقبلنا إمرأة بلغت بها المعرفة الدينية حد كبير لا يتسهان به، وبدأت تشرح لنا من قلب يفيض محبة عن قصة هذه الجوهرة النادرة من التراث المسيحي العريق، لتعود وتستضيفنا في الباحة مع “نبيذ شغل الدير” تمتزج طعمته بين مر الحياة وحلاوة الإيمان.

غادرنا الدير بفرح كبير لا يوصف، متوجهين الى المحطة الثانية في دير مار تقلا معلولا، الذي نال نصيبه من دمار وخطف مارسته “داعش”، إنها العظمة حيث يشمخ دير بين جبل منشقّ في مشهد غير مألوف.

المحطة الأخيرة، مار الياس المعرة ذاك الدير القديم الشامخ على كتف الوادي، حيث الوصول اليه صعب قليلا، يحتفظ بداخله على دعسات أقدام حصان النبي ايليا محفورة بالصخور في دلالة على مروره من المكان.

انتهينا من هدوء الريف وسكينة المحجة الدينية، نزولا الى ضوضاء الشام القديمة التي تفوح من أزقتها رائحة الياسمين الأبيض حيث المزيج الساحر بين متعة التجول في الأسواق ومشاهدة أنواع البضائع، أمام كل حانوت مصطبة والتجار يجلسون عليها بين بضائعهم بهدوء واحترام، إنها أسواق الشام “العتيقة” الرائعة بعمارتها الفريدة الحانية بظلمتها الندية التي تحميك من أشعة شمسها الصيفية الحارقة، المحلات المتصلة ببعضها تخلق لدى السائح متعة التبضّع حاصلاً على ما يريد دون أن يجتاز مسافات طويلة، تسير في شوارعها فتلاطف سمعك لهجة سكانها القريبة لتستقر في قلبك.

وعلى رغم التوسع العمراني الذي تشهده سوريا الآن إلا أن الأحياء القديمة لا تزال تتمسك بعبقها ورونقها الذي يحكي تراث أقدم مأهولة على الأرض.

أخيراً وليس آخراً، لا نخفي لكم الخشية التي راودتنا قبل الرحلة والخوف الذي اعترانا في دولة عاشت وعايشت الحرب لـ12 عاماً إلا أننا أخطأنا في الظن وجلّ من لا يخطىء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى