ضغوط أميركية إسرائيلية على «اليونيفيل»: تعديل الأداء لا المهامّ
تدرك الولايات المتحدة، ومعها إسرائيل، خطورة العبث بالجنوب اللبناني. ومع صعوبة تغيير مهامّ اليونيفيل، يسعى العدو والأميركيون إلى الضغط على القوات الدولية لتعديل أدائها، لا مهامها
إلّا أن خطاب دانون، وحفلة التلفيق التي أثارها أمام مندوبي الدول عبر اتهام المقاومة باستخدام مطار ومرفأ بيروت لنقل السلاح، لم تغيّر قيد أنملة في مواقف الدول الكبرى، حتى الولايات المتحدة نفسها التي تتجنّب الحديث عن أي تعديلات في مهمة «اليونيفيل»، خشية توتير الأجواء في جنوب لبنان، على وقع الحرب المفتوحة مع إيران.
كلام المنابر لا يشبه الوضع المستقر في منطقة جنوبيّ الليطاني، حيث تتفادى الأطراف المعنية، من إسرائيل أوّلاً إلى المقاومة ثم «اليونيفيل» والجيش اللبناني، أي انزلاق غير محسوب قد يؤدي إلى الحرب. بدل ذلك، يجري العمل على احتواء أي حادث (إسرائيل واليونيفيل والجيش)، فيما تستمر المقاومة بالتمسك بخطوطها الحمراء وتوجيه الرسائل الميدانية متى دعت الحاجة.
يُكثر العدو من ورشات العمل على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، لرفع الجدار الإسمنتي وتطوير السياج التقني (فعل ذلك في بعض مناطق التحفظ مثل مستعمرة مسكافعام ــ بلدة عديسة، ونقطةB1 في رأس الناقورة)، محاولاً تثبيت نقاط أمر واقع. إلا أنه، بحسب مصادر متابعة لساحة جنوب الليطاني، «يحرص على عدم رفع التوتّر إلى منسوب الاشتباك ودفع المقاومة إلى الردّ عليه»، خصوصاً «بعدما لمس تطوّرات في موقف الجيش اللبناني لناحية قرار الردّ على الخروقات، الذي تمثّل أخيراً برفع الجيش لبرج مراقبة إسمنتي (للمرة الأولى، الأبراج اللبنانية حديدية في جنوب الليطاني)، يطلّ على النقطة B1 في مقابل البرج المعادي».
يمكن وصف ما يجري حالياً من قبل العدو والأميركيين، بمحاولة لتعديل «أداء» اليونيفيل وتوجيهها نحو «التحقق» من المناطق ذات الملكيات الخاصة في الجنوب، وليس إلى تعديل مهام القوات أو تطويرها إلى أنشطة عدائية. فالحديث عن أي تعديل في المهام، يدفع الأوروبيين إلى الاعتراض لعدّة اعتبارات، أوّلها الخوف على مصير الجنود وعدم رفع سقف الاشتباك مع إيران. ويمارس الأميركيون وإسرائيل، فضلاً عن الضغوط المباشرة على اليونيفيل وقادتها، حملات ضغط داخل الولايات المتحدة. إذ يروّج اللوبي اليهودي في واشنطن، منذ أشهر، أن «اليونيفيل لم تستطع مصادرة صاروخ واحد من الـ 160 ألف صاروخ التي يملكها حزب الله». بينما تلوّح الإدارة الأميركية بتخفيض مساهمتها المالية بنسبة 10% من موازنة القوات الدولية، في وقت تجري فيه تصفية أكثر من قوة «حفظ سلام» دولية في بقع عديدة من العالم، أبرزها دارفور في السودان وأوغندا.
يروّج اللوبي اليهودي أنّ «اليونيفيل» لم تستطع مصادرة صاروخ من أصل 160 ألفاً
وفيما لم تخرج أي تطورات «فاقعة» عن النقاش الذي جرى الاثنين في مجلس الأمن خلال الجلسة المغلقة لنقاش الـ 1701، أكّدت مصادر متابعة في نيويورك لـ«الأخبار» أن مواقف الدول لم تختلف عن مواقفها في العلن في جلسة الثلاثاء، وأن «الكلمات مكرّرة مع تجنب واضح لموضوع تغيير المهام».
تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حول تطبيق القرار 1701، الذي نشر إلى العلن بداية الأسبوع، لا يختلف كثيراً عن البيانات الدورية السابقة، إلّا أنه كرّر الانحياز «المهني» الواضح وليس فقط السياسي لإسرائيل، في عدّة نقاط. فالتقرير يساوي من حيث الأهمية في سياق سرده للوضع في جنوب الليطاني، بين «الخروقات» اللبنانية للخط الأزرق، ذاكراً حصول 329 خرقاً من قبل مدنيين إما يزورون منطقة بير شعيب أو يعتنون بأراضيهم في المناطق التي قضمها الخط الأزرق، وبين الخروقات التجسسية المعادية للطيران المسيرّ والحربي بشكل مستمرّ، ويقدّرها بمعدل مئة طلعة جوية شهرياً. وفيما يهمل التقرير ذكر اختراق الطائرات الحربية الإسرائيلية للأجواء اللبنانية بهدف قصف أهداف في سوريا وشن عدوانٍ عليها، يذكر التقرير حصول 97 خرقاً لمنطقة نزع السلاح جنوبيّ الليطاني، 93 منها أسلحة صيد! والأربعة الأخرى حمل سلاح فردي عشوائي من مواطنين!
القوات النيبالية تهمل خروقات العدو، وتركّز على تجمعات المدنيين في بير شعيب
وخارج المواقف التقليدية المتعلّقة بالحدود مع سوريا والمطالبة بنزع سلاح المقاومة والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات والتسريع في تشكيل الفوج النموذجي للجيش اللبناني (انظر «الأخبار»، 2 آذار 2018، الفوج النموذجي: ما يريده الأميركيون ولا يريده الجيش) بدا لافتاً تركيز التقرير، على مطالبة السلطات اللبنانية بإنهاء التحقيقات واعتقال من سمّتهم «المتعدين على اليونيفيل» في حادثة دير زنون، حيث اشتبه الأهالي في قيام دورية من اليونيفيل بتصوير مواقع في قريتهم، فاعترضوا طريقها العام الماضي.
وقبل نحو ثلاثة أسابيع، علمت «الأخبار» أن حادثاً مماثلاً وقع في بلدة بليدا، حيث حاولت دورية من المراقبين الدوليين التحقق من طريقٍ ترابي عبر الدخول إلى أراضٍ خاصة. وعندها اعترض عدد من أهالي البلدة الدورية، ورفض عناصرها الحديث مع الأهالي وتبيان خلفية وجودهم في المنطقة، وتطور الأمر إلى إشكالٍ وحدوث أضرار بسيطة بسيارة المراقبين. وفيما قالت مصادر في «القوات الدولية» إنه «جرت معالجة سوء التفاهم مع مختار البلدة وبالتنسيق مع الجيش اللبناني»، تبيّن بحسب معلومات «الأخبار»، أن القوات النيبالية في البلدة، هي التي تسجّل أي تحرّك للأهالي بالقرب من بير شعيب على أنه «خروقات»، علماً أن المنطقة ــ بحسب التوصيف الدولي ــ «متحفظ عليها»، بينما تغضّ النظر عن اختراق جيش العدو الحدود اللبنانية فعلياً وافتعال الحرائق على الجانب اللبناني من الحدود، واضعةً ما حصل في سياق «رسالة لفت نظر» من الأهالي لقيادة القوات الدولية عن ممارسات القوات النيبالية.
فراس الشوفي