الرواية الكاملة: المياوم الذي أصبح “وحشاً داعشياً”!

لا شيء يمكن أن يخفّف من وطأة “فاجعة طرابلس” ليلة العيد. من رأس الهرم حتى أصحاب الشأن المعنيين بأمن الداخل اللبناني. ثمة تطمينات بأن الأمور Under Control مع انحسار المدّ الارهابي الذي ضرب لبنان منذ العام 2005 حتى حدّه الأقصى.

مع ذلك، الاختراقات الأمنية، حتى على شاكلة وحش “داعشي” فالت، ممكنة. هذا يمكن أن يحصل في أي بلد في العالم محصّن أمنياً والأمثلة كثيرة.

اختراقات من هذا النوع قد تكون متوقعة وبأي لحظة، في بلد مشرّع على صراعات الكبار في المنطقة الملتهبة، وربما هناك الكثير من أمثال عبد الرحمن مبسوط لا يزالون يسرحون ويمرحون بين الأزقة الفقيرة.

لكن ما لا يمكن إطلاقاً تبريره والسماح به تمادي الحكومة في سياستها “الاصلاحية” المشبوهة من جيوب عسكر لا يزالون يقدّمون دماءً وتضحيات فيما زعاماتهم تجلس في الغرف المكيّفة، تنظّر في السياسات التقشفية، وتفرض الحسومات على متتمّات “ما شبّه” بالرواتب.

لن يكون مجرد مشهد عابر أن يهنَئ كبار القوم بالعيد مع عائلاتهم بعد جولاتهم “المرهقة” في “تزليط” العسكريين من مكتسباتهم المحقة، فيما “الابطال” يصرّون على القيام بواجباتهم و”السكين” في ظهرهم! سيكون مشروعاً السؤال “هل تغصّ “دولة المافيات” فعلاً بوضع أكاليل الزهر على نعوش الشهداء الاربعة؟”.

هذا وجه مؤلم لـ “فاجعة طرايلس”. لا يمكن القفز فوقه أو تجاهله. لا يوازيه ضرراً سوى مسارعة “المزايدين” الى الاستثمار الرخيص في “نكبة العيد” وأخذ النقاش الى مكان آخر لحسابات انتخابية وسياسية إن في ما يتعلق العفو العام والأحكام على الاسلاميين المتشددين، أو في ما يتعلق بـ “نوعية” بعض الاحكام القضائية الصادرة وآخرها في ملف الحاج – غبش.

عبد الرحمن خضر مبسوط حالة “داعشية” لم تأتِ من لا مكان. لها جذورها المتنقلة من لبنان الى تركيا الى سوريا ثم لبنان فسجن رومية… فالحرية.

بين حكم القضاء العسكري على مبسوط في 20-1-2017 بالاشغال الشاقة سنة ونصف، ثم إخلاء سبيله في 12-9-2017، مسار زمني قصير تحوّل فيه “التائب” الى و”حش كاسر”. يجدر التمعّن بالتأكيد في ما تفعله الدولة وكبار أثرياء طرابلس للمساهمة في تفكيك هذه القنابل الموقوتة وتحويلها الى “ذخيرة” في مشروع إعادة إنماء عاصمة الشمال بدلاً من السماح بمحاولة تدميرها وتشويه صورتها الجميلة.

هناك حالات بالمئات، ربما، تشبه حالة عبد الرحمن مبسوط. “تجرّب حظها” في “الجهاد” خارجاً ثم تقفل عائدة خائبة، لكن بعضها يتحيّن الفرصة مجدداً لقتل الابرياء. الأحكام المخفّفة التي تلحق بهذه الشريحة من “مشاريع” الانتحاريين” لها مبرّراتها الرسمية أحياناً: الأحكام المشدّدة “تخرّج إرهابيين حقيقيين” حين ترمى في سجن رومية المكتظ، كما أن اعتماد سياسة الأحكام المشدّدة من شأنها أن تخلق أزمة سياسية وطائفية كبيرة، قد تسهم في تصوير مدينة بأكملها وكأنها “عنواناً للارهاب”.

ويجدر بالتأكيد توجيه أصابع الاتهام مباشرة لكل متدخل في القضاء، من مرجعيات سياسية وحزبية، بقصد حماية أي مطلوب و”سحبه” من يديّ القضاء… وما أكثرهم.

وفق المعلومات، ثمة سياسة عامة تعتمدها المحكمة العسكرية في التعاطي مع حالات شبيهة بحالة عبد الرحمن مبسوط. تقول أوساط المحكمة العسكرية “هناك أعداد هائلة في الشمال ممن همّ تحت الرصد والمراقبة ويشتبه بانتماءاتهم وتأثرهم بالافكار المتطرفة والارهابية، أو ممن هم قيد المحاكمة.

المعيار الاساس في التعاطي مع هؤلاء عدم اعتماد الأحكام المتشددة مع من يغادر لبنان ثم يعود إرادياً واختيارياً ولا يكون قاتل في صفوف “داعش” أو شارك في أي معارك أو مهمات إرهابية في الخارج وفي لبنان. هو معيار التعاطي بمسؤولية وانسانية ووطنية في ملفات من هذا النوع، لكن للأسف ثمة مخاطر دائماً بوجود “حالات” تعتمد السياسة نفسها لـ “الخلايا النائمة”.. لتضرب من جديد”.

العملية الأمنية التي نفّذتها “القوة الضاربة” في مديرية المخابرات في الجيش بمؤازرة من “القوة الضاربة” في “فرع المعلومات” وانتهت بتفجير عبد الرحمن مبسوط نفسه وسقوط أربعة شهداء للجيش “وقوى الامن” هي “نهاية” رواية طويلة لـ “مشروع” ارهابي جرّب حظه في سوريا ثم عاد بإرادته الى لبنان “تائباً”… ليتحوّل بعد ثمانية أشهر الى “داعشي” مجرم ألبس اللبنانيين ثوب الحداد في ليل العيد!

موقع “ليبانون ديبايت” حصل على الرواية الكاملة منذ لحظة توقيف مبسوط في مطار بيروت قبل ثلاثة أعوام وصولاً الى صدور حكم قضائي بحقة بالأشغال الشاقة سنة ونصف بعد خضوعه للمحاكمة أمام المحكمة العسكرية.

تم توقيف عبد الرحمن خضر مبسوط (مواليد 1992 رقم سجله 198) في آب 2016 من قبل الامن العام في مطار بيروت بعد ترحيله من قبل السلطات التركية، حيث تبين وجود بلاغات بحث وتحري بحقه في تهم إرهاب.

كان مبسوط يعمل موظفاً مياوماً في اتحاد بلديات طرابلس. وخلال محاكمته اعترف أنه قرّر السفر الى تركيا ومنها الى سوريا للالتحاق ب “داعش”. تحدث عن صديقه محمد جابر الملقب ب “ابو يوسف” وبلال نعوم اللذين كانا التحقا في وقت سابق بداعش وقاتلا الى جانب “التنظيم” في سوريا. وقد ضغط جابر على مبسوط وحثه على التشدد الديني مرسلاً له كل ما يتعلق ب إصدارات “داعش”، وطلب منه التنسيق مع “أبو زيد” بغية تأمين سفره الى تركيا. الاخير وبعد اتصال مبسوط به لم يستجب لطلبه بالذهاب الى سوريا.

بعدها قام مبسوط بشراء خط تركي واتصل بمحمد جابر ولاقاه الى الى تركيا حيث طلب الاخير منه البقاء في أضنة بانتظار ما سيسفر عن تواصله مع قيادته في الرقة، كما طلب منه التريث بانتظار تكليفه بمهام أمنية ووعده بتأمين جميع احتياجاته ومصاريفه بانتظار دخوله الى سوريا.

وبعد نحو أسبوعين من تواجده في تركيا ارسل له جابر إصداراً هو عبارة عن فيديو يدخل من خلاله حوالي 200 مقاتل الى سوريا على مرأى من الشرطة التركية، فقام بتنزيل خدمة التلغرام بعد اعتكافه عن ذلك..

الحّ مبسوط على جابر لمساعدته للدخول الى سوريا عبر تركيا بسبب كثرة المصاريف التي يدفعها في تركيا. ثم عاد وتوجه الى منطقة غاز غنتاي وتواصل مجدداً مع محمد جابر، وأبلغه عن مكان وجوده وحاجته للمال فطلب منه التواصل عبر الواتساب مع “ابو الحسن”، وبعد قيامه بذلك وإرسال صورة جواز سفره له أرسل له “أبو الحسن” مبلغ 200 دولار.
لاحقا حضرت المخابرات التركية الى الفندق حيث يقيم وأجرت معه تحقيقا فأبلغهم انه سائح، ثم طلب المزيد من المال من “ابو الحسن” فارسل له 200 دولار إضافية.

وبعد تكرار المخابرات التركية سؤاله عن سبب وجوده غادر الفندق محاولاً التفتيش عن سبيل للوصول الى سوريا، فتواصل مع شخص يدعى سميح فضل ومع مجموعته، وأبلغهم بنيته زيارة سوريا بهدف “الجهاد” فتمّ تزويده برقم هاتف شخص تركي تواصل معه وأمّن الاخير له الوصول الى منطقة حدودية برفقة أحد الاشخاص السوريين، ثم قام أحد المهرّبين بإدخاله مع مجموعة من الاشخاص الى سوريا سلًموا لاحقا الى جماعة “فيلق الشام” إحدى فصائل “جيش الفتح”. وهناك خضع لدورة شرعية في ادلب، ثم تمّ اصطحابه الى احد شرعيي المعسكر ويدعى “ابو الفداء السوري” حيث ساعده الاخير على شراء هاتف فتواصل مع عائلته التي طلبت منه العودة الى لبنان لكنه لم يستجب.

تواصل مبسوط لاحقاً مع محمد جابر الذي نعته بالكافر والمرتد بعد إبلاغه بالتحاقه ب “فيلق الشام”، لأنه بحسب رأيه أي تنظيم في سوريا غير “داعش” هو فصيل مرتد، فقطع الاتصال مع محمد جابر.

ومن خلال تواصله مع شاب تونسي يدعى “ابو عمر” تعرّف على “ابو عبيدة” اللبناني وأبلغه انه في صفوف “النصرة” وعرض عليه الالتحاق معه، وقد تبيّن وجود معرفة بين العائلتين المقيمتين في طرابلس.

كما تواصل عبر “الفايسبوك” مع “أبو هريرة” أي بلال نعوم صديق “ابو عبيدة”، وأبلغه انه ينتمي الى “داعش”، وقد أنّبه لالتحاقه ب “النصرة”، طالباً منه الالتحاق ب “داعش”، وواعداً إياه بمدّه ب المال اللازم شرط إستلامه من شخص يدعى “أبو اسامة” حقيبة متفجرة يضعها في مقر “ابو عبيدة” ويفجّرها، فوافق على ذلك بدافع رغبته بالمال. وقد سأل لاحقاً “أبو عبيدة” عن سبب خلافاتهم مع “داعش” فأكد له ان السبب شرعي وشخصي مع بلال نعوم، فأبلغ عندها “أبو عبيدة” عما يريد فعله بلال نعوم به، فطلب منه ايهامهم بعدم إخباره لحين وصول المًرسل من قبله “أبو اسامة” والقبض عليه.

وهكذا حصل حيث أحضر أسامه فسلّمه الحقيبة ومبلغ 1700 دولار، وقامت مجموعة “أبو عبيدة” بتوقيفه وسلّم الحقيبة، فيما هو سلّم له المبلغ وطلب معه مغادرة المقرّ والعودة الى تركيا، ومنها الى لبنان عن طريق مهرّبين، ثم قامت السلطات التركية بترحيله الى لبنان بعد التحقيق معه.

وقد أكد في اعترافاته أنه لم يكلّف القيام بأي عمل لصالح “النصرة” او “داعش” في لبنان، وقد عاد خوفاً من قتله بعدما أخبر “ابو عبيدة” عن نية “داعش” تصفيته على يد “ابو هريرة”، وأنه نادم على كل ما فعل.

ليبانون ديبايت – ملاك عقيل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!