لكن، سرعان ما فُجرت البوابة، بعبوة زرعها أحد المقاومين، وبدأ الزحف البشري بالدخول ومن ثم بدأت هيصة التحرير وانطلقت العبارة الشهيرة عبر الفضائيات اللبنانية والعربية «الحمد لله تحررنا».
أكمل الزحف البشري طريقة نحو بلدة الطيبة، التي كانت لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول التعدي، لكنه انسحب. يلفت القيادي المسؤول في «حزب الله» الى أنه: في الأيام التي سبقت بداية التحرير، كنا نناقش في القيادة بأن الإسرائيلي، وفق المعطيات الميدانية، بدأ يغرق وينهار. يتابع المسؤول «ما يسمى بجيش لحد أصبح مفككاً وعبئاً على الإسرائيلي، وكنا نبحث مع إخواننا في حركة أمل تفاصيل آليات الدخول إلى المنطقة الحدودية المحتلة»، لأن الإسرائيلي ـ كما يشير المسؤول الميداني ـ كان وحسب الخطة التي وضعها، يهدف الى الانسحاب من بعض المواقع تخفيفاً من الضغط عليه. وأن يبقي مربعات مقفلة أمام المقاومة، خاصة المربعات التي تحمي قيادات عملائه في القطاعين الشرقي والغربي، مما يعني أن الإسرائيلي يحاول فرض الحصار على مربعات معينة كعمق استراتيجي يخوله الدخول إلى مربعات أمنية. وعليه، «كان دخول المقاومة بحذر وترقب. إذ أن الإسرائيلي راهن على عدة أمور، كاقتتال داخلي بين حزب الله وحركة أمل. الأمر الذي أدى لقرار يقضي برفع العلمين (الحزب والحركة) في كل سيارة.
النقطة الثانية التي راهن عليها الإسرائيلي هي التعرض للمسيحيين كانتقام وردة فعل من الأهالي والمقاومة على بعض الأعمال الدموية السابقة. جيش لحد كان من ضمن الرهانات أيضاً، إذ أن الإسرائيلي ظنّ بأننا سنستل سيوفنا وننقض على العملاء ونذبحهم»، يقول القيادي في الحزب.
الاقتحام الأول تم من بوابة التحرير الأولى، أي بلدة القنطرة. تم بنجاح كبير وفُرض التحرير بشكل دائري وموسّع، إذ أنه سرّع التحرير لبقية المناطق واختصر الزمن. عندما حُررت القنطرة وأصبح الذهاب والإياب إليها أمراً عادياً، أخذ قرار بفتح محاور أخرى، منها محور حولا ومركبا.
القرار حلّ في اليوم الثاني بعد دخول القنطرة. طُلب من المجاهدين أن يكونوا على استعداد لاقتحام المواقع. لم يكن ببال أحد، أن الإسرائيلي سيستسلم أو ينسحب من «وادي جهنم» بسهولة.
انطلاقاً من ميس الجبل باتجاه بنت جبيل ربطاً بالغربي للناقورة، من الطيبة باتجاه العديسة وكفركلا، أخذ القرار باقتحام المواقع. الاقتحام كان من محاور متعدّدة: حولا، مركبا، ميس الجبل، المحور الشرقي (يبدأ من الخيام). سبق دخول حولا عملية عسكرية ناجحة، حيث أُعطبت دبابة إسرائيلية وآليتان وسقط عدد من القتلى والجرحى في صفوف العدو، علماً أن العملاء كانوا متواجــدين في البلدة.
حينها كرّت السبحة. إذ استمرّ الزحف باتجاه الطيبة ومركبا ثم العديسة. يقول المسؤول الميداني، أنه تمّ إعداد مجموعات عسكرية كبيرة جداً، وفق تطورات الوضع الميداني ومستجداته، على قاعدة أنه مع توفر معطيات معينة تتيح فتح محور ميس الجبل.
طُلب من الأهالي، ابتداءً من الساعة الرابعة حتى العاشرة صباحاً، أن يجهزوا مواكب سيارة لكل أهالي البلدات، من ميس إلى بليدا ومحيبيب وعيترون والعديسة…
وصل رتل السيارات إلى أكثر من مئتي سيارة عمّت حولا كلها. تم رصد تحرّكات العملاء في بلدة ميس الجبل، وكانت الأخبار تفيد ـ عبر وسطاء ـ بأن العملاء مستعدون لتسليم أنفسهم بعدما عاشوا في قوقعة من الخوف والضياع. إلا أنهم، أي العملاء، طلبوا ضمانات من الوسطاء تضمن عدم تعرّض المقاومة لحياتهم، وأتت الموافقة. بعد ساعات قليلة، عدل العملاء عن قرارهم وفضلوا الصمود والمواجهة. عززت المقاومة الإسلامية مجموعة من الكمائن العسكرية، نصبت مواقع لها في الأماكن المتقدمة لرصد التحركات عن قرب من جهة، والاستعداد للهجوم من جهة أخرى. قرابة الظهيرة، اتصلت مجموعة من النقاط المتقدمة بالقيادة وأعلمتها بأن ثلّة من العملاء تريد أن تسلم نفسها، فما كان للقيادة إلا أن أخبرت غرفة العمليات. بدأت قوافل العملاء تسلم نفسها للمقاومة وفق أعداد هائلة، واستفادت القيادة من بعض المعلومات. استقبل أهالي القرى المقاومين، وذهلوا بالمشهد الذي أوحى لهم بفرحة لم تصدق.
في اليوم نفسه، وعلى جهةٍ أخرى، توجهت قوافل سيارة مؤلفة من عناصر عسكرية للحزب من البقاع الغربي باتجاه بلدة الخيام. تعرضت هذه القوافل لعبوات مشرّكة عند الطريق الجنوبي، إلا أنه تم تفكيك معظمها من قبل المقاومين. لم تنفع العبوات، فبدأت القوات الإسرائيلية بالقصف عندما وصلت القوافل إلى دبّين الجنوبية، كانت المقاومة الإسلامية قد جنّدت عدداً كبيراً من العملاء في معتقل الخيام لصالحها. التف المقاومون حول العملاء وفرضوا طوقاً معززاً أدى إلى استسلامهم فوراً. توالت الحشود البشرية بالزحف من كل حدب وصوب باتجاه المعتقل وتم تحريره. يجزم القيادي في حزب الله بأن الإسرائيلي فشل في كل رهانـاته، إذ أنه «لم تحصل ضربة كف واحدة بين اللبنانيين».
جعفر العطار
جريدة السفير اللبنانية – 25/5/2007