سويسرا تكشف عن 320 مليار دولار في بنوكها لسياسيّين لبنانيّين؟ إليكم التّفاصيل
“ما حدا يقول #لبنان مفلس”. بموجب بوست تتناقله صفحات وحسابات لبنانية على منصات التواصل الاجتماعي، “لبنان ملياردير إذا استرد أمواله المنهوبة”. وفقاً للزعم، “#سويسرا تكشف عن 320 مليار (دولار) في بنوكها لسياسيين ومسؤولين لبنانيين”، في وقت “بلغ #الدين_العام في لبنان 100 مليار دولار أميركي”. أرقام متداولة تؤجج غضب اللبنانيين. ولكن ما صحتها؟ وما حقيقة المعلومات المتعلقة بسويسرا؟
“النّهار” دقّقت وسألت من أجلكم
النتيجة: أولاً الزعم أن سويسرا “كشفت عن 320 مليار دولار في بنوكها لسياسيين ومسؤولين لبنانيين” زعم خاطئ، لأن “سويسرا لا تزال تتمتع بسرية مصرفية”، حتى لو بدأت تطبق الإتفاقية الدولية المتعلقة بالتبادل التلقائي للمعلومات المصرفية، “وهناك اصول محددة لكشف السرية المصرفية”، على ما يشرح الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفسور جامس عجاقة لـ”النهار”. أما الزعم أن الدين العام في لبنان هو 100 مليار دولار، فخاطئ أيضاً، إذ تبين أحدث الأرقام المنشورة بهذا الخصوص (نهاية شباط 2019) أنه يصل إلى 85,2 مليار دولار.
الوقائع: البوست بالخط الأسود العريض. “سويسرا تكشف عن 320 مليار (دولار) في بنوكها لسياسيين ومسؤولين لبنانيين فاسدين نهبوها من المال العام”. وقد أُرفِق أيضاً بالتعليق الآتي: “ما حدا يقول لبنان مفلس. معادلة بسيطة الدين العام 100 مليار دولار، والنهب العام 320 مليار دولار. يعني لازم يكون عنّا فائض 220 مليار دولار. يعني لبنان ملياردير إذا استردّ أمواله المنهوبة”.
التدقيق:
– بدأ تناقل البوست ابتداء من أواخر كانون الثاني 2019 على الأقل، وفقاً لما يبيّن البحث عنه. وتمّت إعادة التشارك فيه على صفحات وحسابات لبنانية خصوصاً خلال الأشهر الماضية، حتى اليوم.
-البوست المتناقل لم يذكر اي مصدر استند اليه في المعلومات التي يزعمها.
-سويسرا تكشف عن 320 مليار (دولار) في بنوكها لسياسيين ومسؤولين لبنانيين؟ ماذا عن واقع السرية المصرفية في سويسرا؟
ابتداء من 1 كانون الثاني 2017، بدأت سويسرا العمل بالإتفاقية الدولية المتعلقة بالتبادل التلقائي للمعلومات المصرفية، “ما يعني بداية النهاية للسمعة التي رافقت سويسرا في السابق بوصفها جنة ضريبية”. عمليا، يعني تطبيق “المعاهدة المتعددة الأطراف بشأن المساعدة الإدارية المتبادلة في المسائل الضريبية” أن سويسرا أصبحت ملتزمة المعايير الدولية المتعلقة بالإجراءات الضريبية (سويس اينفو، 1 ك2 2017) .
في الشرح، هذا الاتفاق وقعته أكثر من 100 دولة، و”يضمن أنه سيتم تبادل المعلومات المالية المتعلقة بحسابات مصرفية عائدة الى مواطني عدد من البلدان في سويسرا، والعكس بالعكس تلقائيا وفي شكل سنوي. ومن المقرر أن تنطلق سويسرا في تجميع هذا الصنف من المعطيات ابتداء من 2017، وأن تتقاسمها مستقبلا مع البلدان المختارة ابتداء من عام 2018″.
-القول ان هذا الاتفاق يعني ان سويسرا رفعت السرية المصرفية لا يوافق عليه الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة. “الامور معقدة أكثر مما تبدو عليه”، على قوله لـ”النهار”. ويشرح: “لا تزال السرية المصرفية قائمة في سويسرا، لكنها باتت استنسابية حاليا. وهذا يعني ان من يريد كشف السرية المصرفية يجب ان تتوفر لديه صفة معنوية كبيرة. على سبيل المثال، هذه حالة الولايات المتحدة التي طلبت كشف السرية المصرفية المتعلقة بحسابات ليهود في سويسرا، تعود الى حقبة الحرب العالمية الثانية”.
ويوضح ان “ثمة اصولا لكشف السرية المصرفية، منها ان يكون الطلب مبررا، ويتعلق بشخص محدد، ويقف وراءه القضاء تحديدا”. وهذا يعني انه لا يستطيع اي شخص ان يطلب كشف السرية المصرفية. وهذا يعني ايضا، في رأيه، ان “السرية المصرفية، بموجب المعاهدة المتعددة الاطراف، اصبحت نصف مصانة، علما ان النصوص القانونية قد تكون ايضا مطاطة”.
ويتدارك: “يمكن القول انه من المستبعد ان يكون احد عرف عن اموال اللبنانيين في سويسرا. لماذا؟ لانه يجب ان تطلب الدولة اللبنانية، او القضاء اللبناني كشف السرية المصرفية عن حسابات معينة. وهذا لم يحصل”.
–وفقا لمؤشر نشرته “شبكة العدالة الضريبية” (30 ك2 2018)- وهي شبكة دولية مستقلة مهمتها الأساسية “الدفع من أجل التغيير المنهجي في القضايا المتعلقة بالضرائب والملاذات الضريبية والعولمة المالية”- “تمثّل سويسرا المركز المالي الأكثر سرية في العالم، تليها الولايات المتحدة”. وأشارت إلى أن “سويسرا التي هي أكبر مركز عالمي للثروات المنقولة الى الخارج، أدخلت تحسينات عدة على نظام السرية المصرفية في السنوات الأخيرة، بعد ضغوط متتابعة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما”.
ولاحظت ان “التنازلات التي قدمتها سويسرا كانت نتيجتها كالتالي: أموال بيضاء (نظيفة) للبلدان الغنية والقوية، وأموال سوداء (فاسدة) للدول الضعيفة والنامية”. وتبعا لذلك، فإن سويسرا ستتبادل المعلومات مع البلدان الغنية، إذا كان عليها أن تقوم بذلك. لكنها في المقابل، ستستمرّ في توفير فرص لمواطني البلدان الفقيرة للتهرّب من مسؤولياتهم كدافعي ضرائب في بلدانهم”.
في مؤشر تصنيف السرية المصرفية لعام 2018، يحتلّ لبنان المرتبة الـ11، بعد جزر كايمان (المرتبة 3) وهونغ كونغ وسنغافورة ولوكسمبورغ وألمانيا وتايوان والإمارات وجزيرة غرينزي (المرتبة 10).
–تحظر قوانين السرية المصرفية عمومًا على المؤسسات المصرفية والمسؤولين فيها والموظفين لديها الإفصاح عن بيانات العميل لفريق ثالث. بالنسبة إلى سويسرا، تشكل المادة 47 من القانون الاتحادي السويسري بشأن البنوك ومصارف الادخار (الصادر 8 ت2 1934- والمعدل 2016) القانون الأساسي الذي يحكم سرية المصارف في سويسرا. ومن يكشفون بيانات العميل، في انتهاك لهذا القانون، يتعرضون لعقوبات جنائية “تصل إلى السجن لمدة لا تزيد عن ستة أشهر، أو لغرامة لا تزيد على 50 الف فرنك سويسري” (المادة 47).
كذلك، توجد أحكام جنائية مماثلة في قوانين اخرى تتعلق بالسوق المالية السويسرية: المادة 43 من القانون الاتحادي السويسري بشأن البورصة وتداول الأوراق المالية. المادة 147 من القانون الفيدرالي السويسري حول البنى التحتية للسوق المالية. المادة 148 من القانون الاتحادي السويسري بشأن مخططات الاستثمار الجماعي.
-في وقت كانت القوانين السويسرية تصون السرية المصرفية، بما يجعل الكشف عن البيانات المالية للعملاء يخضع لعقوبات جنائية، شهدت سويسرا فضيحة عرفت بـ”سويس ليكس” في 9 شباط 2015، واستندت إلى معلومات سرقها خبير المعلوماتية ارفيه فالشياني عام 2007، عندما كان موظفا في مصرف “اتش اس بي سي” في جنيف. وتكشف الوثائق المسربة آلية للتهرب الضريبي.
ووفقا لموقع “سويس ليكس”، تتعلق الوثائق المسربة بأكثر من 100 مليار دولار لـ106 آلاف عميل (في البنك) من 203 بلدان. بالنسبة إلى لبنان، فقد احتل المرتبة الـ12 بمبلغ 4,8 مليارات دولار. والمبلغ الأقصى المرتبط بعميل على صلة بلبنان هو 236,6 مليون دولار، وفقاً للموقع. ماذا يعني الرقم 4,8 بلايين دولار المقابل لاسم لبنان، والى ماذا يرمز؟
ويشرح البروفسور عجاقة لـ”النهار” ان “هذا الرقم يعكس صورة محددة، في زمن محدد، في تاريخ محدد، لحسابات عدد من اللبنانيين، عينة فقط من الزبائن لدى مصرف “إتش أس بي سي” في سويسرا. وبالتالي يعكس قيمة حسابات هؤلاء الأشخاص، ولكن ليس بالضرورة جميعهم”. نقطة أخرى يلفت إليها هي أن “هذا الرقم ليس بالضرورة هو نفسه اليوم. ربما زاد، وربما تراجع”، مع الأخذ في الاعتبار أن أحدث هذه البيانات والحسابات المالية ترجع إلى 11 شهرا على الأقل (مقالة “لمن هذه الأموال؟”، 8 آب 2018، النهار).
–تدقيق آخر في ما يزعمه البوست أن الدين العام في لبنان “يبلغ 100 مليار دولار أميركي“. في واقع الأمور، أعلنت جمعية المصارف في لبنان أنه “في نهاية شباط 2019، بلغ الدين العام الإجمالي 128507 مليارات ليرة (أي ما يعادل 85,2 مليار دولار)، مقابل 128619 مليار ليرة في نهاية الشهر الذي سبق (كانون الثاني) و128347 مليار ليرة في نهاية عام 2018. وبذلك، يكون الدين العام الإجمالي ارتفع بقيمة 160 مليار ليرة، بنسبة 0,1% في الشهرين الأولين من العام الجاري، مقابل زيادة بقيمة 3020 مليار ليرة وبنسبة 2,5% في الفترة ذاتها من عام 2018”.
وذكرت أن “ارتفاع الدين العام الاجمالي نتج من ارتفاع الدين المحرر بالعملات الأجنبية، بما يوازي 378 مليار ليرة (251 مليون دولار)، في حين انخفض الدين بالليرة اللبنانية بقيمة 218 مليار ليرة”. وأشارت إلى أن “الدين العام الصافي المحتسب بعد تنـزيل ودائع القطاع العام لدى الجهاز المصرفي بلغ 115394 مليار ليرة في نهاية شباط 2019، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 1,1% قياساً على نهاية عام 2018”.
النتيجة: ما يزعمه البوست أن الدين العام في لبنان هو 100 مليار دولار، زعم خاطئ، ذلك أن أحدث الأرقام المنشورة في هذا الشأن تبين أن الدين العام الإجمالي يصل إلى 85,2 مليار دولار. كذلك، الزعم أن “سويسرا كشفت عن 320 مليار في بنوكها لسياسيين ومسؤولين لبنانيين” زعم خاطىء، “لأن سويسرا لا تزال تتمتع بسرية مصرفية، حتى لو بدأت تطبق الإتفاقية الدولية المتعلقة بالتبادل التلقائي للمعلومات المصرفية، “وهناك اصول محددة لكشف السرية المصرفية”.