أخطر ما في موازنة 2019: وداعاً للضمان التقاعدي!

 

 

من جديد تتسلل الدولة إلى أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في محاولة منها للإتقضاض على ما تبقى من مظلة الفقراء الإجتماعية.. تسلُلُ الدولة عبر موازنة العام 2019، لم يكن الأول. فقد سبقته محاولات عدة، كان آخرها في موازنة العام 2018، حين بات جليّاً إصرار الدولة على رفع الغطاء الصحي عن قرابة مليون وخمسمئة ألف مواطن لبناني، وحرمان مئات الآلاف من خدمة الضمان التقاعدي مستقبلاً.

إصرار المسؤولين على خلو الإجراءات التقشفية، الواردة في موازنة العام 2019، من أي ضرائب على الفقراء، لا يخفي خداعهم وحسب، بل يخفي نوايا لدى الدولة بسلب المواطنين ما هو أكثر تكلفة من بعض الضرائب، وهو الضمان التقاعدي. الدولة وفق ما ورد في مشروع موازنة 2019، تعفي نفسها من عدة موجبات تجاه الضمان الاجتماعي، تتخطى قيمتها عشرات المليارات، في إجراء لا يمكن تسميته سوى بـ”الإختلاس”.

تضمن مشروع موازنة 2019 مواد عدة تطال أموال الضمان الاجتماعي وحقوق المواطنين، تحت ذريعة حساسية الوضع الاقتصادي وضرورة القيام بإصلاحات مالية، من دون الأخذ بالاعتبار خصوصية الضمان الاجتماعي، و”قدسية” حقوق الأجراء، والتقديمات الصحية المتعلقة بالمواطنين محدودي الدخل.

الضمان التقاعدي
بموجب مشروع قانون موازنة العام 2019، أعفت الدولة نفسها من سداد مساهمتها البالغة نسبة واحد في المئة من الإشتراكات، المخصصة لتمويل ضمان المتقاعدين، والبالغة نحو 60 مليار ليرة كحد أدنى سنوياً.

مشروع ضمان المتقاعدين، الذي أطلقه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عام 2017، بني على قاعدة التمويل المسبق من قبل شركاء الإنتاج الثلاثة، أي بمساهمة 1 في المئة من الدولة و1 في المئة من رب العمل و1 في المئة من العامل، لكن بانسحاب الدولة من هذا المشروع، سيقتصر الضمان التقاعدي على مساهمة رب العمل والعامل فقط. وهو ما يعرّضه لخطر الاستمرار.

هذه المخاوف، عبّر عنها المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الدكتور محمد كركي، في حديث إلى “المدن”. ورأى أن تراجع الدولة عن المساهمة بنسبة الـ1 في المئة يضر بمشروع الضمان الصحي للمتقاعدين، الذي يُعد من أهم الإنجازات الإجتماعية في السنوات الأخيرة، كما أن تمنّع الدولة عن الدفع، سيسيء إلى الاستقرار الاجتماعي ويعطي إشارة سلبية لجهة تعزيز المخاوف لدى إدارة الضمان من ضم فئات جديدة إلى الضمان الإجتماعي.

400 مليار
أيضاً وأيضاً، تحت ذريعة العجز المالي، أعفت الدولة نفسها، بموجب المادة 43 من مشروع موازنة 2019، من سداد فوائد الديون المترتبة عليها لصالح الضمان الإجتماعي، وقيمتها نحو 400 مليار ليرة، هي فوائد على مجمل الديون البالغة نحو 2400 مليار ليرة (مجموع مستحقات الضمان في ذمة الدولة 2800 مليار ليرة).

وقد تم تعديل المادة التي تفرض على الحكومة “تقسيط الديون المترتبة للصندوق على عشر أقساط، على أن يسدد القسط الأول قبل العام 2017. وتترتب على الديون المقسطة فائدة سنوية توازي معدل الفائدة على سندات الخزينة لمدة سنة”.

وبموجب المادة 43 من مشروع الموازنة، فإن إعفاء الدولة نفسها من الفوائد على الديون يكبد الضمان خسائر كبيرة، لاسيما أن الأخير يدفع سنوياً فوائد بنحو 100 مليار ليرة لصندوق نهاية الخدمة، كفوائد على الأموال المستخدمة في تمويل صندوقي المرض والأمومة والتعويضات العائلية.

إختلاس جديد؟
أضف إلى ذلك، أن الدولة رصدت في موازنة العام 2019 مساهمة مالية للضمان الاجتماعي من دون الإشتراكات، بمعنى أنها لحظت مساهمة مالية مستثنى منها مبلغ 56 مليار ليرة، قيمة الإشتراكات المستحقة للضمان في ذمة الدولة عن “أجراء الدولة”.
والسؤال هنا هل تحاول الدولة إعفاء نفسها من سداد الإشتراكات عن أجرائها أيضاَ؟ وهل تحاول من وراء كل تلك الإجراءات غير الناجعة، أن تُغرق صندوق الضمان بمزيد من العجوزات تمهيداً لإقفاله؟

الإجابة جاءت على لسان رئيس الإتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، في حديث إلى “المدن”، إذ رأى ان خلق جو من الرعب بين المضمونين والمواطنين، سيؤدي بالجميع إلى التهافت على إخراج أموال تعويضاته من الضمان، لافتاً إلى أن ممارسات الدولة تجاه الضمان الاجتماعي لا يمكن تفسيرها سوى بمحاولة إفلاسه.

وإذ استغرب الأسمر تسلل الدولة في كل موازنة إلى أموال الضمان، رأى انه لا يحق لها الإنسحاب من مشروع تمويل الضمان التقاعدي، من دون الرجوع إلى طرفي الإنتاج، وأولهم العمال، لاسيما أن العقد ثلاثي الأطراف.

تمهيد للتهرّب
وفي آخر فصول إلتفاف الدولة على أموال الضمان، نصت المادة 40 من مشروع موازنة 2019 على إعطاء حوافز للمؤسسات لاستخدام أجراء لبنانيين جدد. وقررت بموجبها الدولة أن تتحمل سداد الإشتراكات المترتبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بكافة فروعة، ولمدة سنتين، عن الأجراء اللبنانيين الذين يتم استخدامهم لأول مرة، أو كانوا عاطلين عن العمل، أو كانوا قد تركوا العمل قبل نشر هذا القانون بمدة ستة أشهر على الأقل. والهدف، هو تشجيع المؤسسات على استخدام أجراء لبنانيين جدد، وعدم استخدام عمالة أجنبية غير مصرح عنها، ومن أجل الحد من البطالة، ومن أجل تخفيف الأعباء المالية على تلك المؤسسات، وفق ما ورد في المادة.

ولكن كيف يمكن للدولة أن تسدد إشتراكات للضمان الاجتماعي نيابة عن الشركات، في حين أنها عاجزة عن سداد متوجباتها تجاه الضمان منذ أكثر من 3 سنوات؟ وتدعي عجزها عن سداد مساهمتها بـ1 في المئة من الإشتراكات لصالح الضمان التقاعدي؟ كما تدعي عجزها عن سداد الفوائد على الديون المترتبة للضمان في ذمتها؟

من هنا باتت محاولات الدولة واضحة للإنقضاض على أموال الضمان، والإستيلاء على آخر الحصون الإجتماعية للعامل اللبناني. فكل الإجراءات المذكورة، والإعفاءات التي منحتها الدولة لنفسها على حساب حقوق المواطنين والمتقاعدين، تشكل جريمة بحق الضمان. وتحرمه أموال طائلة.

المصدر: جريدة المدن الألكترونيّة – عزة الحاج حسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!