القصة الحقيقية للجاسوسة التي بكت عليها جولدا مائير وتوسط لها كيسنجر

الجاسوسة هبة سليم (عبلة كامل) وعلاقتها بإسقاط الطائرة الليبية في العام ١٩٧٣

د. عبدالرزاق فرج بن حليم

اللغز ..
ما هو السبب الرئيسي المرجح وراء إسقاط الطائرة الليبية بسيناء؟
يعتقد الكثير من المتابعين لقضية الطائرة الليبية أن سبب إسقاطها هو وجود الجاسوسة الإسرائيلية (المصرية الجنسية) التي تحمل اسم هبة سليم والتي تم تجسيدها في فيلم الصعود الى الهاوية، والتي تم القبض عليها في طرابلس في نفس الشهر فبراير 1973 م ، بالتنسيق بين جهازي المخابرات المصرية والليبية في عملية غاية في السرية نظراً لخطورتها وأهميتها في المعلومات التي بحوزتها.. وهذه حكايتها بالتفصيل:

من هي هبة سليم أو عبلة كامل؟
هبة سليم فتاة مصرية كانت تعيش في حي المهندسين الراقي بالقاهرة ، وكان والدها وكيل الوزارة بالتربية والتعليم و كانت تحمل كارنيه عضوية في نادي “الجزيرة” – أشهر نوادي القاهرة – فقد اندمجت في وسط شبابي لا تثقل عقله سوى أحاديث الموضة والمغامرات ….وعندما حصلت على الثانوية العامة ألحت على والدها للسفر الى باريس لإكمال تعليمها الجامعي …وأمام ضغوط الفتاة الجميلة وافق الأب على سفرها ….وفي باريس لم تنبهر الفتاة كثيراً، فالحرية المطلقة التي اعتادتها في مصر كانت مقدمة ممتازة للحياة والتحرر في عاصمة النور .. ولأنها درست الفرنسية منذ طفولتها فقد كان من السهل عليها أيضاً أن تتأقلم بسرعة مع هذا الخليط العجيب من البشر .. جمعتها مدرجات الجامعة في باريس بفتاة يهودية من أصول بولندية دعتها ذات يوم لسهرة بمنزلها ، وهناك التقت بلفيف من الشباب اليهود الذي تعجب لكونها مصرية جريئة ولا تهتم بحالة الحرب التي تخيم على بلدها لقد أعلنت صراحة في شقة البولندية أنها تكره الحرب، وتتمنى لو أن السلام عم المنطقة. وفي زيارة أخرى أطلعتها زميلتها على فيلم يصور الحياة الاجتماعية في إسرائيل، وعلى مدار لقاءات طويلة مع الشباب اليهودي استطاعت هبة أن تستخلص عدة نتائج وهى أن إسرائيل قوية جداً وأقوى من كل العرب. وأن أمريكا لن تسمح بهزيمة إسرائيل في يوم من الأيام .. ومن هنا تم تجنيد هبه لصالح اسرائيل .. وهي أول جاسوسة عربية عملت لصالح الموساد في عام 1973، وتسببت عمالتها للكيان الصهيوني في خسائر فادحة للجيش المصري ، و استطاعت تجيند الضابط فاروق الفقى الذى كان يتمنى الأرتباط بها ليصير عميلاً للموساد لاحقاً .. وتمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية فى منتهى الخطورة .. وفي تلك الأثناء كانت هبة سليم تعيش حياتها بالطول وبالعرض في باريس .. وتهلل وجهها عندما عرض عليها ضابط الموساد زيارة إسرائيل، فلم تكن لتصدق أبداً أنها مهمة الى هذه الدرجة، ووصفت هي بنفسها تلك الرحلة قائلة : “ طائرتان حربيتان رافقتا طائرتي كحارس شرف وتحية لي ” .. وهذه إجراءات تكريمية لا تقدم أبداً إلا لرؤساء وملوك الدول الزائرين وفي مطار تل أبيب كان ينتظرني عدد من الضباط أصطفوا بجوار سيارة ليموزين سوداء تقف أسفل جناح الطائرة، وعندما أدوا التحية العسكرية لي تملكني شعور قوي بالزهو. واستقبلني بمكتبه مائير عاميت رئيس جهاز الموساد ، وأقام لي حفل استقبال ضخماً ضم نخبة من كبار ضباط الموساد وعندما عرضوا تلبية كل ” أوامري ” طلبت مقابلة جولدا مائير رئيسة الوزراء .. وقابلتني جولدا مائير ببشاشة و رقة وقدمتني أليهم قائلة : ” إن هذه الآنسة قدمت لإسرائيل خدمات أكثر مما قدمتم لها جميعاً مجتمعين. ”

وفي القاهرة كانت المخابرات تبحث بكل جهد عن سبب تدمير حوائط الصواريخ بمجرد بنائها الى أن اكتشف أحد مراقبي الخطابات الأذكياء “من المخابرات المصرية” خطاباً عادياً مرسلاً الى فتاة مصرية في باريس سطوره تفيض بالعواطف من حبيبها. لكن الذي لفت انتباه المراقب الذكي عبارة كتبها مرسل الخطاب تقول أنه قام بتركيب هوائي الراديو الذي عنده، ذلك أن عصر هوائي الراديو قد أنتهى . إذن فالإيريال يخص جهازاً لاسلكياً للإرسال والاستقبال . وانقلبت الدنيا في جهازي المخابرات الحربية والمخابرات العامة وتشكلت عدة لجان من أمهر رجال المخابرات .. حتى عثروا على جهاز الهوائي فوق إحدى العمارات.. وأتصل الضباط في الحال باللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية وأبلغوه باسم صاحب الشقة.. حيث تبين أنها لشقة تخص المقدم فاروق الفقي، وكان يعمل وقتها مديراً لمكتب أحد القيادات الهامة في الجيش. رفض القائد أن يتصور حدوث خيانة بين أحد ضباط مكتبه. خاصة وأن المقدم فاروق يعمل معه منذ تسع سنوات، بل وقرر أن يستقيل من منصبه إذا ما ظهر أن رئيس مكتبه جاسوس للموساد ، وعندما ألقى القبض عليه استقال قائده على الفور، ولزم بيته حزيناً على خيانة فاروق ..وفي التحقيق اعترف الضابط الخائن تفصيلياً بأن خطيبته جندته وعند تفتيش شقته أمكن العثور على جهاز اللاسلكي المتطور الذي يبث من خلاله رسائله، وكذا جهاز الراديو ونوتة الشفرة والحبر السري الذي كان بزجاجة دواء للسعال . ضُبطت أيضاً عدة صفحات تشكل مسودة بمعلومات هامة جداً معدة للبث. وقُدم سريعاً للمحاكمة العسكرية التي أدانته بالإعدام رمياً بالرصاص . واستولى عليه ندم شديد عندما أخبروه بأنه تسبب في مقتل العديد من العسكريين من زملائه من جراء الغارات الاسرائيلية. وأخذوه في جولة ليرى بعينه نتائج تجسسه .. وفي خطة بارعة من المخابرات الحربية ، أخذوه الى فيلا محاطة بحراسة مشددة، وبداخلها نخبة من أذكى وألمع رجال المخابرات المصرية و قاموا بعمل خطة لخداع اسرائيل بارسال معلومات مضللة لهم عن طريقه و لمدة شهرين، ولما استشعرت القيادة العامة أن الأمر أخذ كفايته .. وأن القيادة الإسرائيلية قد وثقت بخطة الخداع المصرية وابتلعت الطعم، تقرر استدراج الفتاة الى القاهرة بهدوء… ووضعت خطة القبض على هبة . وعهد الى اللواء حسن عبد الغني ومعه ضابط آخر بالتوجه الى ليبيا لمقابلة والدها في طرابلس حيث كان يشغل وظيفة مدرس ، وتم التنسيق مع المخابرات الليبية وتم طلب كشف صحي له ، وأوهموه بأن لديه مرض يحتاج لبقاءه في المستشفى ووفروا له الاتصال بأبنته في باريس التي عرضت عليه القدوم الى باريس وعلاجه في احسن المستشفيات ولكنه أكد لها منع الأطباء من مغادرته المستشفى بسبب حالته الصحية ، ولكن جهاز الموساد شك في الموضوع ومنع هبة من السفر الى ليبيا إلا بعد التأكد من الموضوع ، فأرسل عميلين للجهاز الى طرابلس وتأكدوا من أقامة والدها بمستشفى شارع الزاوية ومن مرضه ، وكانت كلا المخابرات المصرية والليبية تقوما بمراقبة العملية ، وعليه سمح جهاز الموساد لهبة بالسفر الى طرابلس على متن الخطوط الليبية. ،

وعند وصولها قال لها ضابط المخابرات المصرية الذي كان بجوارها أهلا بك يا هبة في طرابلس ، وهنا علمت بأنها أنكشفت وكاد أن يغمى عليها . تم أخذها مباشرة إلى طائرة مصرية تم إخفاءها في نهاية المطار ونقلت إلى القاهرة . علم الموساد أن عميلته أنكشفت وظن أنها موجودة على متن أول رحلة متوجهة من طرابلس الى القاهرة وهي الرحلة 114 والتي تم محاولة أجبار قائد الطائرة الليبية ( الفرنسي الجنسية )على الهبوط في أحدى المطارات العسكرية في سيناء التي كانت تحت الاحتلال الصهيوني ، وعندما رفض أعطيت الأوامر بضرب الطائرة .

بعد وصول هبة إلى القاهرة والتحقيق معها تم الحكم عليها بالإعدام شنقاً بعد محاكمة منصفة اعترفت صراحة أمامها بجريمتها .. وأبدت ندماً كبيراً على خيانتها. وتقدمت بالتماس لرئيس الجمهورية لتخفيف العقوبة ولكن التماسها رفض .. وكانت تعيش أحلك أيامها بالسجن تنتظر تنفيذ الحكم.

والجدير بالذكر أنه عندما وصل هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي – اليهودي الديانة – لمقابلة الرئيس السادات في أسوان في أول زيارة له الى مصر بعد حرب أكتوبر .. وحملته جولدا مائير رسالة الى السادات ترجوه تخفيف الحكم على الفتاة .. وتنبه الرئيس
السادات الذي يعلم بتفاصيل التحقيقات و أنها ستصبح مشكلة كبيرة في طريق السلام….فنظر الى كيسنجر قائلاً : تخفيف حكم أيه ؟ .. هبة أعدمت ، فدهش كيسنجر وسأل الرئيس السادات : متى ؟ ودون أن ينظر لمدير المخابرات الحربية قال السادات كلمة واحدة: “النهاردة“ .. وفعلاً فهم مدير المخابرات الحربية الإيماءة وتم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في هبة سليم في اليوم نفسه في أحد سجون القاهرة.

أما الضابط العاشق – المقدم فاروق عبد الحميد الفقي – فقد استقال قائده من منصبه لأنه اعتبر نفسه مسؤولاً عنه بالكامل. وعندما طلبت منه القيادة العامة سحب استقالته، رفض بشدة وأمام إصرار القيادة على ضرورة سحب استقالته .. خاصة وأن الحرب باتت وشيكة. أشترط القائد للموافقة على ذلك أن يقوم هو بتنفيذ حكم الإعدام في الضابط الخائن ووافق السادات على ذلك …..وعندما جاء وقت تنفيذ حكم الإعدام رمياً بالرصاص في الضابط الخائن أخرج القائد مسدسه من جرابه. . وصوبه على رأس الضابط وأطلق طلقتين عليه ..
وبذلك انتهت قصة اشهر و اخطر جواسيس خانوا مصر و دفعوا الثمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى