نحل الجنوب ونحالوه في خطر.. لوقف عشوائية المبيدات الزراعيّة
صدى وادي التيم – لبنانيات /
في أوائل شهر نيسان/ أبريل يبدأ موسم قطاف العسل الربيعيّ، لكنّ بعض مربّي النحل لن يتمكّنوا من الشروع في جني محصولهم لهذا العام، نتيجة نفوق آلاف النحلات التي تسمّمت نتيجة إفراط المزارعين في رشّ الأعشاب والمزروعات بالمبيدات الحشريّة.
ينتج نحو ألف نحّال جنوبيّ، كبير ومتواضع، يربّون ما يفوق خمسين ألف قفير في مناطق الجنوب كافّة أكثر من خمسين طنًّا من العسل البالغ الجودة، المتعدّد النكهات والمصادر، من الربيعيّ إلى الجرديّ والسنديان، ويبيعون إنتاجهم في الجنوب والعاصمة بيروت، لا سيّما في المعارض التي تقام هنا وهناك، من معرض “أهل الدار” إلى معرض “أرضي” وغيرها. أمّا الكمّيّات التي يصدّرونها إلى الخارج، فتكاد لا تتجاوز الخمسة بالمئة.
النحّالون: “لسنا بخير”
يروي النحّال محمد قاروط “أبو عباس”، القاطن وعائلته في بلدة كفردونين الجنوبيّة، كيف غمرته فرحة عارمة حين زار قفران النحل التي يربّيها في بلدة البرغليّة قرب صُوْر (جنوب لبنان) قبل نحو نصف شهر، حيث كان النحل مشغولًا في تلقيح الأزهار، والموسم في أفضل حال. “لكنّني فوجئت في غضون أسبوع واحد، بأنّ النحل بدأ ينفق لأنّ حبوب اللقاح التي يتغذّى عليها باتت سامّة وقاتلة”.
يمتلك قاروط 35 قفير نحل في البرغليّة، تقدّر خسائره جراء تسمّم النحل بين ستّة وسبعة آلاف دولار أميركيّ، وذلك من دون احتساب موسم العسل، “سيذهب محصول العسل للتلف، لن أبيعه مسمومًا للناس. بتقديري خسرت نحو 300 كيلو عسل، وهذه خسارة كبيرة جدًّا بالنسبة إليّ” يقول قاروط، الذي يعتاش منذ أكثر من 20 عامًا من مدخوله في تربية النحل، إلى جانب عمله في إحدّى مؤسسات الدولة (غبّ الطلب)، وهنا نتحدّث عن بدل أتعاب منخفض جدًّا، تمّ رفعها راهنًا إلى 11 مليون ليرة لبنانيّة، أيّ ما يعادل 122 دولارًا، وهو راتب متدنٍّ جدًّا لا يكفي تغطية تكاليف الحاجات الأساسيّة له ولعائلته ولأيّ شخص في لبنان.
يخشى قاروط راهنًا، خسارة ما تبقّى لديه من النحل. عنده قفران في بلدة العبّاسيّة وأخرى في كفردونين حيث يقيم، يقول لـ”مناطق نت”: “كان يفترض بي أن أنقل تلك الموجودة في كفردونين إلى الساحل، لكن من حسن حظّي أنّني تأخّرت في ذلك، وإلّا لكنت خسرتها أيضًا، والخسارة هنا ستكون مضاعفة، ونحن نعيش في لبنان ظروفًا اقتصاديّة صعبة جدًّا، لم نعد نتحمّل فيها أيّ خسارات”.
لا ينسى قاروط تعداد البلدات التي وجد فيها النحّالون أنّ النحل الذي يربّونه قد نفق، ومنها: دير قانون والعبّاسيّة والبرغليّة وكفردونين. وعدّد كذلك أسماء نحّالين آخرين كثر متضرّرين في عدة مواقع في الجنوب، وفق الاحصاءات الأوّليّة لمربّي النحل الذين أجروا كشفًا، و”هذه الإحصاءات قابلة للارتفاع أكثر بعد أن يتسنّى لباقي النحّالين الوصول إلى المناحل الخاصّة بهم”.
أزمة قديمة- جديدة
هي أزمة طارئة، لكن يصح القول فيها إنّها قديمة- جديدة، “تضاف إلى أزمات أخرى كثيرة، يعاني منها مربّو النحل جنوبًا، خصوصًا في المناطق الساحليّة من الناقورة مرورًا بمدينة صور وضواحيها وصولًا إلى صيدا، وقد أثّرت بشكل سلبيّ على قطاع النحل والمربّين على حدّ سواء، من دون أن يتمكّن النحّالون من تبديل هذا الواقع”، وفق ما يؤكّده رئيس جمعيّة مزارعي ونحّالي لبنان المتجدّد علي شقير لـ”مناطق نت”.
“كنحّالين نعاني من عدّة مشاكل” يقول شقير، ويُعدّدها مختَزلةً بأربعة: “بداية نتحّدث عن معاناة النحّالين بسبب حوادث سرقة النحل، الأمر الذي حصل ويحصل في مناطق كثيرة من لبنان، وليس فقط في الجنوب. ومن ثمّ تبعات تصنيع واستيراد العسل المغشوش وبيعه بأسعار زهيدة، ما أثّر في منتوجات المزارعين المحلّيّة واضطرّهم إلى خفض أسعار السلع لديهم”.
ويتابع: “نعاني كذلك من مفاعيل الحرب المستجدّة على الحدود مع فلسطين المحتلّة، حيث تمّ تدمير وحرق عدد كبير من المناحل فخسر النحّالون بعضًا من أرزاقهم جراء القصف الإسرائيليّ هناك. ونعتبر مسألة رش المبيدات، من أزمات النحّالين المزمنة، وأثرها عليهم أكبر وأسوأ من جميع ما ذكرناه سابقًا، هي أشبه بمجازر تمارس بحقّ هذا القطاع”.
ويشرح شقير كيف وضع مرّبو النحل، كما في كلّ عام، مناحلهم في البرّيّة “حيث تتوافر أنواع مختلفة من الأشجار وبكثرة، ويتمّ نقلها عند بداية الموسم الشتويّ من الأعالي إلى الساحل، الممتدّ من صيدا إلى الناقورة التي تنتشر على طولها بساتين الحمضيّات والأفوكا وغيرها من المزروعات.
ليتفاجأ النحّالون بالكارثة التي حلّت بهم، حين أقدم بعض المزارعين على رشّ المبيدات بنسب مرتفعة، كون الحشرة التي تصيب المزروعات راكمت مناعة على الأدوية السابقة، وهذا ما تداوله مزارعون في وقت سابق”.
سبّب رشّ المبيدات بنفوق 950 رأس نحل، وفق شقير، الذي يعتقد “أنّ هذا الرقم قابل للارتفاع كون عدد الذين أجروا الكشف حتّى اليوم بلغ 26 نحّالًا فقط لا غير”. والأسوأ برأيه “أنّ هذه الأرقام، تضاف إلى حوالي ألف قفير أيضًا لنحّالين فقدو قفرانهم في نحو 30 قرية على الحدود بسبب الحرب الدائرة هناك، وبسبب رمي القذائف الفوسفوريّة، وبالتالي لن يتمّ الاقتراب منها بعد الآن”.
“لطالما رفعنا الصوت”
في خلال السنوات الثلاث الماضية، حاول النحّالون التواصل مع المعنيّين، في وزارتي البيئة والزراعة، وعلى مستوى البلديّات. وعقدوا لقاءات وجلسات مع المزارعين، حتّى أنّهم نفّذوا اعتصامات وتحرّكات عديدة، “لكن من دون جدوى” يقول شقير ويردف: “أخبرناهم أنّ مسألة رش المبيدات مشكلة يجب حلّها بأقصى سرعة، لأنّها تقضي على قطاع كامل، ولكنّ الدولة بوزاراتها المعنيّة، وبدل مراقبة الأدوية التي تدخل البلاد ومنع رشّها عشوائيًّا حتّى لا تقضي على كامل الحشرات بما فيها النحل، وقفت عاجزة عن قصد أو غير قصد، من دون فعل أيّ شيء، ونحن للأسف من يدفع الثمن”.
في المقابل، يؤكد النحّالون، أنّ رفع الصوت لا يعني وقف الرشّ كليًّا، “إنّما سيكون وفق أوقات محدّدة كي لا يكون عشوائيًّا، وأن يتمّ تبليغنا كيّ نتمكّن من نقل المناحل تفاديًا لتسمّمها”، أمّا البلديّات “فقلنا للمعنيّين فيها أنتم أمام ثلاثة حلول لتفادي هذه المجزرة، إمّا رشّ المبيدات حين يكون العشب صغيرًا، أو بعد أن يزهر، أو من خلال قصّه كلّيًّا، وكلّ هذه الحلول تؤدّي إلى الغاية المرجوّة، وهي إزالة العشب عن الطرقات، لكن للأسف لا آذان صاغية لنا” يختم شقير.
كذلك ناشد النحّالون وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عبّاس الحاج حسن “العمل على معالجة الأزمة هذه التي تهدّد عائلات بأكملها في رزقهم ولقمة عيشهم”.
ماذا عن الجهات المعنيّة؟
في هذا السياق، تتابع وزارة الزراعة ما يجري راهنًا، وتوضح مصادرها في حديث مع “مناطق نت” نقطتين أساسيّتين: “الأولى هي أنّ الوزارة وفق صلاحّياتها المتاحة، دورها إرشاديّ بالنسبة إلى المزارعين والنحّالين على حدّ سواء، وهي لطالما حاولت مع الطرفين من أجل الحؤول دون الوقوع في مثل هذه الخسارات. أمّا النقطة الثانية، فهي أنّ على النحّالين التنسيق أيضًا مع المزارعين الذين يضعون نحلهم ضمن نطاق عقاراتهم من أجل تفادي ما يحصل، وهو أمر تكرّر في مرّات سابقة”.
ولا تنفي مصادر الوزارة “أنّ بعض المزارعين يخالفون النسب المفروضة في رشّ المبيدات ويفرطون في استخدامها لأسباب تجاريّة، لكنّ الوزارة بإمكاناتها المتوافرة لا يمكنها منع مثل هذه الممارسات بتاتًا، لا سيّما لجهة شراء واستخدام المبيدات التي يجري تهريبها، وهي ممنوعة، وبعض المزارعين يسعون إلى شرائها إمّا لعدم توافر الخبرة لديهم، أو لكسب مادّيّ من دون أو يوقنوا أنّهم يعرّضون مزروعاتهم لترسّبات مضرّة، ويهيّئون بيئة مقاومة لمثل هذه المبيدات على المدى الطويل. وبالتالي، فإنّ الخيار الأفضل يكون بالتنسيق بين المزارعين والنحّالين من أجل الحفاظ على النحل ومنع تضرره”.
لا خوف على صحة الناس؟
“من حيث الخسارة الكبرى، فإنّ المبيدات تؤثّر أوّلًا ومباشرة على النحّال وكمّيّات العسل الكبيرة التي يتمّ تلفها، هذا هو التأثير الكبير الذي ننطلق منه للحديث عن هذه المشكلة”، يقول الدكتور داني العبيد وهو استاذ جامعيّ وخبير تربية النحل لـ”مناطق نت”.
ويضيف: “في حال انتقلت هذه المواد إلى الشمع والعسل، فإنّها تكون بكمّيّات جدًّا قليلة ولكنها متراكمة، عندها لا يجب وصفها بقنبلة ضرر حتّى لا يخاف الناس منها ، لكن في نفس الوقت، هي ليست صحّيّة بل مسيئة ولو كانت بكمّيّات قليلة، لأّنها مادّة كيميائيّة وشائبة، ولأنّ معظم الذين يتناولون العسل في لبنان على الأقلّ، هم إمّا مرضى، أو مسنّون، أو بعمر صغير، أو لتقوية ضعف يعانون منه؛ وبالتالي يكون هنا الأثر مضاعفًا على من يتناولونه لأسباب صحّيّة”.
في بيان نشر نهار الخميس في 28 كانون الأوّل/ ديسمبر 2023، ناشدت نقابة تجمّع مزارعي الجنوب، ومسؤول وحدة النقابات في منطقة جبل عامل الأولى في “حزب الله” ونقابة مربّي النحل في الجنوب “المزارعين عدم رشّ المبيدات الحشريّة إلّا بعد إعلام نقابة مربّي النحل في الجنوب على الأرقام الآتية: 03753823-71359684 والإبلاغ عن المنطقة الجغرافيّة المستهدفة بالرشّ ليقوم على أثرها إبلاغ أصحاب القفران القيام بالإجراءات المناسبة لحمايتها.
حنان حمدان – مناطق نت