أولويات أميركا وروسيا وفرنسا في 2019.. ماذا يُحضّر للبنان والشرق الأوسط؟
صحيفة “الشرق الأوسط” سألت 3 خبراء بارزين من أميركا وروسيا وفرنسا هذين السؤالين اللذين سيترك الجواب عليهما أثرا في مستقبل العالم العربي.
كتب السفير الأميركي السابق لدى الجزائر وسوريا روبرت فورد: “إذا كنت تسأل نفسك ما الذي سيحدث لأميركا في 2019، فأفضل إجابة هي أن أميركا ستفكر في 2020 أكثر مما تفكر في 2019″، إذ إنه من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة خلال 22 شهرا، وبحلول منتصف 2019 ستبدأ الحملة الانتخابية الأميركية. يجب أن تبدأ كل التحليلات الخاصة بوضع أميركا في 2019 من تلك النقطة.
أما بالنسبة إلى روسيا، فإن فيتالي نعومكين رئيس “معهد الاستشراق” التابع لأكاديمية العلوم الروسية في موسكو، يقول إن السنة التي حلت “ستكون بالنسبة إلى روسيا سنة إمكانيات جديدة ومصاعب في آن واحد. وكلاهما يتطلب منها الاستمرار بسياسة خارجية مرنة وناشطة، وبالدرجة الأولى في تلك المناطق من العالم التي تشغل أماكن متقدمة ضمن قائمة الأولويات الروسية بما فيها الشرق الأوسط“.
ويرى أن سوريا سبتقى “نقطة استناد مهمة بالنسبة إلى موسكو حيث استطاعت الأخيرة تحقيق جزء كبير من الأهداف التي وضعتها أمامها بما فيها تقدم كبير في بسط سيطرة دمشق على أراضي البلاد والقضاء على العصابات الإرهابية وعودة اللاجئين والنازحين وحتى بدء إعادة بناء الاقتصاد وعملية عودة دمشق إلى البيت العربي”. بالتوازي مع استمرارها في مساندة محادثات جنيف، تواصل موسكوتطوير صيغة آستانة، معطية اهتماماً خاصاً لتطوير تعاونها مع “الدول الضامنة” أي تركيا وإيران و(روسيا).
من جهته، يسأل السفير الفرنسي الأسبق في فرنسا ميشال دوكلو: “ما الخطأ الذي ارتكبه الرئيس مانويل ماكرون في عام 2018؟ وإلى أي مدى تؤثر الأحداث الجارية في فرنسا على وضعها الدولي؟ ما المتوقع لفرنسا والمتوقع منها في عام 2019؟”. ويجيب أن تظاهرات “السترات الصفراء” دفعت ماكرون للشعور بالضآلة، والأيام القادمة ستوضح ما إذا كان سيركز جهده على الداخل على حساب دور فرنسا الخارجي، أم أن الاضطرابات الداخلية ستزيد من قناعاته بأهمية تعويض ذلك بتعزيز الدور الخارجي لفرنسا.
– فيتالي نعومكين : سنة الفرص والتحديات لروسيا
السنة التي حلت ستكون بالنسبة إلى روسيا سنة إمكانيات جديدة ومصاعب في آن واحد. وكلاهما يتطلب منها الاستمرار بسياسة خارجية مرنة وناشطة. وبالدرجة الأولى في تلك المناطق من العالم التي تشغل أماكن متقدمة ضمن قائمة الأولويات الروسية بما فيها الشرق الأوسط.
عقوبات الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية ومحاولات جر موسكو إلى سباق تسلح جديد هدفها إضعاف روسيا وإعاقتها في دفاعها عن مصالحها ومصالح حلفائها في المناطق المختلفة من العالم. الإنجازات الروسية الأخيرة في الصناعات الدفاعية وبالدرجة الأولى صناعة منظومات مختلفة من الأسلحة فوق الصوتية تعطيها القدرة عبر مشاريع فعالة وغير مكلفة على تفادي التهديدات العسكرية الجديدة. ورغم العقوبات المفروضة فلا تزال أنظمة التسليح الروسي مطلوبة في الأسواق العالمية.
مع ذلك ستضطر موسكو في سياستها الخارجية لأخذ وجود القيود بالحسبان. بالنسبة إلى الشرق الأوسط يمكن أن تصبح هذه السنة التي حلت سنة تغييرات جدية، فإن روسيا ستتبع سياسة تحافظ فيها على مبادئ محددة، على سبيل المثال – احترام السيادة ووحدة أراضي الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية والتعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف، والحفاظ على الاستقرار… وتتناغم مع البراغماتية والتي من ضمن عناصرها “الانتهازية البناءة”. أما الأخيرة، فهي لا تعني “سياسة التهام كل شيء” وعدم التمييز ولكنها تفترض الجاهزية للتعاون مع أطراف مختلفة (بما في ذلك المتصارعة فيما بينها)، في حال تناسب هذا مع مصالحها. بشكل عام يمكن توقع توسع دائرة شركاء روسيا في المنطقة على خلفية تصرفات واشنطن التي لا يمكن التنبؤ بها. في الوقت نفسه، لن تحاول موسكو إزاحة واشنطن أو استبدالها وهي ليس لديها الموارد الكافية لذلك مقارنة بأميركا وتسعى لتجنب الانجرار إلى الصرعات.
تبقى سوريا نقطة استناد مهمة بالنسبة إلى موسكو حيث استطاعت الأخيرة تحقيق جزء كبير من الأهداف التي وضعتها أمامها بما فيها تقدم كبير في بسط سيطرة دمشق على أراضي البلاد والقضاء على العصابات الإرهابية وعودة اللاجئين والنازحين وحتى بدء إعادة بناء الاقتصاد وعملية عودة دمشق إلى “البيت العربي”. بالتوازي مع استمرارها في مساندة محادثات جنيف تواصل موسكوتطوير صيغة آستانة معطية اهتماماً خاصاً لتطوير تعاونها مع “الدول الضامنة” أي تركيا وإيران و(روسيا).
سيشكل انسحاب القوات الأميركية من سوريا أحد التحديات الجديدة على المسار السوري في سنة 2019. في موسكو يحللون جميع الاحتمالات لتداعيات هذه التغيرات في اللعبةgame changer عليها وعلى الوضع في سوريا. لقد لفت انتباههم هنا أقوال بعض المحللين الأميركيين بما فيهم العقيد المتقاعد دوغلاس ماغريغور والذي صرح على الهواء عبر “فوكس نيوز” أن انسحاب القوات الأميركية هو “خطوة ماكرة” تهدف إلى توتير العلاقات بين روسيا وحلفائها أي إيران وتركيا وكذلك بينها وبين المتمردين السوريين ممن تجري معهم حواراً مثمراً. ففي حال سمحت موسكو للقوات التركية بأن تقوم باجتياح واسع في عمق الأراضي السورية لتوجيه ضربة للأكراد فهذا سيوتر علاقاتها مع دمشق. وبكلمات أخرى إن انسحاب الأميركيين موجه كي يضع روسيا أمام خيار صعب.
– روبرت فورد : الأميركيون مشغولون بانتخابات 2020
إذا كنت تسأل نفسك ما الذي سيحدث لأميركا في 2019، فأفضل إجابة هي أن أميركا ستفكر في 2020 أكثر مما تفكر في 2019. من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة خلال 22 شهرا، وبحلول منتصف 2019 سوف تبدأ الحملة الانتخابية الأميركية. يجب أن تبدأ كل التحليلات الخاصة بوضع أميركا في 2019 من تلك النقطة.
هناك نقطة أخرى مهمة، وهي أنه مع مغادرة جيم ماتيس منصبه وزيرا للدفاع، يتحكم الرئيس دونالد ترامب فعليا في سياسة الأمن القومي الأميركي. ويبقى وزير الخارجية مايك بومبيو الذي تقبل أمرا من ترمب، وأخطر ماتيس بأن على وزير الدفاع الاستقالة من منصبه فورا. كذلك يتحكم ترامب تماما في الحزب الجمهوري؛ لذا ستركز انتخابات 2020 عليه، وفي المقابل ستتمحور أكثر أفكار ترمب حول السياسة الداخلية.
ستكون السياسة الداخلية في واشنطن خلال عام 2019 أشبه بفيلم سياسي، كان المشهد الأول فيه هو مغادرة ماتيس منصبه، والمشهد الثاني هو الصراع على الموازنة الذي أدى إلى إغلاق المكاتب والهيئات الحكومية إلى أجل غير مسمى. سيتضمن الفيلم المزيد من المغامرات والمعارك، وستكون أهم المعارك السياسية التحقيقات التي يجريها مجلس النواب الذي يسيطر عليه حاليا الحزب الديمقراطي. ويمكننا أيضا توقع قصص تتعلق بأعمال ترمب التجارية. إلى جانب ذلك، سينشر المحقق روبرت مولر تقريره النهائي بشأن ترمب وروسيا. إذا فتحت نافذة منزلك في أوروبا والشرق الأوسط أتوقع أن تتمكن من سماع الصراخ القادم من واشنطن.
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى العلاقات الأميركية مع الشرق الأوسط والعالم خلال عام 2019؟ أولا لن ينتقد أحد في واشنطن إسرائيل نظرا للتنافس السياسي الداخلي الحاد. لا تنتظر خطة من ترمب بشأن النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. كذلك لن يعترض أحد في واشنطن على الممارسات الإسرائيلية ضد إيران وحزب الله في لبنان وسوريا، فترامب شخصيا لا يريد حربا مع إيران، ويأمل هو وبومبيو في أن تجبر العقوبات الاقتصادية والضغط الاقتصادي إيران على الامتناع عن التدخل في كل من سوريا واليمن ولبنان والخليج. إذا تحدت إيران القوات الأميركية على سبيل المثال في مياه الخليج العربي، فسيرد الأميركيون ردا عسكريا، لكن لن يبادر ترامب ويشعل شرارة حرب مع إيران، فقاعدته السياسية في أميركا تعارض وترفض تلك الحرب.
ربما يتساءل بعض القرّاء ما إذا كان سيصبح لكل من روسيا والصين نفوذ في المنطقة أم لا. أرجو أن يصدقوا أن ترامب وقاعدته السياسية لا تهتم بالأمر، فأكثر ما يثير قلق ترامب بشأن الصين هو الاقتصاد، حيث تؤثر الحرب التجارية محدودة النطاق بين كل من أميركا والصين على المدن الأميركية، كما تؤثر على قطاع الزراعة.
ومع اقتراب عام 2020 ستزداد أهمية الاقتصاد. وفي الوقت نفسه لن يحاول ترامب التنافس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الشرق الأوسط. لن يزعج تنامي النفوذ الروسي في كل من سوريا، وليبيا، ومصر، وحتى العراق، بل على العكس سيكون سعيدا وراضيا إذا أصبحت صراعات الشرق الأوسط مشكلة روسيا بدلا من كونها مشكلة أميركا. هل يذكركم ذلك بأوباما في عام 2015؟
– ميشال دوكلو : فرنسا في مرحلة “بعث جديد”… وماكرون يركز على الخارج
ما هو الخطأ الذي ارتكبه الرئيس مانويل ماكرون في عام 2018؟ وإلى أي مدى تؤثر الأحداث الجارية في فرنسا على وضعها الدولي؟ ما هو المتوقع لفرنساوالمتوقع منها في عام 2019؟
استفاد الرجل الذي انتخب في أيار 2017 من مزيج الحظ الوافر والحس السياسي السليم. فالغالبية العظمى من الشعب الفرنسي أرادت الخلاص من الطبقة القديمة من السياسيين الذين فشلوا في إيجاد حلول عملية لتحديات العصر. وماكرون كان فطناً بما يكفي ليقدم نفسه بوصفه الوافد الجديد، وصور نفسه على أنه التكنوقراطي المتمكن، وهي الصورة التي تروق كثيراً للناخب الفرنسي.
اللافت أن نقطة ضعف ماكرون المتمثلة في عدم انتمائه إلى حزب سياسي باتت نقطة قوته الأبرز، وكان فطناً أيضاً بما يكفي لأن يدرك أن الناخبين ليسوا مستعدين بعد لمساندة اتجاه راديكالي بحت، خصوصاً تبني فكرة “فريكسيت” على غرار “بريكسيت” عندما أرادت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي. لعب ماكرون دور التكنوقراطي البراغماتي، المناصر لأوروبا والمناصر للعولمة، ذلك على الرغم من إيمانه الراسخ بالتقاليد القومية واحتفائه بأمجاد فرنسا وبفكرة تنصيب رئيس أشبه بـ”ملك منتخب”.