رقصة عائلية على جسد الكتائب العليل
يبدو أنّ انعقاد المؤتمر العام لحزب الكتائب، المرتقب في شباط 2019، لن يمرُّ بهدوء، في ظلّ تصاعد خلافات “أهل البيت”، آل الجميل تحديداً. في العلن والظاهر، يقود النائب نديم الجميل “ثورة” المعارضة ضدّ سلطة رئيس حزبه، النائب سامي الجميل. ويحمل “شُعلة” المطالبة بالإصلاح الحزبي، ومحاسبة المفسدين الحزبيين. أمّا في المكتوم والمضمر، فثمّة من يقرأ بـ “ثورة نديم”، أهدافًا أعمق من التي يثيرها في الإعلام، وأنّ “غايته” هي التوسّع والتمدّد داخل السلطة الكتائبيّة، في الانتخابات الحزبيّة المنتظرة، على حساب ابن عمّه سامي. وهذا ما يدفعه إلى استخدام “وسائل” غير مشروعة، وفق المعايير والمبادئ الحزبيّة.
طعون واتهامات
ما أن أعلن سامي الجميل تقديم موعد انعقاد المؤتمر العام إلى شباط 2019، أيّ قبل سبعة أشهر من موعده العادي، وما تبعه كردّ فعلٍ تمثل باستقالة ثلاثة أعضاء من المكتب السياسي لحزب الكتائب (شادي معربس وأسعد عميرة وعبد الله ريشا)، حتى رفع نديم جميل نبرة اعتراضه على القيادة إلى حد “الانتفاضة”. الأسبوع الماضي، قدّم نديم إلى الأمين العام لحزب الكتائب نزار نجاريان، ما أسماه بـ”الدراسة القانونيّة”، يطعن فيها بشرعية المؤتمر العام للحزب، مع تقديم اقتراح خطة إنقاذية.
هذه “الدراسة”، كانت مُطعمةً باتهامات مبطنة وجهها نديم لابن عمه سامي، حول المسار الذي ينتهجه الحزب، والذي قد يعرضه لـ”طعون بموضوع المؤتمر، ومراجعات قضائية، تبطل قراراته وتحول دون انعقاده”. وفي مطالعته القانونيّة، طرح النائب الصاعد علامات استفهامٍ مريبة، حول طريقة الإنفاق وتوزيع الأموال ومصادر التمويل ومسار الحزب المالي، في السنوات الأربعة الأخيرة. ومن جملة المسائل التي طرحها، أنّ المؤتمر لا يمكن أن يكسب شرعيته من دون عرض حسابات الحزب المالية، فيما هو لم يقرّ الموازنة الماليّة لأربع سنوات خلت. أمّا ما وضعه نديم في خانة “معارضة النظام العام والأنظمة الحزبية”، فكان باعتراضه على إصدار سامي الجميل قرارًا بإعفاء الأعضاء من الإشتراكات الحزبية. وقد اعتبر ذلك ضربًا لمبدأ المساواة في الحزب، من حيث الاستنسابية وعدم الشمولية، وأنّه يتعارض مع النظام العام، والأنظمة الحزبية، ونظام الانتخابات، والاشتراكات، وانتخابات المندوبين.
“إعاشات” نديم في جبيل!
لكن، ماذا يفعل نديم الجميل في المقابل؟ يضع الكتائبيون، الذين يميل معظمهم لجبهة رئيس حزبهم سامي، علامات استفهام حول ما يرمي نديم الوصول إليه، وهو يسعى للظهور في هالة “البطل” الإنقاذي، الغيّور على مصلحة حزبه حاضرًا ومستقبلًا.
وبعيدًا عن إدراج التساؤلات في إطار “نظرية المؤامرة”، تشير معلومات خاصة بـ”المدن”، أنّ نديم يحثُّ على تقديم نوع من “الرشى” للمواطنين الكتائبين في إقليم جبيل، حيث يجري توزيع صناديق الإعاشات تحت غطاء “مناسبة عيد الميلاد”. ومن يقوم بتوزيعها – وهنا المشكلة – هما شخصان ط. ب. و و.ص. مرشحان للانتخابات في الإقليم، يسعيان للتسويق لأنفسهما ولنديم من خلال هذه العطايا. وحسب النظام الحزبي، تنتخب القاعدة الشعبية المرشحين في المناطق، ليكونوا مندوبين في المؤتمر، يقومون بانتخاب القيادات الحزبية ورئيس الحزب. وما يفعله نديم، الذي تقتصر حيثيته الشعبية في الأشرفية وجبيل، هو سعيه لهذا النوع من التسويق تفاديًا للفشل الذي يواجهه باختيار المندوبين في جبيل.
وحسب المعلومات نفسها، فإنّ نديم الجميل، الذي يسعى لإدخال أكبر عددٍ من المندوبين إلى المؤتمر، حتّى يكون مشاركًا حقيقيًا في اختيار القيادة، يقوم بتنسيق حملته الشعبية “سرًّا” مع الوزير السابق سجعان قزّي، الذي طُرد من حزب الكتائب في العام 2016، ومع الصحافي بيار عطا الله، الذي ترك الحزب وكان مرشحًا لرئاسته ضدّ سامي الجميل. هذه التنسيقات “البرانيّة”، قد تضعها قيادة الحزب في سياق “الطعن بها”، طالما أن نديم يحاول توسيع شعبيته عبر جذب المتمردين على الحزب والمطرودين منه، الذين يضمرون الثأر و”المكيدة” لسامي الجميل.
صفعة الانتخابات
شرارة إنتفاضة نديم ضدّ شريك “التركة” سامي، اشتعلت منذ العام 2015، قُبيل أشهر من انعقاد المؤتمر العام، الذي انتقلت على إثره السلطة الحزبية من الرئيس أمين الجميّل إلى ابنه سامي. ورغم أنّ نديم خاض في ذلك الوقت مواجهة علنيّة ضدّ ابن عمّه، وسعى لجذب الكتائبيين في المناطق والأقاليم، بغية مبايعته ووضع امكاناتهم في تصرفه، إلا أن المواجهة انتهت حينها، بالاتفاق على أن تكون لنديم حصّة في المكتب السياسي، تتألف من 3 أعضاء، هم: أسعد عميرة، جورج شعنين والياس الأسمر.
غير أنّ “نار” نديم ما أن تخمد حتّى تشتعل من جديد. ولعلّ “صفعة الانتخابات” (النيابية) التي تلقاها حزب الكتائب، والتي آلت إلى خسارة مدوية أخرجته من المعادلة السياسية – المسيحية، ومن الحكومة، كانت مفصلًا أساسيًا في ترسيخ الشرخ بين رئيس الحزب وابن عمّه “الطموح”. فهذه الخسارة الانتخابية، التي قلّصت كتلة الكتائب من 5 إلى 3 نواب، واقتصرت على ضمّ الياس حنكش ونديم الجميل إلى جانب سامي الجميل، سبق أن رُبطت بثلاث نقاط، هي: عدم إعطاء الأولوية للخطاب المسيحي، المبالغة في التعويل على التحالف مع المجتمع المدني، وعدم تقديم الحزب لمرشحين لديهم الحضور والثقل الشعبي.
“سكرة” الخسارة، التي يبدو أنّ حزب الكتائب لم يصحُ منها بعد، لا تزال ارتداداتها مستمرة، وهو ما قد يسعى نديم الجميل إلى استثماره لمصلحته حزبيًا وشعبويًا. وهو تجلى أخيرًا في طرحه مسألة، تستدعي بنظره حسابًا حزبيًا، حول صرف معظم الأموال الانتخابية في المتن الشمالي على حساب الأقضيّة الأخرى.
تكتّم قيادي
عمليًا، تربط أوساط حزب الكتائب تقريب موعد انعقاد المؤتمر بورشة التعيينات، التي يقوم بها الأمين العام، وبالتحضير لوضع وثيقة سياسية جديدة، تعيد ترتيب وضع “الكتائب” ومواقفه، وموقعه المعارض من السلطة. لكن، ما موقف الحزب من “مواقف” نائبه “الثورية” ضدّ قيادته؟
يبدو واضحًا أنّ قيادة الحزب تتفادى الدخول في سجالات إعلاميّة مع نديم الجميل. وفي اتصالٍ مع “المدن”، يشير نائب رئيس حزب الكتائب رفيق غانم، أنّ الأمور داخل الكتائب تسير وفقًا لنظام الحزب، ولا يوجد أيّ مخالفة قانونية، لا بالأمور الماليّة، ولا بالأمور التنظيمية، ولا بتقريب موعد انعقاد المؤتمر في شباط 2019. بيد أنّ ذلك يعدُّ نوعًا من الردّ غير المباشر على اتهامات نديم. لكنّ غانم يرفض التعليق عند سؤاله عن رأي الحزب بتصريحات نديم الاعتراضية والاتهامية، باعتباره “منهم وفيهم”. إذ يكتفي بجوابٍ ديبلومسي، يصف فيه مواقف نائب الأشرفية من آل الجميل، بـ”نوع من تعدد الآراء والديموقراطية التي تتجلى بأحلى أشكالها، داخل حزب الكتائب”.
– المدن