رحلة رعب الحريري في الرياض من ألفها الى يائها..

“رحلة رعب”.. هكذا وصف مسؤول لبناني رفيع محنة احتجاز رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، في العاصمة السعودية الرياض، قبل نحو عام، وإجباره على تقديم استقالته على الهواء مباشرة، تراجع عنها لاحقا عقب إطلاق سراحه وعودته لبيروت.

المسؤول اللبناني الرفيع، الذي رفض الكشف عن هويته، كشف تفاصيل لم تنشر من قبل، عن عملية الاحتجاز التي تعرض لها “الحريري”، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

ولفت المسؤول، وفق ما نقل موقع “عربي 21” عنه، إلى أن البداية كانت، في 1 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، عندما عاد “الحريري” إلى بيروت، قادما من الرياض؛ حيث اجتمع حينها مع ولي العهد محمد بن سلمان، ومستشاره الأبرز وزير الدولة لشؤون الخليج العربي “ثامر السبهان”.

حينها، نقل “الحريري” لمجلس الوزراء اللبناني حيثيات الزيارة، وأكد أن الدعم السعودي للبنان “سيستمر”، وأن وجود “حزب الله” لن يؤثر في الموقف السعودي”، وأنه سيعود للاجتماع مع الملك “سلمان بن عبد العزيز”، في الـ6 من الشهر ذاته.

 

وأضاف المصدر، “يوم الجمعة 3 نوفمبر/تشرين الثاني، تلقى الحريري أثناء وجوده على مائدة غداء، أقامها في قصره ببيروت، على شرف وزيرة الثقافة الفرنسية، اتصالا هاتفيا من الديوان الملكي السعودي، يطلب منه الحضور فورا للرياض، للقاء ولي العهد، وقضاء عطلة نهاية الأسبوع معه”.

اضطر الحريري إلى الاستئذان من ضيوف المائدة، والمغادرة فورا بطائرته الخاصة، مصطحبًا معه مرافقيه الأمنيين فقط، دون أيّ شخصيات أخرى، بناءً على تعليمات نبه عليها الاتصال، حسب ما ذكر المسؤول اللبناني.

وصل الحريري، مساء اليوم ذاته، إلى مطار الملك خالد بن عبدالعزيز في الرياض، وقبل نزوله ومرافقيه من الطائرة الخاصة، صعدت مجموعة من رجال الأمن إليها، وقاموا بمصادرة جميع الأجهزة الذكية لدى الحريري ومرافقيه من هواتف وساعات وأجهزة لوحية، ثمّ تم إبلاغ الحريري بأن عليه التوجه إلى فيلا خاصة للإقامة فيها، تمهيدًا للقاء ابن سلمان صباح اليوم التالي (السبت)، وخيّروه بالنسبة لتوزيع المرافقين، فاختار أن يذهب أربعة مرافقين يرأسهم الضابط محمد دياب إلى منزله، حيث تقيم زوجة الحريري ونجله عبدالعزيز وابنته لولوة، في حين اختار أن يبقى معه رئيس حراسته (عبد العرب)، وأحد مساعديه الشخصيين”.

إجبار على الاستقالة

في وقت مبكّر من صباح السبت، ذهبوا به إلى فيلا أخرى، وجد فيها الوزير “السبهان” بانتظاره، حسب المصدر، حيث قابله مقابلة “سيئة ومهينة جدا، ووجّه له إهانات ووبخه على موقفه المهادن لإيران وحزب الله، واتهمه بأنه باع لبنان للمحور الإيراني، خلافًا لما وعدهم به، وأنهم يطلبون منه باعتباره مواطنا سعوديا، تقديم استقالته، وأعطاه نصّ الاستقالة، طالبا منه الدخول إلى غرفة فيها كاميرات التصوير، وتلاوة بيان الاستقالة هناك”.

وتابع المسؤول: “حاول الحريري التملص، وطلب مقابلة ابن سلمان، لكن السبهان أبلغه أن عليه التنفيذ دون اعتراض، وأنه لن يقابل ولي العهد، وأنه مخيّر بين أمرين: إما التنفيذ، وإما الانضمام إلى الأمراء ورجال الأعمال المعتقلين بفندق الريتز كارلتون”.

وهنا طلب الحريري مهلة للتفكير، فتم إدخاله لغرفة شبه فارغة من الأثاث حيث جلس فيها مع مرافقه الخاص على الأرض، وأخذ مدة زمنية فكر فيها بالأمر، ووجد أنه “لا مناص من تلاوة بيان الاستقالة”، حسب المصدر.

تلا الحريري الاستقالة كما ظهرت على الشاشات، وكان ذلك مفاجئًا لجميع الأطراف المعنية؛ حيث انتشرت بعدها مباشرة شائعات كثيرة تشير إلى أن الاستقالة تمت تحت الإكراه.

مقابلات شكلية

واستطرد المصدر أن “ابن سلمان قام للتغطية على الحدث، بترتيب مقابلة شكلية مع الحريري مع الملك سلمان في قصر اليمامة صباح 6 نوفمبر/تشرين الثاني، لم تتجاوز 5 دقائق”.

وأضاف: “تم ترتيب لقاء شكلي آخر مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، حيث قام الحريري بزيارة أبوظبي، وكانت الزيارة عملية إهانة له، لأن علاقة ابن زايد والحريري سيئة ومتوترة، وكان غريبًا أنه لم يجر أي حديث بينه وبين ابن زايد، وإنما عملية تصوير ليس أكثر”.

كما رتّبت عدة زيارات شكلية قام بها سفراء أوروبيون في الرياض لمنزل الحريري واللقاء معه، ومنهم السفير الفرنسي “فرنسوا غوييت”، والقائم بالأعمال الأمريكي “كريستوفر هينزل”، والسفير البريطاني “سايمون بول كوليس”، ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في الرياض “ميملي سيرفوني دورسو”.

ولفت المصدر إلى أن السفراء أبدوا استغرابهم من شكل الإجراءات الأمنية بمنزل الحريري، إلى جانب تعبير بعضهم عن ارتيابه وعدم راحته أثناء حديث الحريري، وشعورهم أن هناك ما هو خارج المقابلات الطبيعية.

في هذه الأثناء، طلب الضابط المسؤول عن مرافقة الحريري، وهو محمد دياب، الإذن له بالعودة إلى بيروت؛ نظرا لمرض والدته، وتمت له الموافقة.

هنا، طلب الحريري منه الذهاب فورا إلى “القصر الجمهوري” لإبلاغ الرئيس اللبناني “ميشال عون” بحيثيات ما جرى، والتصريح له بأن ما جري معه هو عملية “احتجاز قسرية”، وأن استقالته تمت تحت الإكراه، طالبا من الرئيس عون رفض الاستقالة، حسب المصدر.

وبالفعل، عاد دياب إلى بيروت، وتوجه فور وصوله مطار بيروت الدولي، مباشرة لقصر الرئيس اللبناني، وقدم له الرواية الكاملة بشأن ما جرى منذ استدعاء الحريري من بيروت، حتى ملابسات احتجازه.

وأضاف المصدر: “هنا أصبحت عملية احتجاز الحريري مؤكدة رسميا لدى الدولة اللبنانية؛ ما دفع بعون لإيفاد وزير الخارجية جبران باسيل على وجه السرعة إلى باريس، حيث التقى هناك بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء إدوارد فيليب، إضافة لوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني”.

على إثر هذا اللقاء، أصدرت “موغريني” تصريحا لافتا، شددت فيه على وجوب عودة الحريري للبنان برفقة عائلته.

تدخل فرنسي

وعن التدخل الفرنسي، قال المصدر اللبناني لـ”عربي 21″ إن الإليزيه لم يصدر أية تصريحات رسمية، فاتحًا المجال أمام اتصالات دبلوماسية ووساطة هادئة لإنهاء الأمر، حيث أوفد الرئيس الفرنسي وزير خارجيته “جان إيف لودريان”، إلى الرياض رسميا، كما أوفد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في مهمة مماثلة لكنها لم تكن معلنة.

وأضاف المصدر: “حين فشلت محاولات الوساطة الفرنسية، بدأ الرئيس عون التصعيد السياسي، فأعلن أن الحريري محتجز بالرياض وموقوف هناك، ووضعه يعد انتهاكا لحقوق الإنسان والمعايير الدبلوماسية”، معتبرا ذلك “عملا عدوانيا ضد لبنان، وأنه إذا لم يفرج عن رئيس الحكومة، سيجري تدويل القضية والذهاب بها لمجلس الأمن”.

في هذه الأثناء، تصاعدت الضغوط الأوروبية؛ حيث اتصلت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” بعون، معلنة الوقوف إلى جانب لبنان بضرورة إفراج السعودية عن “الحريري”.

كما أجرت باريس اتصالات بواشنطن مطالبة بموقف حازم؛ حيث دعمت الأخيرة جهود فرنسا، لكن دون تصدر إدارة الرئيس دونالد ترامب للمشهد.

ولفت المصدر إلى أن حصول فرنسا على الدعم السياسي الكامل لموقفها، دفعها للطلب من الرياض الإفراج الفوري عن الحريري، وإلا ستقدم شكوى رسمية لمجلس الأمن، وأن دولا صديقة للرياض من بينها مصر، ستصوت لصالح إدانة السعودية بالقرار.

وعن ختام “رحلة الرعب”، قال المصدر: “في النهاية وجد السعوديون أنفسهم أمام معركة خاسرة للتكتم على ما جرى، وهنا اشترطوا ذهاب الحريري لباريس كمحطة أولى بعد مغادرة الرياض”.

وتابع المصدر: “كما اشترطوا على الحريري عدم التراجع عن تقديم الاستقالة، والإبقاء على ابنه عبدالعزيز وابنته لولوة في الرياض”.

وأضاف المصدر: “هذه الشروط دفعت الحريري للتردد، وإبدائه الخشية على أبنائه لكونهم سيصبحون بمنزلة الرهائن، لكن الرئيس الفرنسي طمأنه على نجليه، وأن فرنسا ستطلب الإفراج عنهما، بوصفهما مواطنين فرنسيين في حال استمر احتجازهما”.

 

وبعد خروجه من الرياض متوجه لباريس، التي وصلها فجر 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، برفقة زوجته السورية الأصل “لارا”، كان قد سبقهما ابنه البكر “حسام”.

وبعد 4 أيام من مغاردته الرياض، عاد الحريري، إلى بيروت، بعد زيارتين خاطفتين إلى القاهرة ومن بعدها إلى قبرص، “التي استبدل فيها الحريري طائرته لدواعٍ أمنية”، حسب المصدر.

يشار إلى أنه بعد الواقعة بأكثر من 6 أشهر، قال “ماكرون” إن “الحريري” كان محتجزا في الرياض، وأنه تدخل لدى ابن سلمان، لمنع حصول “أزمة خطيرة” في لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!