ترامب يجر الصين إلى المعركة.. هكذا ستتحول الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم
انهارت أسس علاقة أميركا بالصين الأسبوع الماضي، وتلخَّصت التطورات الرئيسية الأخيرة في صعود النزعة الحمائية في الولايات المتحدة وتبنِّي الصين حكم الرجل الواحد.
أثناء الأربعين سنة الماضية، تبنَّى أكبر اقتصاديْن في العالم العولمة، استناداً إلى تفاهماتٍ حول كيفية تصرّف الآخر. افترض الصينيون أن الولايات المتحدة ستُواصل دعم التجارة الحرة، فيما اعتقد الأميركيون أن التحرر الاقتصادي في الصين سيؤدي في النهاية إلى التحرر السياسي، وفق ما ذكرت صحيفة فايننشيال تايمز الأميركية.
لكنَّ كلا الافتراضين تحطم الآن. ففي يوم الأحد 11 مارس/آذار صدَّق المؤتمر الوطني الشعبي الصيني تلقائياً ودون تفكيرٍ مسبق على تغييرٍ دستوري سيسمح للرئيس شي جينبينغ بالحكم مدى الحياة. وقبل ثلاثة أيام، أعلن الرئيس دونالد ترامب تطبيق تعريفاتٍ جمركية على الصلب والألومنيوم، وغرد قائلاً: “الحروب التجارية جيدة وسهلة الفوز”.
لكنَّ ثقة ترامب وحماسته جعلتاه يتجاهل المخاطر التي ينطوي عليها شن حربٍ تجارية، ولا تقتصر هذه المخاطر على النواحي الاقتصادية فحسب، بل ستزيد الحرب التجارية من احتمالية أن تتورّط الولايات المتحدة والصين في حربٍ حقيقية يوماً ما.
حتى الآن، قيَّدت الحاجة إلى إبقاء أسواق الغرب مفتوحة الطموحات الجيوسياسية لصعود الصين. لكن إذا تصاعدت النزعة الوطنية في أميركا، ستتغير حسابات الصين، وهناك احتمالية هائلة لأن تكون التعريفات التي فرضها ترامب ليست سوى البداية في حربٍ تجارية وشيكة.
كانت الإجراءات التي أُعلنت الأسبوع الماضي عالمية في طابعها، ولا تسبب أضراراً مباشرة نسبياً للصين، لكن من المرجح أن تستهدف التعريفات المستقبلية -خاصةً تلك التي تستهدف الملكية الفكرية- بكين على وجه التحديد، فبيتر نافارو المستشار التجاري للبيت الأبيض هو مؤلف كتاب “Death by China”.
يأتي تحدي أميركا الاقتصادي للصين في الوقت ذاته الذي تزيد فيه بكين الواثقة بقدراتها من تحديها الأيديولوجي والجيوسياسي لواشنطن. في ظل حكم شي، باشرت الصين برنامجاً طموحاً “لبناء الجزيرة” في بحر الصين الجنوبي لإعادة فرض مطالبها الإقليمية والبحرية، وكان الهدف الأوسع من هذه الخطوة هو إنهاء هيمنة الولايات المتحدة على غرب المحيط الهادئ، الذي يعد أهم الطرق البحرية التجارية في العالم.
وفي الوقت نفسه، تُروِّج الصين للسلطوية الجديدة، ليس فقط باعتبارها طريقة حكم مناسبة لها، لكن أيضاً باعتبارها نموذجاً عالمياً بديلاً للديمقراطية الغربية.
وبينما يتجه البلدان نحو نزاعٍ حول التجارة، والأراضي، والأيديولوجيا، فمن المرجح أن يزداد الشعور بعدم الإنصاف عند كلا الجانبين، إذ يتسم الرؤساء الصينيون والأميركيون بالقومية التي غالباً ما تجعلهم يُثيرون مشاعر الفخر الوطني الجريح. زعم ترامب أنَّ العالم يسخر من أميركا، واتهم الصين باغتصاب الولايات المتحدة، فيما وعد شي بأن يرأس “تجديداً عظيماً” للشعب الصيني، وأنَّه سيدفن أخيراً “قرن الإذلال” الذي بدأ عام 1839 عندما تعرضت البلاد للغزو واستُعمرت جزئياً.
يُعد ظهور قادة مثل ترامب وشي انعكاساً للتغيرات الأيديولوجية الأوسع في كلا البلدين. فقد أضعفت الثلاثون عاماً التي عانت فيها الولايات المتحدة من الركود أو انخفاض الأجور الحقيقية لمعظم العمال الأميركيين الإيمان بالعولمة والتجارة الحرة تماماً.
كان ترامب هو أعلى صوت حمائي في السباق الرئاسي عام 2016، لكن حتى خصمه هيلاري كلينتون اضطرت إلى التخلي عن اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ للتجارة الحرة، مع أنَّها كانت تروّج لها شخصياً في وقتٍ من الأوقات.
رأى جميع الرؤساء الأميركيون المتعاقبون أيضاً أنَّ الرأسمالية ستكون أشبه بحصان طروادة، ما يقوّض من سياسة الحزب الواحد داخل الصين. وكما قال الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن: “إجراء تجارة حرة مع الصين سيضع الوقت في مصلحتنا”. اعتقدت المؤسسة الأميركية أنَّ تبنِّي الصين لسياسة أكثر ليبرالية ستقلل من احتمالية تحديها الولايات المتحدة على الساحة الدولية. وأحد المبادئ الأساسية لليبرالية الدولية هو أنَّ الديمقراطيات لا تشن حرباً على بعضها.
لكنَّ التطورات السياسية الصينية في ظل عهد شي دحضت توقعات النظرة العالمية الليبرالية التي تبناها الرؤساء الأميركيون المتوالون. لم تُصبح الصين أكثر ديمقراطية، إضافةً إلى أنَّها لم تعد مستعدة للعيش بهدوء في ظل نظام عالمي وضعته الولايات المتحدة وسيطرت عليه.
وتعكس هذه التغييرات إحساساً متنامياً بالقوة الوطنية داخل الصين، التي أعطت الأولوية للأفكار والمفكرين الجُدد. في عصر ما قبل حكم شي، شدّد القادة والأكاديميون الصينيون كثيراً على الاعتماد المتبادل بين بلدهم والولايات المتحدة، وكانت الحجة التقليدية هي أنَّ التطور السريع للصين كان يحدث في سياق الهيمنة الأميركية على الساحة الدولية، وبالتالي لم يكن هناك مجالٌ كبير لتتحدى الصين أميركا.
لكنَّ هذه النسخة الصينية من الليبرالية الدولية لم تعد شائعة في بكين، وفي الآونة الأخيرة، بدأ المفكرون الصينيون يجادلون بأنَّ “النظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة لم يعد ملائماً للأوضاع الحالية” على حد قول فو يينغ، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني.
يمكن لهذا المزيج الجديد من الحمائية والقومية في أميركا، والحزم والقومية في الصين، أن يكون منذراً بالخطر، لكن هناك جوانب كذلك من أيديولوجية ترامب قد تجعل النزاع بينهما أقل احتمالاً.
وعلى عكس جميع أسلافه السابقين، لا يهتم الرئيس الأمريكي كثيراً بتعزيز الديمقراطية في الخارج، ولن يثير تحرك شي نحو حكم الرجل الواحد داخله أي قلق، بل إنَّه قد يغبطه في الواقع.
هاف بوست عربي