عون افتتح المكتبة الوطنية في الصنائع وشكر لقطر مساهمتها: لن نسمح بإعادة عقارب الساعة الى الوراء او باستهداف احد للاستقرار

 

أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان “لبنان الذي يفتقر للموارد وللثروات الطبيعية، والذي يدفع على الدوام ضريبة أزمات المحيط وتضارب المصالح الدولية، من أمنه واستقراره واقتصاده ويرزح اليوم تحت وطأة أزمة سياسية وأخرى اقتصادية، له وجه آخر لا يمكن أن نسمح لضجيج الحاضر أن يحجبه. هو وجه الإبداع اللبناني الذي تكلم وكتب بكل لغات الحضارات التي تعاقبت على أرضه، فكتب الفكر والفلسفة والعلوم باليونانية، والشرائع والقوانين باللاتينية، وأغنى العربية أدبا وفكرا وفلسفة بعد أن حافظ عليها وعلى أصالتها في موجة التتريك، وله بصماته أيضا في العديد من اللغات الحية في العالم”.

وقال الرئيس عون: “ان ما سمعناه في الأيام القليلة الماضية من كلام وما استتبعه من ردود فعل، لم يسء الى شخص أو فريق أو جماعة، بل أساء الى الوطن والى جميع أبنائه من دون تمييز، وكاد أن يعيد عقارب الساعة الى الوراء، وهذا ما لن نسمح به أبدا، لأن الاستقرار الذي ينعم به لبنان لن يستطيع أي طرف، الى أي جهة سياسية أو حزبية انتمى، أن يستهدفه، لا سيما أن المؤسسات القضائية والأمنية قادرة على وضع حد للتجاوزات، في القول أو في ردود الفعل، وعازمة على تصحيح الأخطاء في الأداء عندما تقع، وذلك بتوجيه من السلطة السياسية، واستنادا الى القوانين والأنظمة المرعية الإجراء”.

وتوجه الرئيس عون بالشكر إلى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي “رعى ودعم مسيرة نهوض المكتبة التاريخية المرتبطة بذاكرة تأسيس لبنان”، وإلى الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وإلى الحكومة القطرية “التي حرصت على تمويل إعادة تأهيل مكتبتنا الوطنية، لتتزين بأحسن حلة، صرحا حضاريا يتجلى من خلاله وجه لبنان المشرق”.

مواقف رئيس الجمهورية جاءت خلال افتتاحه مبنى المكتبة الوطنية اللبنانية في الصنائع، في احتفال رسمي حضره رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، الرئيسان فؤاد السنيورة وتمام سلام، وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال غطاس الخوري، الوزراء في حكومة تصريف الاعمال: ملحم الرياشي، سيزار ابي خليل، يوسف فنيانوس، نهاد المشنوق، سليم جريصاتي وبيار رفول، سفير قطر في لبنان محمد حسن جابر الجابر النواب: ميشال موسى، الياس بو صعب وادغار طرابلسي، وزراء الثقافة السابقون: ريمون عريجي، غابي ليون، ناجي البستاني وغازي العريضي، عدد من السفراء العرب والاجانب رئيس مجلس الادارة المدير العام للمكتبة الدكتور حسان العكره، مدراء عامون، عدد من المستشارين ونقباء المهن الحرة ورؤساء جامعات ومراكز ثقافية وتربوية محلية واجنبية، وشخصيات سياسية وتربوية وثقافية واعلامية.

وقائع الاحتفال
وكان رئيس الجمهورية وصل الى مقر المكتبة حوالي السادسة مساء، حيث كان في استقباله الرئيس الحريري والخوري والسفير القطري. وبعد قص شريط الافتتاح، ازاح الرئيس عون الستار عن لوحة تذكارية كتب عليها: “برعاية وحضور فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تم افتتاح المكتبة الوطنية بحضور دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ومعالي وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري وذلك بهبة كريمة من دولة قطر بيروت في 4 كانون الاول 2018”.

بعد ذلك، انتقل الجميع الى الطابق الاول حيث اطلعوا على بعض الكتب التي تضمها المكتبة، بالاضافة الى الخرائط والمخطوطات واللوحات التاريخية والقطع الاثرية، وتولت المديرة التنفيذية للمكتبة الوطنية السيدة جلنار عطوي سعد التعريف بالمعروضات، قبل ان يدخلوا الى قاعة الاحتفال الذي افتتح بالنشيد الوطني.

عطوي
وقالت عطوي: “انه حلم طال انتظاره، سعى لتحقيقه العمل الدؤوب والارادة التي لم تقهر والجهود التي بذلها أفراد ومؤسسات ورؤساء حكومات ووزراء ثقافة متعاقبون لايصالها الى خواتيمها السعيدة. الحديث يطول دون الدخول في الأسماء، ولكن اسمحوا لي ان اخص بالشكر المؤسسة اللبنانية للمكتبة الوطنية التي واكبت مشاريع تأهيل المكتبة على امتداد السنوات السابقة. وها هي المكتبة اليوم تحتضن الدولة اللبنانية بكافة أطيافها، اجتمعوا في احتفالية ثقافية تعيد للبنان بعضا من وهجه وألقه الحضاري والثقافي وتثبت دوره كمركز لحوار الحضارات والتقاء الثقافات. انه الافتتاح الرسمي للمكتبة الوطنية كمؤسسة عامة مستقلة أريد لها أن تكون حافظة للتراث الفكري الوطني ومركزا ثقافيا في قلب العاصمة بيروت النابض بالحياة”.

أناشيد ووثائقي
ثم انشدت كارلا رميا بعض الاغاني الوطنية على وقع موسيقى عزفتها الاوركسترا الوطنية بقيادة المايسترو اندريه الحاج.

بعد ذلك، عرض فيلم وثائقي تضمن ابرز المحطات التي مرت فيها المكتبة الوطنية والمراحل التي نفذت من اجل انهاء العمل بالمبنى وتجهيزات المكتبة.

العكره
وألقى العكره كلمة قال فيها: “يوم دخلت هذا القصر للمرة الأولى، بعد ترميمه وتكليفي بإدارته، رأيت نفسي كائنا أركيولوجيا طالعا من ركام العصور التي كان يمنح فيها الكاتب وزن كتابه ذهبا، وكان وقتها الكتاب بالشكل والمضمون وازنا بوزن مدماك يرتسم به وجه الحضارة، ويحتسب عدد أوراقه في مساحتها وتتألق هويتها بلون حبره. هذا واحد من التحديات التي دفعتم بي اليها فأصبحت قدري. إن هذه الموجودات الصامتة على رفوفها هي أدوات النهضة العربية التي كان المفكرون اللبنانيون من قادتها. أزورها كل يوم للمؤانسة، فيلفتني في مرارة شحوبها تعثر النهضة لأسباب بعيدة عن دينامية صانعيها، فأصبحت الوضعية التاريخية للحضارة العربية قابلة لتكرار الدخول في عصر انحطاط جديد”.

أضاف: “فخامة الرئيس، إننا بحاجة إلى استعادة الخوض في ورشة نهضوية متجددة، والى عصر انوار عربي أصيل يستعيد فيه العقل مكانته في انتاج المعرفة. فمن هذا الكتاب المهدد بالانقراض والقابع بصمت خلف قضبان سجنه، من هنا ينطلق مشروع التنوير، وتعود الى الانطلاق هويتنا وطموحاتنا معكم… عند اعتاب هذا الهيكل، يبدأ الناس بخفض مستوى أصواتهم ورفع مستوى عقولهم. إني أرى في هذا المكان جسرا للتواصل مع منتجي المعرفة من الباحثين والأكاديميين والمثقفين وأصحاب العقول المستنيرة في العالم، يقينا مني بأن الفكر عندما يخرج من حدود هويته الذاتية الى الهوية الانسانية يصبح مشاركا في صنع تاريخ العالم وحضارته”.

وتابع: “في الختام، يغمرني الأمل بأن ننجح بفضل عنايتكم وسهركم، في تمكين المكتبة الوطنية من تأدية دورها النهضوي، مستخدمة الوسائل الحديثة في مجال تكنولوجيا المعلومات، والمواقع الالكترونية وأساليب التواصل الرقمية، فتكون قيمة علمية وثقافية تضاف الى القيم الانسانية التي رسخت بلادي على خارطة العالم”.

السفير القطري
ثم تحدث الجابر فقال: “بداية أود أن أتقدم بالشكر لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تكرمه بتشريفنا بتدشين هذا الصرح الثقافي الكبير، الذي يعني لنا الكثير. ويشرفني أن أنقل تحيات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله، وتهاني سموه للبنان، رئيسا وحكومة وشعبا، بتدشين هذا الصرح الثقافي الشامخ وسط العاصمة بيروت، التي عاصرت ثقافات وحضارات عديدة وتمسكت بحضارتها وتميزها في الشرق، وصارت علامة فارقة، لا تشبه غيرها. كما يسعدني أن انقل تحيات وتهاني سعادة السيد صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة في دولة قطر، الذي تعذر حضوره نظرا لضيق الوقت”.

أضاف: “الحضور الكريم، إنها مناسبة طيبة هذه، التي جمعتنا في رحاب الفكر والمعرفة والثقافة لنمثل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله، حيث وجه بمتابعة الجهود التي بذلت، بمكرمة سخية، من صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حفظه الله منذ عام 2006، للنهوض بالمكتبة الوطنية في لبنان ليتم تتويجها بافتتاح هذا الصرح الثقافي العريق، الذي يشبه لبنان، وطن الحرف والحضارة والغنى الثقافي. هذه الجهود، التي أثمرت اليوم، ولادة إشعاع ثقافي جديد – قديم، ليست وليدة الساعة، فقد وضعت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر حفظها الله، حجر الأساس، لمشروع نهضة المكتبة الوطنية، في قلب بيروت النابض بتاريخ 10مايو 2009 إيمانا منها، بضرورة الحفاظ على الإرث التاريخي الكبير للبنان، وغناه بالحضارات والثقافات المتعاقبة، وتأكيدا على دور بيروت الريادي، كعاصمة أزلية للثقافة والفكر والعلم والمعرفة”.

وتابع: “إن المساهمة القطرية في إعادة إحياء بيت ذاكرة التاريخ اللبناني الفكري والعلمي في هذا المشروع، هي انعكاس لتحقيق الذات القطرية على قاعدة الاستثمار في الإنسان لحفظ ثقافته وتاريخه. فثقافتنا تتحدث عنا وتراثنا هويتنا، وتاريخنا يحدد غدنا. إن توجيه خطى الإنسان، وتوسيع آفاقه الفكرية هما قاعدة وهدف لرؤيتنا الوطنية. وإن نهجنا يبدأ بخطوة تحت القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله. ونحن، رغم كل ظروف الحصار الذي تعرضت له دولة قطر، نلتزم الإيفاء بتعهداتنا، وهذه هي دولة قطر، كما تعرفونها. ودوحتنا، دوحة العلم والثقافة والمعرفة والرقي تجد توأمها الفكري، في لبنان الإشعاع، الذي ينهض في كل مرة، وينفض عنه غبار الألم ويشرق من جديد. والدور، الذي تلعبه الدوحة كعاصمة للثقافة والعلم، ليس بجديد، فقد افتتح صاحب السمو أمير البلاد المفدى مكتبة قطر الوطنية في 16 أبريل 2018، لتكون مقصدا علميا وعالميا لاكتساب المعرفة والمهارات الخلاقة الضرورية للاسهام في فعالية بالمشروعات التي تنظمها دولتنا الحبيبة قطر”.

وأردف: “إن تدشين المكتبة الوطنية في بيروت، ليس التعاون الوحيد بين دولة قطر والجمهورية اللبنانية، فالعلاقات الثنائية العميقة بين بلدينا الشقيقين تتحدث عن نفسها في كل بقعة من لبنان، وتعود بجذورها إلى التاريخ البعيد. لقد ثمن المسؤولون اللبنانيون المشروع الذي بلغت تكلفته 25 مليون دولار، مقدمة من دولة قطر، للنهوض بالمكتبة الوطنية في لبنان، معتبرين أن المكتبة الوطنية، التي أعيد بناؤها، على أسس علمية جديدة، ما كانت لتبصر النور، لولا هذه الهدية السخية”.

وختم: “مرة أخرى، تلتقي دولة قطر والجمهورية اللبنانية على قاعدة إعادة بناء وإحياء دور لبنان الطليعي على المستويات الاقتصادية والإعمارية والإنمائية والثقافية، والذي صار له عنوان، يتلخص بالمكتبة الوطنية في بيروت، التي تحتضن إرثا لبنانيا بلمسة قطرية تشكل مرجعا ثقافيا لا غنى عنه للبنانيين، وللزائرين مركزا للاطلاع على الإنتاج الفكري. ختاما، نجدد شكرنا لفخامة الرئيس العماد ميشال عون على رعايته تدشين هذا الصرح الفكري والثقافي الكبير، متمنين لكم التوفيق، وليكن دربكم درب العلم والكتاب، والثقافة، والمحبة، كما عهدكم العالم أجمع”.

الخوري
بعد ذلك، قال وزير الثقافة: “إنه العيد، عيد ثقافي، نعلن فيه إعادة افتتاح المكتبة الوطنية في لبنان. نعم عيد ثقافي، لصرح يضم ثروة ليست كالثروات، فيه الكتاب، والدورية، والمخطوطة، واللوحة، فيه نتاج الفكر الإنساني بالآلاف، بعرض حديث ممكنن، في قاعات وصالات للمطالعة وللعروض الفنية واللقاءات الثقافية. هي مقتنيات لبنانية، تعبت من رحلة طويلة، بدأت في العام 1919، لترحل من مكان إلى آخر، مما عرض قسما منها للتخريب أو للنهب. لكن أيد كثيرة امتدت لإنقاذها: من فرنسا، والاتحاد الأوروبي، ومراكز دولية ولبنانية، إلى اليد الأخيرة الكريمة والسخية من دولة قطر الشقيقة، فلها منا خالص الشكر”.

اضاف: “بهذه المناسبة، لا بد من التنويه بالمتابعة الحثيثة من قبل فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لإنجاز المشروع في مراحله النهائية، كذلك المساعي الحميدة التي بذلها دولة الرئيس فؤاد السنيورة، بالإضافة إلى متابعة جميع السادة الوزراء، الذين تعاقبوا على وزارة الثقافة. وقد اخترنا للمكتبة الوطنية، (بعد المدرسة، ومبنى البرلمان، والمنطقة الحرة في مرفأ بيروت)، هذا الصرح التاريخي، الذي كان مدرسة الفنون والصنائع، وصولا إلى كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، ليكون الحاضنة للمكتبة الوطنية، لليوم والغد، وليكون ذاكرة لبنان لكل الأجيال”.

وتابع: “هذا المشروع سيطلق اليوم مع إدارته الجديدة في كنف وزارة الثقافة. هذه الوزارة التي أنجزت الكثير في حكومة دولة الرئيس سعد الحريري، بناء لتوجيهات فخامة الرئيس العماد ميشال عون. وهي إنجازات نفتخر بها، ومن أهمها إطلاق الخطة الخمسية للنهوض الثقافي، إلى بناء مقر جديد للمعهد الوطني العالي للموسيقى، وتأهيل قصر الأونيسكو، وترميم العديد من المواقع التاريخية والأثرية، ومتابعة العمل في متحفي بيروت وصيدا التاريخيين، وصولا إلى تعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارة المكتبة الوطنية، والهيئة العامة للمتاحف، والمعهد الوطني العالي للموسيقى، ومدير عام الشؤون الثقافية، ومدير المركز الدولي لعلوم الإنسان، وإقرار مشروع قانون حماية الأبنية التراثية”.

واردف: “فخامة الرئيس، بانتخابكم حققتم المصالحة السياسية الوطنية. هذه المصالحة التي، بالتعاون مع دولة الرئيس سعد الحريري، أعطتنا نتائجها فورا، بعد إقرار قانون الانتخابات النيابية، وإعطاء الغطاء للقوى الأمنية اللبنانية، للتحرك لدحر الإرهاب ونشر الأمن والأمان، على كافة الأراضي اللبنانية. واليوم، لا بد من استكمال هذا المسار، عبر تشكيل حكومة وطنية جامعة، تحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتطلق المشاريع الملحوظة في مؤتمر “سيدر”، لينطلق لبنان نحو النمو والازدهار”.

وختم: “هنيئا للبنان، في عيده الثقافي هذا، مكتبته الوطنية، الشامخة على هذه التلة البيروتية، لتبقى عاصمتنا مدينة للثقافة، وشعلة للعلم، وبيرقا خفاقا في الوطن، مرفوعا باعتزاز، يميز لبنان باستمرار”.

الرئيس عون
بدوره، قال الرئيس عون: “من يراجع تاريخ هذه المكتبة وكيف بدأت، ثم كيف تابعت واستمرت لتصل الى ما وصلت اليه اليوم، يعرف معنى أن يؤمن الإنسان بحلم، ومعنى الإصرار والمثابرة لتحقيقه. في العام 1919، ولم تكن قد انقضت سنة بعد على انتهاء الحرب العالمية الأولى مع كل المآسي والآلام التي خلفتها في العالم ولبنان، كان هناك من لا تزال لديه أحلامه، ووعي لأهمية حفظ التراث وحفظ مؤرخات المرحلة؛ فبدأ فيليب دو طرازي، وهو المؤرخ والكاتب الذي يعرف جيدا قيمة الوثيقة والمخطوطة والمدونة، رحلة الألف ميل، مباشرا تجميع الكتب والمحفوظات والأرشيف في منزله أولا، ساعيا دوما للحصول على المزيد وأيضا على التمويل، وبدأت المكتبة تكبر وتتوسع؛ تعاقب على إدارتها العديد من الشخصيات، ترك كل منهم بصمته في هيكلتها، وبذل جهودا في المحافظة عليها وتحسينها. عاصرت كل المشاكل والأحداث والاضطرابات في لبنان، تأثرت بها وخسرت بعضا من نفائسها، ولكنها تخطت كل ذلك، وها هي اليوم مفخرة للبنان وللثقافة وللتاريخ”.

اضاف: “لا يسعنا في هذا السياق، إلا أن نتوجه بالشكر إلى من رعى ودعم مسيرة نهوض هذه المكتبة التاريخية المرتبطة بذاكرة تأسيس لبنان، سمو أمير دولة قطر الشقيقة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي أوجه له تحية في هذه المناسبة، وإلى الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وإلى الحكومة القطرية التي حرصت على تمويل إعادة تأهيل مكتبتنا الوطنية، لتتزين بأحسن حلة، صرحا حضاريا يتجلى من خلاله وجه لبنان المشرق”.

وتابع: “إذا كان البدء هو للكلمة، فإن الحرف هو الذي سمح لهذه الكلمة ان تحفظ ولا تندثر في الهواء. الحرف، هذا الاختراع الفينيقي العجيب الذي أعطى للصورة صوتا وللصوت صورة، وجمع العين مع الأذن مع اللسان في تناسق فريد أتاح للغة أن تكتب وتقرأ، فكان الإناء الذي حفظ العلوم والثقافة والفكر والحضارة والأديان؛ فتح الطريق امام التدوين فسادت ثقافة المكتوب وساعدت في الحفاظ على الإرث الفكري والثقافي وعلى التاريخ، وهكذا أصبحنا نرى الماضي ونسمعه ونقرأه، وأطلق العنان للابداع العلمي والأدبي والفني فتجلى في مليارات من الكتب لا يمكننا أن نتخيل البشرية من دونها. إن عالم المحفوظات والأرشيف والتوثيق عالم غني متنوع، يختزن عبق الماضي وتجاربه وخبراته، كما يحمل أيضا آنية الحاضر وأحداثه، ويؤسس للمستقبل؛ فهو وإن كان شاهدا على التاريخ، وحارس الذاكرة فإنه إطار المستقبل. ومعلوم أن الشعوب التي لا ذاكرة لها تكرر أخطاءها”.

واردف: “لبنان، الذي يستعين عادة بالبحر المتوسط لكتابة اسمه على خريطة العالم، لأن مساحته لا تتسع لذلك، لبنان الذي يفتقر للموارد وللثروات الطبيعية، لبنان الذي يبلغ عدد أبنائه المنتشرين في العالم أضعاف أولئك المقيمين فيه، لبنان الذي يدفع على الدوام ضريبة أزمات المحيط وتضارب المصالح الدولية، من أمنه واستقراره واقتصاده، لبنان الذي يرزح اليوم تحت وطأة أزمة سياسية وأخرى اقتصادية، هذا اللبنان له وجه آخر، لا يمكن أن نسمح لضجيج الحاضر أن يحجبه، نجد شواهده بين جنبات هذه الدار. هو وجه الإبداع اللبناني الذي تكلم وكتب بكل لغات الحضارات التي تعاقبت على أرضه، فكتب الفكر والفلسفة والعلوم باليونانية، والشرائع والقوانين باللاتينية، وأغنى العربية أدبا وفكرا وفلسفة بعد أن حافظ عليها وعلى أصالتها في موجة التتريك، وله بصماته أيضا في العديد من اللغات الحية في العالم. أنتم أيها اللبنانيون ورثة حضارة وثقافة، وهذا الإرث أمانة وليس خيارا، وعلينا دوما واجب المحافظة عليه وسط كل متاعب حاضرنا، لينتقل من جيل الى جيل، فنحمل في وجداننا جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، أمين الريحاني، الأخطل الصغير، سعيد عقل، سعيد تقي الدين، أمين تقي الدين، الشيخ عبد الله العلايلي.. ويطول التعداد، لرواد ثقافة وأدب وفكر لهم بصماتهم في التراث الفكري اللبناني والعالمي”.

وقال: “إن هذه الصورة لوطننا، العابقة بالعراقة الثقافية والفكر المستنير، هي الدافع الاساسي وراء تقدمي من الأمم المتحدة بمشروع إقامة “اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار” على أرضنا، التي من شأنها أن تكون منصة لتعزيز الحوار بين الأديان، والطوائف، والثقافات، والأعراق المختلفة في العالم، والبحث في سبل نشر ثقافة الحوار بين الأجيال الطالعة، بدلا من تعميق روح العزلة، والتطرف، ونبذ الآخر، والعنف المتفشية مع الأسف بشكل خطر ومأساوي في منطقتنا والعالم”.

أضاف: “إذا كنا نعمل كي يكون لبنان ملتقى لحوار الحضارات والثقافات والأديان، فحري بنا ان يكون الحوار الهادئ والمسؤول قاعدة لأدائنا والطريقة الفضلى للتخاطب في ما بيننا، لأن ما سمعناه في الأيام القليلة الماضية من كلام وما استتبعه من ردود فعل، لم يسء الى شخص أو فريق أو جماعة، بل أساء الى الوطن والى جميع أبنائه من دون تمييز، وكاد أن يعيد عقارب الساعة الى الوراء، وهذا ما لن نسمح به أبدا، لأن الاستقرار الذي ينعم به لبنان لن يستطيع أي طرف، الى أي جهة سياسية أو حزبية انتمى، أن يستهدفه، لا سيما أن المؤسسات القضائية والأمنية قادرة على وضع حد للتجاوزات، في القول أو في ردود الفعل، وعازمة على تصحيح الأخطاء في الأداء عندما تقع، وذلك بتوجيه من السلطة السياسية، واستنادا الى القوانين والأنظمة المرعية الإجراء”.

وتابع: “ان الدولة القادرة والعادلة التي نعمل جميعا على تثبيت أركانها، لا يمكن أن تكون تحت رحمة كلمة من هنا وردة فعل من هناك، خصوصا اذا كان ما يقال يهدد السلم الأهلي ويسيء الى الكرامات. لذلك، يجدر بكل القيادات أن تعي دقة الظرف الذي يمر به الوطن، وسط ممارسات معادية، وتهديدات متزايدة، مضافة الى ما يلحق بنا من أضرار مالية واقتصادية، بحيث صار من الواجب علينا جميعا توحيد الجهود للخروج من هذا الوضع”.

وختم: “لطالما شكل الكتاب، بما يمثله من تاريخ وحضارة وثقافة، تحديا لكل غاز ومحتل، ولكل فكر ظلامي همجي، على مر العصور وفي كل بقعة في العالم. فكم من مكتبة أحرقت ودمرت، وضاعت معها معالم مرحلة، واختفت نفائس فكرية وتاريخية ومخطوطات لا تعوض وكانت ضربة قاسية للنهضة وللحضارة والتاريخ. ولكن، وفي المقابل، مع كل مكتبة تؤسس، مع كل جهد يبذل لإنقاذ كتاب وإحياء وثيقة ومسح الغبار عن مخطوطة، يكبر الأمل بانتصار التنور على الظلامية، والحضارة على التخلف والثقافة على الجهل، ونحن اليوم شهود على خطوة جبارة واثقة على طريق هذا الانتصار. عشتم، عاش لبنان الثقافة والحضارة”.

هدية تذكارية
وبعد التقاط الصورة التذكارية للمناسبة، قدم الخوري هدية تذكارية الى الرئيس عون عبارة عن لوحة لمبنى المكتبة الوطنية بريشة الفنان اسامة بعلبكي، واخرى للرئيس الحريري عن مدينة بيروت بريشة الفنانة عليا مزنر مغبغب. كما قدم الخوري الى السفير القطري ألبوم صور عن مجموعة المكتبة بعد ترميمها.

كوكتيل
وفي ختام الحفل اقيم حفل كوكتيل للمناسبة.

معلومات عن المكتبة الوطنية
يذكر ان مجلس الوزراء كان قرر في العام 1999 تخصيص مبنى كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الواقع في منطقة الصنائع ليكون المقر المستقبلي للمكتبة الوطنية التي كانت قائمة في حرم مرفأ بيروت. وفي العام 2006، قدم أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني هبة إلى الدولة اللبنانية لبناء المكتبة الوطنية المستقبلية، وتم وضع حجر الأساس لمشروع النهوض بالمكتبة الوطنية في 10 أيار 2009، بحضور حرم أمير دولة قطر الشيخة موزة بن ناصر المسند.

تتألف المكتبة من اربعة طوابق مقسمة على الشكل التالي: طابق لمخازن الكتب والصحف، طابق اداري، طابق خاص بالقراءة، وطابق ارضي مرتبط بطابق لركن السيارات. ويصل عدد المخطوطات الى 300 الف مخطوطة تعود غالبيتها الى القرن الحادي عشر وما فوق.

وطنية

الصور: محمد درويش

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!