اسرائيل حددت مصادر الخطر.. ولهذا السبب قصفت سوريا قبل غزّة أو لبنان

كتب جورج شاهين في صحيفة “الجمهورية”: لم تفاجَأ مراجع عسكرية وديبلوماسية بالغارات الإسرائيلية التي استهدفت للمرة الأولى منذ نشر شبكة صواريخ الـ S 300 في سوريا مواقع ايرانية في منطقة الكسوة جنوب دمشق ليل الخميس ـ الجمعة. فقد كانت كل السيناريوهات التي وُضعت بعد وقف النار “المكلف” في غزة تتحدث عن ضربة إسرائيلية في سوريا أو في لبنان، فلماذا لجأت تل أبيب الى الخيار الأول؟

عندما أعلن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في 29 ايلول الماضي من على منبر الدورة الـ 73 للجمعية العمومية للأمم المتحدة عن تسليم اربع بطاريات صواريخ من طراز S300 للجيش السوري قامت القيامة ولم تقعد لفترة قصيرة. فالقرار الروسي صدر في اقل من عشرة ايام على إسقاط طائرة روسية من طراز “إيل 20” المتخصصة بمهمات المراقبة والإستكشاف فوق البحر المتوسط وقتل أفراد طاقمها المؤلف من 15 ضابطاً وعسكرياً بعد اصابتها بصاروخ روسي من طراز S 200.

يومها عبّرت الولايات المتحدة على لسان رئيس مجلس الأمن القومي جون بولتونعن غضبها من القرار الروسي، واعتبر أنّ من شأن هذه الخطوة أن تتسبّب بـ “تصعيد خطير”. ووافقه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الذي قال يومها في اتصال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنّ تزويد “أطراف غير مسؤولة” نظم أسلحة متقدمة سيؤجج المخاطر في المنطقة.

ومنذ تلك الحادثة غابت الطائرات الإسرائيلية عن الأجواء السورية ولم تسجَّل أيّ طلعة جوية حتى أمس الأول على وقع الإتهامات الروسية لإسرائيل وتحميلها مسؤولية “الخطأ السوري” الذي أودى بالطائرة الروسية المتطورة. واتّهمتها باستغلال عبورها مدار العمليات العسكرية الإسرائيلية في تلك الليلة (19 ايلول الماضي) وهي في طريقها الى قاعدة “حميميم” العسكرية و”التلطي” خلف مسارها الجوي. وهو ما أدّى الى بدء سلسلة من المفاوضات المعقدة بين تل ابيب وموسكو رفضت فيها الأولى تحمّل مسؤولية ما حصل وسعت الى تقويض محاولة موسكو فرض أيّ “قواعد سلوك جديدة” عليها في المنطقة.

فقد شدّدت إسرائيل على استمرار العمل بكل الإلتزامات السابقة التي قدمتها موسكو لها منذ أن تدخّلت مباشرة في سوريا في الأول من ايلول 2015 بعد اعترافها بحقها القيام بما تراه مناسباً في مجال امنها القومي الجوي الممتد على مساحة الأجواء اللبنانية والسورية والتي سلّم بها الجميع بمَن فيهم اطراف “الحلف الدولي على الإرهاب” قبل القيادة الروسية وبعدها.

على وقع هذه المفاوضات المستمرة منذ تلك المرحلة، لم تعترف تل ابيب يوماً بأنها تخلّت عن حقها في دخول الأجواء اللبنانية والسورية ساعة تريد وأن تستهدف ما أرادته من الأهداف التي يمكن ان تشكل خطراً جدّياً على امنها.

ولذلك كثفت من طلعاتها الجوية فوق لبنان بمختلف انواع طائرات الإستكشاف او الطائرات النفاثة الأخرى دون أن تستغني عن مراقبتها للأجواء السورية بوسائل مختلفة.

وتزامناً مع غياب إسرائيل عن الأجواء السورية وتركيزها على الأجواء اللبنانية تصاعدت حدة التهديدات باتجاه لبنان بعدما اتهمته بالسماح لـ “حزب الله” بإنشاء مصانع لإعادة تركيب الصواريخ الإيرانية وتصنيعها، وبنصب شبكات منها في محيط مطار بيروت الدولي ومناطق أخرى من لبنان اسوة بالقواعد المماثلة لها في سوريا والعراق وصولاً الى اتّهام إيران بنصب صواريخ بالستية بعيدة المدى ترواح بين 200 و700 كيلومتر في الأراضي العراقية كما السورية وهي تهدد بذلك المدن الإسرائيلية بما فيها تل ابيب.

وعليه تكشف المراجع الديبلوماسية والعسكرية انّ القراءة الإسرائيلية التي تسرّبت عقب وقف حرب غزة انتهت الى تحديد مصادر الخطر المقبلة عليها من جبهات الشرق والشمال المطلة على الساحتين السورية واللبنانية وليس من غزةفي هذه المرحلة بالذات. وهي لذلك لجأت الى عمليات الإستطلاع للأجواء اللبنانية بنحو غير مسبوق استخدمت خلالها طائرات مسيرة تحمل صواريخ جو – ارض وشملت بطلعاتها أراضي لبنانية لم تطاولها سابقاً بهذه الطريقة المكثفة.

وعند هذه المعطيات، تتحدث المراجع الديبلوماسية عن ضغوط أميركية هائلة نبّهت خلالها اسرائيل من ايِّ عمل عسكري في لبنان ما لم يكن هادفاً الى ضرب منشآت عسكرية لـ “حزب الله” أو إيران، وإنّ أيَّ عمل آخر ليس أوانه. فلبنان لا يتحمّل انعكاسات أيّ عملية عسكرية تنعكس على وجود مليون ونصف مليون نازح سوري ينتشرون على أراضيه وان لم تلبّ هذه الشروط فلا حاجة لأيِّ عملية عسكرية لا اليوم ولا غداً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!