صراع الآخرين على الساحة اللبنانية
إنها حروب الآخرين على أرضنا. قد يكون هذا التوصيف هو الاكثر دقة للحروب الأهلية التي اندلعت في لبنان طوال خمسة عشر عاما. وانتهت أيضا بتوافق الآخرين تحت مظلة إتفاقية الطائف. حيث تقاطعت المصالح الإقليمية والدولية والداخل اللبناني. وتوافقت على إسكات صوت المدفع على كافة الأراضي اللبنانية بين كافة الأفرقاء المتحاربة مع إطلاق العنان لكل أنواع الحروب الإعلامية والكلامية تحت ذريعة حرية التعبير عن الرأي وممارسة الديمقراطية التي تتيح استخدام الوسائل المشروعة. وربما غير المشروعة والتي تصل في بعض الأحيان إلى مستوى التجريح الشخصي والقفز فوق أدبيات التخاطب. وانتهاك لغة اللعبة السياسية واستبدالها بلغة منحطة والفاظ بذيئة وكلمات سوقية فيها الكثير من التجني والافتراء وطمس لثقافة الحوار الهادىء والرصين والشفاف. وذلك إرضاء للمرجعية السياسية أو الفريق الحزبي الذي ينتمي إليه والذي يتبنى مشروعا مرتبطا بقوى إقليمية ودولية تتناحر فيما بينها وتجد في الساحة اللبنانية الأرض الخصبة والملعب الواسع الذي يتسع لكافة اللاعبين. والمهيأ لكافة أنواع الألعاب. والحلبة المثالية لكل من تقتضي مصالحه المشاركة في جولات الصراع على هذه الحلبة.
وبذلك تتحول الأرض اللبنانية إلى متاريس للتراشق الإعلامي. ومنابر لتوجيه الإتهامات والافتراءات والتهديدات في كل الاتجاهات. بالرغم من أن البلد يموج على بركان من المشاكل والأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية الحادة التي تهدده بالانفجار في اي لحظة.
وإذا كان لأحد حديثي النعمة مصلحة شخصية جامحة في تعويم نفسه والبروز بشكل لافت أمام أولياء نعمته على أنه الخادم الأمين لهم. والاداة المنفذة لمشروعهم. فإن ذلك لا يعني بالضرورة الخروج عن اللياقة وخرق أدبيات الخطابة. والهبوط نحو الدرك الأسفل من الانحطاط الأخلاقي. فالزعامات لا تبنى بالصراخ والأصوات الناشزة والتطاول على الغير بهتانا وافتراء وتعديا. وبالتالي ليس هناك من مصلحة وطنية لأعادة تحويل البلد إلى ساحة صراع للآخرين على أراضيه. والانزلاق به نحو الهاوية وتعريضه لمسببات الحروب الأهلية التي قد لا تبقي ولا تذر .