أغرب طرق تكريم الحمار في العالم
أغرب طرق تكريم الحمار في العالم
محمد علاوة حاجي
في عام 1828، طاف مرشّحٌ للانتخابات الرئاسية الأميركية، عن الحزب الديمقراطي، بين عددٍ من القرى والبلدات في الولايات المتّحدة، ومعه حمارٌ رمادي جميل أَلصق على ظهره شعار حملته الانتخابية.
بتلك الجولة، اختار أندرو جاكسون الردّ على سخرية منافِسه من شعاره “لنترك الشعب يحكم”، واتهامِه له بالشعبوية. فمن خلال الحمار، بعث المرشّح الديمقراطي برسالةٍ مفادها أنه قريب من الناس، عكس غريمه الجمهوري.
أيقونة سياسية وتجارية
بعد سنواتٍ من ذلك، وتحديداً في العام 1870، سيتبنّى الديموقراطيون صورة الحمار رمزاً لحزبهم، بعد أن رسمه رسّام الكاريكاتير توماس نايت ونشَره في مجلّة “هاربر” الأسبوعية.
هكذا، سينتزِع ذلك الحيوان المثابر والصبور، الذي طالما كان محلّ سخرية البشر وقسوتهم حيناً وتعاطفهم حيناً آخر، مكانةً بارزة في المشهد السياسي الأميركي، بعد أن أصبح رمزاً لأحد أقوى حزبَين في البلاد، في مقابل فيل الحزب الجمهوري، بل إنه تحوّل مع مرور الوقت إلى أيقونةٍ تجارية تُدرّ الملايين.
حمار “الحزب الديمقراطي” الأميركي
رمز البلادة
ارتبطت صورة الحمار في المخيّلة الشعبية، في كثير من بلدان العالم، بالغباء والضعف والاستكانة وقلّة الحيلة، وهي الصورة نفسها التي يتبنّاها كتاب “كليلة ودمنة” الذي ترجمه ابن المقّفع إلى اللغة العربية في القرن الثامن الميلادي.
في حكاية “الأسد وبن آوى والحمار” على سبيل المثال، ينجح ابن آوى في استدراج الحمار إلى عرين الأسد الجائع مرّتَين بحجّة رغبة الأخير في تنصيبه ملكاً على الغابة. في الأولى، يفقد الحمار ذيلَه وأذنَيه بضربةٍ من الأسد، لكنه سيعود إليه بعد أن أقنعه ابن آوى بأن اقتلاع أذنيه إنما كان بهدف وضع التاج على رأسه.
بالطبع، سيُجهِز الأسد على الحمار المسكين، ثمّ يطلب من ابن آوى سلخه وإحضار رئته وقلبه وكبده ومخّه، لكن ابن آوى سيأكل المخّ ويكتفي بإحضار الرئة والكبد والقلب. وحين يسأله “ملك الغابة” عن مخّ الحمار، يُجيبه: “لو كان له مخّ ما عاد بعد قطع أذنَيه وذيله”.
من كتاب “كليلة ودمنة”
حضور في الأدب
ظلّت صورة الحمار الرمزية حاضرة في الفلسفة والأدب والفنون التشكيلية بأشكال مختلفة. ولعلّ أشهر الأعمال الأدبية التي تناولت هذا الحيوان في العصر الحديث هو عمل الكاتبة الفرنسية، الكونيسة دي سيغو (1799 – 1874) بعنوان “مذكّرات حمار”، الذي يتضمّن خواطر في الفلسفة والأخلاق على لسان حمار. وقد صدر العمل لأوّل مرّة عام 1860، وترجمه حسين الجمل إلى العربية بعنوان “خواطر حمار”.
“مذكّرات حمار” للكونتيسة دي سيغور
وفي رائعة “بلاتيرو وأنا” (تُرجم إلى العربية بعنوان “أنا وحماري”) للإسباني الحائز جائزة نوبل للآداب سنة 1956، خوان رامون خيمينيث (1881 – 1957)، يُخاطب الشاعرُ حماره “بلاتيرو” وهما يجوبان قرية “مغير” مسقط رأس المؤلّف.
“بلانتيرو وأنا” لخوان رامون خيمينيث
عربياً، تُعدّ رواية “حمار الحكيم” (1940) لتوفيق الحكيم (1889 – 1987) الأشهر على الإطلاق في هذا المجال. بأسلوب لا يخلو من الطرافة، يروي الكاتب المصري في هذا العمل ذكرياته مع حماره الصغير الذي اشتراه من أحد الفلّاحين.
واللافت أن الرواية قوبلت بحملةٍ إعلامية واسعة ضدّ مؤلّفها اتّهمته بسرقتها من عمل خيمينيث. ولم تتوقّف الحملة إلّا بعد تدخّلٍ شخصي من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
“حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم
تكريم الحمار
بعيداً عن الصور النمطية التي اقترنت به، بادرت بعض البلدان والجمعيات إلى تكريم الحمار. ففي لبنان، صدر طابع بريدي يحمل صورةً لهذا الحيوان الأليف الذي يُعدّ إحدى وسائل التنقّل الأساسية في القرى والضيعات اللبنانية.
طابع بريدي صدر في لبنان
وفي تركيا، أقامت إحدى بلديات قضاء أرتوقولو في محافظة ماردين، جنوب شرقي البلاد، نهاية العام الماضي، حفلاً رسمياً جرى فيه تكريم ثلاثة من الحمير التي أُحيلت إلى التقاعد.
جرى الحفل بحضور مسؤولين محليّين، وقُدّمت الخضر والفواكه للأحمرة تكريماً لها على مساهمتها في تنظيف أزقّة البلدية الضيّقة، إلى جانب أربعين حماراً آخر.