جنبلاط لـ”المدن”: انصتوا للفاتيكان وانجزوا التسوية مهما كانت
يستبشر وليد جنبلاط خيراً بوفرة الأمطار المتساقطة. يأمل بأن ينعكس خير الطبيعة، على السياسة والإقتصاد: “لا بد من وقف التدهور والإنهيار الإقتصادي”. صورة الوضع قاتمة. وفي الأثناء، يمرر جنبلاط مواقفه وأفكاره، على طريقته، بتغريداته.
إنذار بتحول؟
في الفترة الأخيرة، شكّلت هذه التغريدات عنواناً يومياً في الحياة السياسية، خصوصاً تلك التي حملت شحنة من المعاني السياسية والرسائل التحذيرية، على خلفية تعطيل تشكيل الحكومة. تساؤلات عديدة طُرحت حول مغزى رسائل جنبلاط التي حملتها تغريداته، لا سيما تلك التي تتعلق باستخدام لبنان كـ”ورقة إيرانية”، والإنتقاد الموجه لطهران. اعتبر البعض أن مواقف جنبلاط تنذر بالإستعداد لثورة، خصوصاً وأن الرجل يبقى بنظرهم “الميزان” في قراءة التطورات.
تتعدد القراءات لمواقف جنبلاط. البعض يعتبرها أنها تنذر بتحول مقبل على المنطقة، بفعل التشدد الأميركي ضد طهران، بما يفسر إعلان رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي لإنتقاداته. لكن الأساس لدى جنبلاط، يتعلّق بـ”اتخاذ موقف للتاريخ”، ولما يستشرفه هو، وليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بأي تحول سياسي. وعلى أي حال، ما زال يشدد دوماً على وجوب إبرام التسوية، لأن لا غيرها – برأيه – سيكون قادراً على ضمان الإستقرار والحفاظ على الحدّ الأدنى مما تبقى من لبنان.
ملاقاة الفاتيكان
قرأ مضمون رسالة الفاتيكان، داعياً إلى وجوب إبرام التسوية، وغرّد قائلاً: “بعد الكلام الّذي ورد في الفاتيكان على لسان وزير خارجيته بول غلاغر، وبحضور الحبر الأعظم، وبعيدًا عن الاعتبارات المحلية الضيقة، فإنّ التسوية ضرورية أيّاً كانت مرارتها تفاديًا للانهيار”.
إذا، ما يريده جنبلاط بإصرار وثبات هو التسوية.. وليس التصعيد. ولدى سؤاله عن ماهيّة قراءته للرسالة التي تبلّغها وفد لبناني من الفاتيكان، يقول لـ”المدن” :”من الواضح أنها تلتقي مع مختلف الأخبار والمعطيات، في ظل القانون رقم عشرة في الشام، وفي ظل الدمار الهائل الذي لحق بسوريا، وهو مدروس، لتهجير نصف السكان وغالبيتهم من مذهب معين. ويقول الفاتيكان إن ليس هناك عودة سريعة للاجئين، خلافاً لبعض الأرقام الضئيلة التي تعود إلى سوريا، من خلال جهود الأمن العام، والتي لا تمثّل شيئاً بالنسبة لأرقام المبعدين، خصوصاً أن بعض من يعودون، لا يقيمون في أراضيهم الأصلية، ولن يعودوا إلى أراضيهم، لأن ما يجري في سوريا، هو إعادة تنظيم بشري للاجئين في سوريا”.
معادلة سكانية جديدة
ما يحدث في سوريا، يصفه جنبلاط بالتنظيم البشري، تنظيم بشري ومدني (جغرافي) بالوقت نفسه. ولبنان ليس بعيداً عن ما يجري، متمسكاً بوصف كان قد أطلقه سابقاً، بأنه في الذكرى المئوية لولادة لبنان الكبير، سيكون البلد مستلحقاً بتوازنات إقليمية جديدة، تتعلّق بما أعلنه في العام 2014، عن سقوط حدود إتفاق سايكس بيكو، وبعد سنتين سيكون النفوذ الأكبر في لبنان الكبير، للمعادلة الجديدة، التي ستتحكم به ومحيطة به، من الشام إلى طرطوس فاللاذقية شمالاً، وإلى درعا جنوباً. هذه معادلة جديدة سكنية، سياسية وبشرية، وهي التي ستتحكم بمسار الأمور.
يستبعد جنبلاط، كل التقارير التي تتحدث عن إمكانية نقل اللاجئين إلى تجمعات في الصحراء، ما بين شرق سوريا وغرب العراق، يقام فيها مدن جديدة لإستيعابهم، وذلك لعدم إعادتهم إلى مناطقهم الأصلية، فيعتبر أن كل هذا الحديث وهم، ولا أحد سيكون جاهزاً لبناء هذه المدن. ويشدد على أهمية تفعيل عمل اللجنة التي تشكّلت سريعاً للتنسيق مع الروس، لأجل محاولة إيجاد مخارج، ولو بالحدّ الأدنى لضمان حقوق السوريين، والدول المستضيفة لهم.
“سنّة علي مملوك”
مساء عيد الإستقلال، غرّد جنبلاط تغريدة استوقفت المتابعين، وقال: “إننا نشكر شركة Alpha التي أحبت أن تطربنا بالنشيد الوطني اللبناني في عيد ما يسمى بالاستقلال، على أمل أن لا تفرض علينا في العام القادم نشيد القتل، نشيد البعث السوري أو نشيد جمهورية “الفرح”، عنيت الجمهورية الإسلامية الإيرانية.” ولدى سؤاله إذا ما كانت فحوى الرسالة تنطوي على رسالة سياسية تلخّص الواقع اللبناني، وتتنبأ بأن لبنان مقبل على الدخول في فلك النفوذ السوري الإيراني، يجيب جنبلاط بالإيجاب، وبأنه لا يمكن قراءتها إلا كذلك، بمعزل عن الشعارات الإستقلالية الرنانة.
كل ما يحدث بالنسبة إلى جنبلاط، لا يؤدي إلى تحقيق أي شيء جديد. وعلى طريقته التهكمية، يعتبر أن الأمور معلّقة بانتظار “السنّي المستقل”. يعود إلى جدّيته قائلاً:” الأمور بحاجة إلى تسوية، وانا أشدد على هذه التسوية”. ولكن كيف يمكن أن تتم؟ يجيب: “فليتم تعيين وزير منهم، وتنتهي القصّة، وعلينا القول إن موازين القوى لصالحهم”. مشيراً إلى أنه كان يصفهم بسنّة علي مملوك، ولكن المعادلة السورية الإيرانية هي التي تتحكم بالبلد، وبالتالي كلما تم الإستعجال في إنهاء هذه المشكلة، كلما كان أفضل، لأجل الحد من الإنهيار.
الرهان على أوهام
يبدي جنبلاط عتبه على اعتماد مقاييس جديدة، في كيفية تشكيل الوزارة، سواء بتحديد أربع نواب لكل وزير أو ما شابه، بالإضافة إلى تقسيم الحقائب إلى سيادية وخدماتية وغيرها، “مع القبول بهذه الأمور، نكون قد نسفنا ما تبقى من إتفاق الطائف. ذاهبون إلى وضع أسوأ، ولا بد من وقف الإنهيار الإقتصادي، لانه إذا ما انهار الإقتصاد سيسهل على المتربصين السيطرة أكثر”. ولكن هل يمكن وقف الإنهيار؟ يجيب جنبلاط بأن هناك موازين قوى مستحكمة، وهذه الموازين ليست لصالحنا، وهناك طرف قوي وأساسي على الأرض من لبنان إلى سوريا والعراق، بينما في اليمن لا بد من تسوية. لا يراهن جنبلاط على العقوبات على إيران وحزب الله: “الجمهورية الإسلامية اعتادت على التعايش مع هذه العقوبات التي تتعرض لها منذ أيام الخميني، وكلما اشتدت عليها كلما زاد نفوذها في المنطقة”. يقول حاسماً: “لا يمكن الرهان على أوهام”.
يعود جنبلاط إلى أهمية التسوية، وهي التي تفرضه الحقيقة الواقعة. يختم قائلاً: “ليس هناك من عيب في القبول بالتسوية وباعتراف المرء بأن المقاييس ليست لصالحه، وهذا يفرض عليه تقديم التنازل في سبيل البلد، وبالتالي لا عيب بالإقرار بانعدام موازين القوى”.
منير الربيع – المدن