خلة خازم محمية طبيعية مؤجلة حتى موتها
خلال إنعقاد الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، طُرح مشروع إنشاء محمية طبيعيّة في جبل الريحان، لكن الرئيس نبيه بري طلب إعادته الى لجنة البيئة، لمزيد من الدرس لتداخل العقارات. هذا القرار، دفع بعض الناشطين البيئيين إلى كتابة عريضة وجمع تواقيع وتوجيهها إلى السيد حسن نصرالله، علّه يتدخل في حل المشكلة (استشهد نجله في هذه المنطقة).
الانتهاك المستمر
وورد في العريضة أن ثمّة “مجزرة بيئية تُرتكب في منطقة خلّة خازم في أعالي جبل الريحان، منذ العام 2002، في منطقة تعتبر “خزّاناً استراتيجياً” للمقاومة، وغطاء أخضر لها. حيث تتابع مجموعة من التجار والسماسرة سياسة الأرض المحروقة التي اتّبعها العدو الاسرائيلي عام 1985، بتهجير أهالي جبل الريحان وهدم بيوتهم، وبتشويه بقعة تزيد عن 500 دونم من الأراضي، والقضاء على الشجر المعمر منذ أكثر من ثمانين سنة فيها، والقضاء على ثروتها الحرجية والنباتية”.
وتضيف العريضة: “يضرب أصحاب المرامل عرض الحائط كل قرارات وزارة البيئة، وتُعاونهم شبكة منظمة من التجار والسماسرة، ويتحايلون على البلديات التي تُحسب على المقاومة، بعناوين متعددّة منها استصلاح الأراضي والترميم للعودة على بدء في ممارساتهم التي يدينها أهل المنطقة كافّة”.
لكن الكلام عن إنشاء المحمية ليس بجديد، خصوصاً أن وزارة البيئة أرسلت إلى رئاسة مجلس الوزراء مشروع قانون يقضي بإنشاء محمية طبيعية في جبل الريحان. وقرر المجلس، في جلسته المنعقدة أنذاك في مقره وسط بيروت (9/3/ 2006 )، الموافقة على مشروع القانون، وعلى مشروع مرسوم إحالته إلى مجلس النواب. على أن يتضمن مشروع القانون نصاً يحفظ حقوق المالكين المجاورين لهذه المحمية.
لم يُنفّذ أي بند من المشروع، وحتى اليوم لا تزال القضية عالقة. ما يدفع للتساؤل حول من يعرقل إقرار القانون، ومن المستفيد من تأجيله، وهل اتحاد بلديات جبل الريحان متورط، أم ثمة غطاء سياسي للمخالفين؟
أعداء البيئة
يقول الناشط البيئي الدكتور محمد ناصرالدين، أن غابات الصنوبر التي تضمها خلة خازم تعود إلى أيام الانتداب الفرنسي، وثمة عيون مياه أسفل الوادي، والمنطقة تصلح فقط لأن تكون محمية طبيعية، في حين أن التراخيص التي تعطى للعمل في المنطقة بحجّة استصلاح الأراضي، تعمل على سحب الرمول منها، منذ العام 2002 حتى اليوم.
وليس غريباً أن التعدّي على الطبيعة يكون تحت غطاء رسمي. إذ أن المدعو على بدير باشر منذ الأحد الماضي العمل في مرملته بموافقة من وزير الداخلية نهاد المشنوق. ما دفع محافظ الجنوب منصور ضو إلى تنفيذ القرار والسماح لبدير بمباشرة عمله، بما أن القرار صادر من جهة عليا.
وهذه ليست المرّة الأولى التي تقفل فيها مرملة، وتفتتح مجدداً بعد أيام على إقفالها. حصل ذلك سابقاً في عهد وزير البيئة أكرم شهيب عام 2014، حين أمر بوقف مرملة جديدة استحدثت في وسط “خلّة خازم” في منطقة جبل الريحان، وعاد عن قراره لاحقاً، ومنح المرتكبين إذناً خطياً باستكمال الأعمال القائمة داخل المرملة.
ويتّبع أعداء البيئة المعادلة التالية: قطع أكبر عدد من أشجار الصنوبر للاستفادة من ثمنها، وتحويل المنطقة إلى أرض قاحلة ليصبح الاستحصال على إذن استصلاحها زراعياً أسهل.
وفي سياق متّصل، أصدرت “جمعية الجنوبيون الخضر” بياناً دعت فيه إلى إقرار اقتراح قانون إنشاء محمية طبيعية في جبل الريحان، المحال إلى المجلس النيابي، في المرسوم رقم 17533 من دون تأخير إضافي. وجاء في البيان أن إجراءات إقرار الاقتراح، المحال إلى المجلس منذ سنين، قد طالت كثيراً، لا سيما انه “وبالتزامن مع تلك الفترة، زادت وتيرة عمل المرامل في المنطقة وتوسعت، ومعظمها غير شرعي. وباتت المنطقة الحرشية المتصلة بها منطقة منكوبة بيئيا بفعل أعمال الجرف، التي قضت على مئات الدونمات من أحراش الصنوبر والسنديان، وغيرها من أنواع الأشجار والنباتات البرية، المحمية بموجب القانون اللبناني (قانون الغابات 7/1/1949 وقانون حماية الغابات رقم 558 (24/7/1996) وقانون حماية البيئة 444 (29/6/2002)، وهو ما ألحق اضراراً هائلة بالمحيط البيئي للمنطقة ولتنوعها البيولوجي الغني”.
منهجية التدمير
وأدّت هذه الإنتهاكات إلى تدمير أجزاء واسعة من تضاريس المنطقة المشهورة بمغاورها الطبيعية، وعيونها، وجداولها الموسمية، التي ترفد خزّانات المياه الجوفية وينابيعها، وأفضى إلى تلوثها. كما وعرّض المنطقة المحيطة إلى انهيارات كبيرة بفعل تآكل التربة، نتيجة لأعمال الجرف وقطع الأشجار. وحذّر بيان “الخصر” من تفاقم هذا التآكل للتربة إذا لم تُتخذ إجراءات وقاية وحماية للأراضي المحيطة بسرعة.
ورغم الشائعات المنتشرة في المنطقة بأن متنفّذين سياسيين، على أعلى مستوى، لهم مصلحة في عمل المرامل في خلة خازم، إلا أن الجهة الحزبية صاحبة النفوذ تنفي دوماً تورط أي من أعضائها بهذه الجريمة البيئية.
ويشير النائب هاني قبيسي في تصريح سابق له أن “الفوضى في قطاع المرامل والكسّارات أوصلت الأمور إلى هذا الواقع السيء”، لافتا إلى وجود خلل ما في وزارة الداخلية والبلديات. إذ أن الاعتداءات على الطبيعة تتم في وضح النهار، وعلى مرأى المواطنين بشكل عادي. ومن يقصد منطقة الريحان يستطيع أن يشاهد بأمّ العين حجم الخراب اللاحق بالجبال والتلال والأودية، من دون أن يتدخّل أحد لوقف هذه المجازر”.
يُذكر أنّ خلّة خازم، تُعتبر من أشهر المحميّات الطبيعية في الجنوب، لجهة الغلاف الطبيعي المميز، والتنوّع الأيكولوجي في داخلها، فضلاً عن أنواع الحيوانات والطيور النادرة التي كانت موجودة فيها في ستينيّات القرن الماضي.
المدن