رحلة في الكلمات المكتوبة على الشاحنات
اعتادت أمينة أن تلاحق العبارات المكتوبة على السيارات.. تنشغل في زحمة المرور الخانقة بتصوير هذا النوع من الفنون الشعبية.. يجذبها التعامل المزاجي لهؤلاء الأشخاص مع الواقع، وما تعكسه عباراتهم، في محاولة لإيصال جزء من أفكارهم أو التعبير عن آرائهم بطريقة مميزة، وكأنهم يفتحون نوافذ مع الآخر حتى لو كان عابر سبيل.. بعضها سوداوي، وغالبا ما يكون وراؤها دوافع نفسية تعبر عن حالات اليأس والإحباط التي يعيشونها مثل “تحياتي لمن دمر حياتي”.
في موقع “تويتر” تغرد أمينة العميري: “كثير من الاحيان اكون اسوق بسيارتي واشوف عبارات مكتوبة على السيارات أو الشاحنات اللي توصف وضعي، انصدم واصورهم”.
أشهر العبارات
“لا تلحقني مخطوبة”.. “ميلي ميالك أبو سمرة خيالك”.. “يا جبل ما يهزك ريح”.. “لا تصيبنا بالعين.. كله بالدين”.. “ماشية والرب راعيها”.. “من كتر همومي سقت العمومي”.. “من ظلم البشر عشقت السفر”.. “حتى هدف حياتي طلع تسلل”.. “رضا الوالدين أهم من رضى أمك وأبوك”.. “أهل الوفا ماتو”.. “الصبر مفتاح الفرج”.. “لا يخيفني الموت لكن تقتلني دمعة أمي”.. “الأصيلة بحالها بتعرف خيالها”.. “أحسن دوا شم الهوا”.. “كلب صديق ولا صديق كلب”.. “لا تسرع يا بابا ماما تاخد غيرك”.. وغيرها من العبارات الطريفة، الساخرة، وعبارات أخرى تحمل جوانب من الحكمة الشعبية، والمشاعر الدينية والعاطفية، مكتوبة على حافلات وسيارات من الخلف، لا سيما سيارات الأجرة والشاحنات.
تعلق هدى: “كل شيء مكتوب على “الكميون”: الحب، والعلاقات الاجتماعية، والصداقة، والمرأة، والله”. باستثناء العبارات السياسية، كون الشاحنة مصدر رزق، ينقل السائقون فيها حمولاتهم على طول البلد وعرضه، وحتى إلى بلدان أخرى.
أدب الشاحنات الشعبي
يتفنّن سائقو الحافلات وملاّك السيارات بتدوين عبارات على خلفيات مركباتهم في محاولة لإيصال جزء من أفكارهم أو التعبير عن آرائهم بطريقة مميزة.
محمد يضع على مركبته عبارة “كلب صديق ولا صديق كلب”، بعد أن مر بتجربة من أحد أقرب الأصدقاء لديه، ويغرد: “غدرني بعد أن أمنت له وفتحت له بيتي، لذلك كتبت هذه العبارة لتذكرني دائماً بوجوب التنبه والحذر دائماً، لأننا في زمن لا يُمكن أن تربي فيه صاحب”.
فيما فضّل زاهر أن يضع عبارات قرآنية تبعد الحسد والعيون، أو آيات التسبيح بدلاً من العبارات التي قد يعتبرها البعض موجهة ضده، ولا تؤخذ بصفة شخصية. بخاصة وأن الحسد هو العدو الأبرز لدى فئة كبيرة من الناس. يستدعي زاهر عبارة “يا ناظرني نظرة حسد، أشكيك لواحد أحد” لتحصين آليته.
فن أم مخالفة
تؤكد اختصاصية العلوم الإنسانية اللبنانية هدى قساطلي، والتي أمضت سنوات على الطرقات اللبنانية (قرابة 20 عاما) في صيد الصور، جمع وتوثيق أكثر من 2200 عبارة مكتوبة على ظهر السيارات في كتاب “رسوم الشاحنات في لبنان اليوم”، بأنّ الكتابة على المركبات، دخلت إلى لبنان من سورية في ثمانينات القرن الماضي، وعليه فإنّ عمر هذا “الإرث” لا يتجاوز العقود الثلاثة.
هبة دنش – لها