جريمة مروعة بمشغرة: “بائع اليانصيب” جثة متحللة.. والفاعل يسرد كيف خطط ونفذ

 

“لأ يا حسّان” تلك كانت الكلمات الأخيرة التي لفظها بائع “اليانصيب” محمد السعدي قبل أن يُسلم الروح في بلدة مشغرة في البقاع الغربي.

هي جريمة فظيعة وبشعة طالت حياة شخص بريء يبحث بين الأزّقة عن لقمة عيشه من خلال بيعه أوراق “اليانصيب”، فإذا بمطرقة الموت تحرمه من رؤية زوجته وولديه.

اعتاد محمد السعدي (سوري الجنسية، مواليد عام 1970) التردّد إلى بلدة مشغرة يومي الثلاثاء والسبت من كلّ أسبوع، وذلك قبل 10 سنوات من تاريخ وقوع الجريمة، فهو يعرف أزقتها وبيوتها وأناسها فرداً فرداً، ولم يكن ليخطر في بالِه أنّ من كان يبيعه أوراق “اليانصيب” منذ 10 سنوات سيغدر به بعد انقضاء كلّ هذه الفترة من الزمن.

السعدي وجد جثة مكبّلة ومتحلّلة داخل خزانة مطبخ في منزل المتهم حسان أحمد حسن في مشغرة الفوقا، بعد تصاعد الشكاوى من قبل الجيران عن انبعاث روائح كريهة من المنزل المذكور، فتحرّكت على أثرها دورية لقوى الأمن الداخلي بإشارة من النيابة العامة الاستئنافية في البقاع وبحضور مختار المحلّة، وعثر على الجثة وتمّ استخراجها من الخزانة وجرى نقلها الى مستشفى “الرئيس إلياس الهراوي الحكومي” في المعلقة – زحلة، وخلص تقريرُ الطبيب الشرعي الدكتور علي حيدر بعد الكشف عليها أن الوفاة حصلت جراء كسور متعدّدة في عظام الجمجمة، وعن حصول نزيف حادّ بسبب تعرّض المغدور لجرح بليغ في الجبين لكثرة الضرب، وجرح بليغ قطعي في فروة الرأس.

يقف المتّهم حسان أحمد حسن (مواليد عام 1965 – مشغرة) في قفص الإتّهام في قصر عدل زحلة واهناً ضعيفاً نادماً، فيسرد بالوقائع والتفاصيل تخطيطه وتنفيذه لجريمته ويقول: “لقد خطّطت لقتل السعدي قبل أسبوع تقريباً بنفس الطريقة التي حصلت”.

وفي التفاصيل، فإنّ المتّهم حسان أحمد حسن كان يعاني من ضائقة مالية وكان يواظِبُ على شراء أوراق “اليانصيب” من السعدي أسبوعياً علّ الحظ يحالفه، إلا أنّ حظّه لم يحالفه البتة، فراحت الأفكار الشيطانية تجول في رأسه وتحديداً بعد أن عاين الأوراق النقدية الكثيرة بحوزة السعدي التي كانت غلّة ذلك النهار في زيارته ما قبل الأخيرة، فقرّر انتظاره أسبوعاً آخر للتخلّص منه وسرقته، علّه يتخلّص من ضائقته المالية.

ومع بدء مسار التحقيقات، توافرت معلومات إلى مفرزة الجديدة القضائية في المتن عن وجود المتّهم حسان في مطعم “تيكو تيكو” في منطقه الدكوانة، فتوجهت الدورية إلى المكان المذكور، وأوقفته بعد أن حاول الفرار، فاعترف أنّه هو من أقدم على قتل المغدور محمد السعدي داخل منزله في مشغرة.

وخلال التحقيق أفاد المتّهم بأنّه على معرفه بالمغدور منذ أكثر من 10 سنوات حيث دأب على شراء أوراق “اليانصيب” منه أسبوعياً، وفي كلّ مرّة يعمد إلى التدقيق بالأوراق للكشف عما إذا أصابت الجائزة أم لا، ويقدّم له العصير كون السعدي لا يشرب القهوة.

ويضيف المتهم أنّ “وضعه المادّي قد تدهور منذ حوالي السنتين نتيجة توقفه عن العمل في دباغة الجلود، فوقع في ضائقة مادية خانقة، بحيث أنّه لم يعد قادراً على تأمين المال للمصروف اليومي، وراح يستدين من أشقائه وأصبح يعاني من حالة اليأس الحاد ممّا جعله يبحث عن مخرج من تلك “الحلقة المفرغة” فوقع الاختيار على المغدور محمد السعدي وذلك قبل أسبوع من حصول الجريمة”.

ويسرد حسان تفاصيل ارتكابه جريمته، ويقول: “عند الظهر تقريباً وفيما كنت أقف على شرفة المنزل، شاهدت المغدور محمد السعدي وقد بدأ جولته على منازل البلدة بهدف بيع أوراق “اليانصيب”، فكان اليوم الأسود، حيث قرّرت أن أتخلّص منه فور دخوله إلى منزلي كي استولي على ماله، ولدى وصول السعدي، فتحت له الباب واستقبلته أحسن استقبال وطلبت منه الجلوس في الصالون، ريثما أحضر له العصير كالعادة، فيما راح يدقّق بأوراق “اليانصيب” التي اشتريتها منه الأسبوع الماضي وكان عددها 3، وبدأ مقارنتها بجدول النتائج، وكنت قد حرصت على إجلاسه على الكرسي الذي لا يمكّنه من مشاهدة تحركاتي، فتوجّهت نحو المطبخ لأجلب العصير، وظهر السعدي باتجاه المطبخ، فأحضرت مطرقة من الحجم الكبير بزنة 3 كيلوغرامات وذات مسكة خشبية وانهلت عليه بالضرب مركزاً ضرباتي على الرأس، فوقع المغدور أرضاً، فسالت دماؤه على الأرض، فسمعته يقول لي “لأ يا حسان” فواظبت على ضربه بقوّة بغية التأكد من مقتله، وسدّدت له 5 ضربات متتالية، بحيث وصلت آثار الدماء إلى سقف الصالون، وتأكدت أنّه قد أسلم الروح، فعمدت إلى احضار المياه لازالة كميات الدماء الهائلة التي غطت الارض وبعد ان انتهيت من التنظيف قدر الامكان، احضرت كيسا من قماش ذات حجم كبير لونه ابيض ورحت احاول ادخال الجثة لكنني لم استطع، فعمدت الى تكبيلها بين الراس واليدين وجررتها باتجاه المطبخ وادخلتها في خزانة المطبخ تحت المجلى تحديدا واسندتها بقارورة الغاز، ثم عدت الى الصالون واكملت عملية التنظيف ومن ثم استبدلت ثيابي الملطخة بالدماء وامسكت بحقيبة المغدور بحثا عن المال، لاتفاجأ بالمبلغ الزهيد وهو كناية عن سبعمائة وخمسون الف ليرة ، فرحت افكر بطريقة للتخلص من الجثة، فتوجهت الى شركة لتأجير السيارات، واستأجرت سيارة لمدة اسبوع، وذلك بهدف نقل الجثة فيها، لكني عجزت عن تحقيق هذه الغاية بسبب بعد المنزل عن الطريق العام والتي لا يمكن اجتيازها سوى سيرا على الاقدام، وتصل هذه المسافة الى خمسين متر قريبا. فنزلت الى بيروت واستأجرت شقة بأربعمائة دولار اميركي في منطقة برج حمود ولكنني لم استطع النوم بسبب الندم الشديد الذي شعرت به على اثر ارتكابي للجريمة، فعدت ادراجي الى مشغرة بعد 4 ايام، ولدى دخولي الى المنزل، حاولت سحب الجثة لرميها في بحيرة القرعون لكني عجزت بسبب الرائحة الناتجة عن تحللها”.

واضاف حسان انه في اليوم التالي لجريمته توجه الى محل لبيع الاجهزة الخلوية في بلدة مشغرة، وسدد حسابه المدين به بعد ان عجز عن تسديده لأكثر من 3 اشهر،  مؤكدا انه  كان يحمل مبلغ 1500 دولار اميركي.

وفي سؤال عن حيازته مبلغ 1500 دولار ولماذا عمد الى قتل المغدور فأجاب انه كان يعتقد ان الضحية يحمل ما لايقل عن 5 ملايين ليرة لبنانية، لانه قبل اسبوعين من وقوع الجريمة، شاهد المغدور وبحوزته مبالغ مالية اكثر من تلك التي كانت بحوزته يوم مقتله.

وقد حاول المتهم حسان احمد حسن تغيير افادته الاولية بهدف تخفيف العقاب عنه، عبر اتهام السعدي بائع اليانصيب بانه ضبطه يحاول سرقة مبلغ ال 1500 دولار من محفظته، وان عراكا حصل فيما بينهما، انتهى بجريمة القتل هذه، وان وضعه المادي جيد وهو يعمل بتجارة السيارات، لكن الادلة والوقائع تثبت عكس ذلك.

وكانت عناصر مفرزة زحلة القضائية ومكتب المختبرات الجنائية قد عاينوا مسرح الجريمة، حيث ضبطت المطرقة التي استخدمها الجاني، وتم معاينة بقع الدم التي بقيت آثارها واضحة على سقف الصالون وجدرانه.

وبناء على ما تقدم، اصدرت محكمة الجنايات في البقاع حكمها في هذه القضية، وقضت بتجريم المتهم حسان احمد حسن وبإنزال عقوبة الاعدام بحقه، وبتسديد مبلغ مئة مليون ليرة لعائلة المغدور محمد السعدي تعويضا عن الضرر الذي لحق بهم، وتضمينه كافة الرسوم والتكاليف.

لبنان 24

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!