فرضية غارات أميركية على لبنان

يشكّل الحديث عن الحرب الوشيكة، بين حزب الله وإسرائيل، الشغل الشاغل للعديد من المحلّلين، اللبنانيين والعالميين. وبينما يذهب البعض للقول أن الحرب حتميّة، يبدو أن هذا التحليل ليس واقعياً، أقلّه في المستقبل القريب.

تشكّك مجلّة “ناشيونال انترست” الأميركية بقدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على فتح جبهة مع الحزب حالياً، فالجيش الإسرائيلي غير مهيّأ لحرب واسعة مع لبنان.

الفشل الذريع
ومن مفارقات حرب تموز 2006، أن أفضل مقاتلي حزب الله، وأكثرهم مهارة، لم يروا أي تحرّك إسرائيلي على طول نهر الليطاني، في حين أن الغالبيّة العظمى من مقاتلي الحزب الذين دافعوا عن القرى الجنوبية، كانوا يتوقّعون أن يكون الهجوم الإسرائيلي أعمق بكثير وأن يصل بسرعة أكبر. لقد كان هذا فشلاً كبيراً ومن الممكن أن يتكرّر اليوم.

قد تستمرّ إسرائيل وحلفاء إيران في المنطقة، وفق المجلّة، في تبادل الرسائل العسكرية، لكن الأعضاء الأكثر حنكة من قادة الجيش الإسرائيلي، يدركون تماماً العواقب الحقيقيّة لوضع القوّات الإسرائيلية في مواجهة أعداء قساة، ومحصّنين، مثل حزب الله.

من المستبعد أن تكون هناك حرب تستدعي كامل القوة العسكرية لإسرائيل، بما في ذلك قوّاتها البرّية غير المستعدّة، وكل ما يصرّح به نتنياهو من تهديدات بالحرب ليس إلا مجرّد كلام للترهيب.

لا تشكّك المجلّة الأميركية بقدرة إسرائيل الحقيقيّة على إلحاق دمار واسع النطاق. فالسيادة الجوّية والبحرية الإسرائيلية على منافسيها شبه مطلقة. ولكن كل هذا لن ينفع، حتى يعالج المخططون العسكريون الإسرائيليون الفجوة الهائلة في إستعدادهم. وحتى ذلك الحين، سيكون على نتنياهو إما أن يزعج واشنطن لدفعها إلى الحرب أو شنّ غارات قصف مكثّفة داخل الأراضي السورية واللبنانية.

الإقتصاد الإسرائيلي

تتخيّل صحيفة هآرتس سيناريو أي حرب مع حزب الله، خصوصاً بعد إعلان الجيش الإسرائيلي، في اليوم الأول من عدوانه الأخير على غزة، بأنه اعترض مئة من 370 قذيفة أو صاروخ، مع فشل منظومة القبّة الحديدية في حماية المنازل من التعرّض للقصف. وتطرح علامة إستفهام عن ما سيحصل في حال اشتبكت الدولة العبريّة مع منظمة، تمتلك تسعة أضعاف عدد الصواريخ الذي كانت تمتلكه في حرب تموز 2006.

الافتراض القائل بأن إسرائيل والاقتصاد سينهضان بسرعة، من حرب الصواريخ المقبلة مع الحزب، حسب ما تشير هآرتس، هو أمر خطير. فمن المنطقي أن تتوقف في هذه الحرب الأعمال التجارية، وأن تتدمّر صناعة السياحة، ويبدأ المستثمرون في أخذ الوضع الأمني بالاعتبار والتردد، إضافة إلى إرتفاع كلفة إعادة الإعمار، وتوقّف الرحلات الدوليّة.

وتشير هآرتس إلى حرب أخرى تدور اليوم بين وزارة الماليّة الإسرائيلية والخبراء الاقتصاديين في البلاد، بعد ارتفاع عجز الموازنة، إذ تبدو الأمور بالنسبة إلى الخبراء مثيرةً للقلق. إذ اتّخذت الحكومة الإسرائيلية إلتزامات إنفاق طويلة الأجل، ويريد نتنياهو زيادة ميزانية الدفاع. وهذا ما يعني أن حقبة مكاسب الإيرادات الضريبية قد انتهت.

بعد خمس عشرة سنة من النموّ، من دون توقف تقريباً، لم يعد وقت الاقتصاد في صالح إسرائيل، كما تحلّل هآرتس، حيث تتزايد احتمالات حدوث انكماش اقتصادي. وتخلص الصحيفة إلى القول، أن إسرائيل تسير في هذه الفترة من عدم اليقين، بموقف مالي إشكالي وتهديد أمني متزايد، وهذا ما يقلّص من احتمالات الحرب.

لا حرب

يعكس تحليل “ناشيونال انترست” وهآرتس الصورة السائدة حالياً لدى معظم القيادة الإسرائيلية. ورغم قيام مؤسسة الدفاع الإسرائيلية بمناورات عسكريّة عديدة، والتحضير لمناورات جديدة، فإن هذه التمارين تصبّ في خانة البقاء في جهوزية عالية، واللعب على وتر الحرب النفسية.

تنظر إسرائيل إلى لبنان على أنه دولة مهترئة ينخرها الفساد. فلا حاجة لخوض صراع مفتوح وتكبّد خسائر جسيمة مع دولة مهددة بالانهيار، ولا تحرك فيها الطبقة السياسيّة ساكناً. ومع ذلك تبقى فرضية الضربات الجوّية، سواء كانت إسرائيلية أم أميركية، على لبنان واردة في حال تصاعد التوتّر.

سامي خليفة -المدن 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!